على غير العادة، أرسل رئيس مجلس السياة الانتقالي رسائل واضحة وصريحة في بريد المؤتمر الوطني، والحركة الإسلامية، بأن يبتعدوا عن الساحة السياسية، وألا يتخفوا وراء الجيش ليعودوا إلى السلطة مرة أخرى، ففي السابق كان البرهان لا يسميهما، ويكتفي بالقول مثلاً: (هناك جهات تعمل على عرقلة التحول المدني الديمقراطي، وأنها لا تريد الاستقرار للبلاد، أو أنها تعمل على زرع الفتنة)، فما الذي دعا القائد العام للقوات المسلحة لأن يرسل رسائل واضحة إلى حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية والأحزاب السياسية في هذا التوقيت؟ الخرطوم : وجدان طلحة مراقبون أشاروا إلى أن البرهان أراد إرسال رسائل في هذا الخطاب إلى الإسلاميين، وحزب المؤتمر الوطني، بأنه سيتم رصد تحركاتهم داخل الجيش، وأن أي محاولة لإحداث تغيير بأي شكل ليس مسموح بها ، وسيتم التعامل معها بحسم وحزم؛ لأن الجيش مؤسسة متماسكة تقوم بدورها في حفظ الأمن . آخرون لفتوا إلى أنه ربما شعرت الحركة الإسلامية وجناحها السياسي بأن الحل السياسي القادم سيخرجهم من الساحة السياسية تماماً، بعد ما عادوا إليها عقب انقلاب 25 أكتوبر، فحزب المؤتمر الوطني الذي حكم ل30 عاماً لن يقبل بالتغييرات التي حدثت، ويحاول عرقلة التحول الديمقراطي، وربما يفعل كما فعل الحزب الشيوعي عندما تم حله، لم يستسلم ونفذ انقلاباً عسكرياً . (يا ناس المؤتمر الوطني كفاكم 30 سنة امشوا أدوا الناس فرصة معاكم، وما تعشموا أن الجيش يرجعكم تاني، وما تعشموا الناس تقيف معاكم تاني)، هكذا قال القائد العام للقوات المسلحة، عبد الفتاح البرهان، خلال خطابه أمس، وأضاف: "كلام خاص للمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية ارفعوا أيديكم عن الجيش وابعدوا عنه وما تتضاروا وراهو ". القيادي الإسلامي أمين حسن عمر أشار، في تصريح ل(السوداني)، إلى أن القائد العام للقوات المسلحة، عبد الفتاح البرهان، يعلم تماماً إذا كانت الحركة الإسلامية موجودة بالجيش أم لا، لافتاً إلى أن الحركة الإسلامية ليست محتاجة أن تظل في الجيش؛ لأن له عقيدة وأسساً ملتزم بها، وقال: "لا نحتاج إلى حزب داخل الجيش ولا نريد أن نغير قيمه حتى نكون قريبين منه" . أمين أشار إلى أن المؤتمر الوطني ذكر أنه لن يأتي إلى السلطة الا عبر الانتخابات، بالتالي أي كلام عن هذا سيكون زائداً عن الحاجة، وتساءل: "هل يوجد شخص له وصاية على الشعب؟، فالشعب يختار من يحكمه"، وقال إن حزب المؤتمر الوطني ذكر أنه لا يريد أن يحكم في الفترة الانتقالية، واشترط رجوعه إليها عبر الانتخابات، ولا يوجد شخص له كلمة أعلى من كلمة الشعب إذا اختار من يحكمه . حماية الوطن : خبراء عسكريون أشاروا إلى أن القوات المسلحة السودانية دخلت في معارك كثيرة، وكسبتها ولها خبرات وتمسكها بعقيدتها المعروفة، مشيرين إلى أن الحديث عن تسييسها ليس صحيحاً، وعقيدتها حماية الوطن والمواطن، وليس حزب أو جهة معينة، لافتين إلى أنه تتم محاسبة أي من يخالف لوائحها . القيادي بالجبهة الثورية، إبراهيم زريبة، أوضح في تصريح ل(السوداني)، أنه خلال ال30 عاماً استهدفت الحركة الإسلامية القوات النظامية ابتداءً من القبول بالكليات العسكرية، وانتهاءً بإقالة الضباط غير الموالين للحركة الإسلامية، وقال هذا الأمر معروف وعملوا على تغيير العقيدة العسكرية للجيش لتصبح عقيدته لحزب المؤتمر الوطني وليس للوطن، وبالتالي من الطبيعي كونهم يراهنون على هذا، لكن هناك وعي كبير في السودان، ووعي بدور القوات المسلحة في حماية الوطن والمواطن، وأضاف: "لا أظن أن القوات المسلحة ستكون بوابة لعودة الإسلاميين والمؤتمر الوطني للحكم". رسائل تطمينية: البرهان أكد خلال تفقده لقاعدة حطاب العسكرية، أن حل الأزمة السياسية الراهنة سيشمل الذين أسهموا في إزاحة النظام السابق، وقال: "من يريد الانضمام، فله هذا، ومن يريد أن يتمترس خلف آرائه وأفكاره فليتمترس، نحن نريد أن نمضي للأمام"، مشيراً إلى أن أي شخص يريد أن يطرح مبادرة سياسية ويريد أن يتبعه الآخرون . وبحسب محللين سياسيين فإنه لا يمكن أن يحدث استقرار بالبلاد، دون اتفاق بين القوى السياسية، ومن يعتقد غير ذلك يكون واهماً، مشيرين إلى أن البرهان ظل يؤكد ضرورة توافق شامل ما عدا حزب المؤتمر الوطني، وهذا ليس صعباً، لكن لن يحدث إذا كان البعض يعتقد أن لديه وصاية ثورية على الشعب السوداني . المتحدث باسم الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، شهاب إبراهيم، أشار في تصريح ل(السوداني)، إلى أن البرهان يريد أن يجدد التزامه بمسودة الدستور الانتقالي التي طرحتها اللجنة التسييرية لنقابة المحاميين، وعلى الحل السياسي الشامل الذي ينهي الانقلاب، وفي نفس الوقت قصد إرسال رسائل في بريد حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية حول التهديدات التي أطلقها بعض قادتها في الفترة الماضية ، لقطع الطريق أمام تحركاتهم داخل الجيش، بالرغم من أنه لم يغادر منطقة المناورة بعملية الإصلاح الأمني والعسكري، مشيراً إلى أنه يحاول كسب القوات المسلحة تجاهه عندما يرسل رسائل تطمينية بأنه لن يتم المساس بالمؤسسة العسكرية، لكن لابد أن يستجيب إلى رغبة السودانيات والسودانيين في إجراء إصلاحات هيكلية وبنيوية حقيقية في المؤسسات الأمنية والعسكرية . مصالحة الإسلاميين: خرج البرهان أمس مهاجماً الإسلاميين وحزب المؤتمر الوطني، بينما دعا بعض قادة حركات الكفاح المسلح وسياسيون إلى المصالحة مع الإسلاميين، بحجة أنه لا يمكن اجتثاثهم من المجتمع، مشيرين إلى أن بعضهم دعم ثورة ديسمبر المجيدة، بالتالي لا يمكن أن يُصنف الإسلاميون بأن جميعهم ضد الحكم المدني الديمقراطي . آخرون قالوا إن بعض أعضاء حزب المؤتمر الوطني مخلصون كان لهم دور بارز في التغيير، ويجب أن يكونوا جزءاً من مبادرات التي تم طرحها لإخراج البلاد من أزمتها الحالية . رئيس الحركة الشعبية التيار الثوري، ياسر عرمان، أشار في تصريح صحفي سابق، إلى أن الحركة الإسلامية، أصبحت غولاً بسبب سيطرتها على أجهزة الدولة التي يجب إخراجها منها بالكامل، وإعادتها للشعب، وأن تكون أجهزة وطنية، لترجع الحركة الإسلامية إلى وضعها الطبيعي. ضمان الأمن : رئيس مجلس السيادة، قائد القوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، أكد على أهمية الحوار بين كل الفرقاء في البلاد، إلا أنه أشار إلى أن الجيش لن يقف متفرجاً على انهيار البلاد، بينما تستمر القوى السياسية في حواراتها، وأكد أن الجيش لن يتخلى عن سلاحه ودوره في ضمان الأمن . وقال، خلال زيارة تفقدية لقاعدة حطاب العسكرية أمس، إن القوات المسلحة قوات قومية وطنية، تحمي البلد ومواطنيه، ولا تتبع لأي جهة أو حزب أو فئة، لا الحزب الوطني، ولا الحركة الإسلامية، أو حزب شيوعي أو غيره، بل تنتمي إلى الوطن . مطالباً الحركة الإسلامية برفع يدها عن الجيش، وقال: "لن نسمح بتفكيك الجيش"، مشيراً إلى الهجوم الذي تعرض له بعض القادة العسكريين، لافتاً إلى أن القوات النظامية خط أحمر، ولن يسمح بالتلاعب بها، ولن يسمح بانهيار البلاد.