حاولت جاهدةً استنطاقهم حول ما حَدَثَ بالتّفصيل عند مروري بجوارهم صُدفةً، لتأتي الإجابة سريعة وواحدة (سايمون مات بسبب البرد) ثُمّ غَادروا المكان مُسرعين، رافضين التحدث معي، إلا أن فتاة كانت في العقد العشرين من عمرها لم تفارق المكان فقد كانت تبكي بحرقةٍ، فاقتربت منها وسألتها (سايمون أخوك؟) نظرت إليّ من وراء دُمُوعها قَائلةً: (لا)، لكن بالليل كان بفتش في بطانية قال بردان شديد)، ثُمّ صمتت وغادرت هي الأخرى. (2) فيما لاحظت من خلال تجوالي أنّ عدداً كبيراً من الأُمّهات المُتشردات في مناطق مُختلفة يحملن أطفالهن الصغار في الشارع العام مساءً وهن (يشحدن) بهم، وأُخريات مُمددات على طول الرصيف يتوسّدن قطعاً كرتونية وأطفالهن بملابس خفيفة وأجسادهم مكورة من شدة البرد..! (3) مازالت صورة الفنان التشكيلي محمد حسين بهنس الذي مات مُتجمِّداً من البرد في قاهرة المعز وهو مُمددٌ على الرصيف لا حول له ولا قوة عالقة في الأذهان, ليتكرّر ذات المشهد الذي يُؤكِّد لنا أنّ (من البرد ما قتل)، وأن الحل الحقيقي لتفادي موجات البرد الشديد هو المأوى الجيد وارتداء الملابس الثّقيلة التي تقي منه وتشعر الإنسان بشيءٍ من الدفء. (4) عَدَدٌ من المُواطنين أبدوا قلقهم وتَخَوُّفهم على المُتشردين الذين يجوبون الشوارع ولا مأوى لهم يحميهم من البرد غير الشوارع والأزقة و(الخيران) التي يَنامون فيها وعدم وُجُود غطاءٍ أو مَلابس ثقيلة تتناسب والبرد، غير تلك المُمزّقة والشفّافة، مُطالبين مُنظّمات العمل الطوعي وفاعلي الخير بأن يمدوا يد العون لهؤلاء الأطفال بمنحهم الغطاء والملابس عبر الحملات التي يقومون بإطلاقها، خَاصّةً أنّ الأيام القادمة ستشهد موجة برد شديدة. في الوقت الذي شَارَكَ فيه عَدَدٌ من المُبدعين في الفترة الماضية بجمع الملابس الشتوية منذ وقتٍ مُبكِّرٍ وتوزيعها على المُحتاجين في خطوةٍ ولفتةٍ إنسانيةٍ رائعةٍ وجدت القُبُول والاستحسان من الجميع.