مطلقو الشائعات ومحللو الأزمات من جنس المنظرين المعتنقين لنظرية المؤامرة تلك، يتزايد عددهم في مجالس المدينة وأزقتها، ينفثون سمومهم كلما حملت الأنباء حريقا جديدا، خصوصا بعد حريق سوق نيالا الأخير. أصحاب نظرية المؤامرة في سياق تعجلهم لإثبات قدرتهم التحليلية الفائقة والقادرة على تجاوز حدود الرؤية الطبيعية للأحداث، تناسوا ربما بلا تعمّد أن رئاسة الجمهورية وجهت البنك المركزي في وقت سابق عقب حريق سوق أم درمان باستبدال النقود التالفة، وهو ما أعلنه رئيس مجلس الوزراء وزير المالية معتز موسى آنذاك عبر تغريدة في حسابه (التويتري)، كاشفا عن أن الرئيس البشير وجه محافظ بنك السودان باستبدال الأوراق النقدية التالفة في الحريق، مشيرا إلى أنه اجتمع هو ومحافظ بنك السودان المركزي إلى رئيس الجمهورية، ناقلا مواساة الرئيس لمتضرري حريق سوق أم درمان، موجها في الوقت ذاته بنك السودان باستبدال الأوراق النقدية التالفة للمتضررين وفق الضوابط والمعايير الفنية. ولاحقا أكد بيان للبنك المركزي أنه بناءً على توجيه رئيس الجمهورية لمحافظ بنك السودان بضرورة جبر الضرر لتجار سوق أم درمان جراء الحريق، فإن البنك يعلن المواطنين الذين تضرروا من الحريق بأنه سيعالج أمر الأوراق النقدية التي تأثرت بالحريق وذلك وفقاً للأسس والضوابط المعمول بها في شأن العملة التالفة. وأكدت تقارير إعلامية حينها أن النيران قضت على أوراق نقدية تقدر بمليارات الجنيهات وملايين الدولارات المخزنة في السوق، حيث يعمد التجار أخيرا إلى عدم الدفع بأموالهم إلى البنوك بسبب أزمة شح النقود "الكاش". وبغض النظر عن نتائج التحقيق في أسباب الحريق، إلا أن كثيرين يرون أن التوجيهات الرئاسية لبنك السودان تجهض تماما الروايات المستندة على نظرية المؤامرة بأن الحرائق تشب بفعل فاعل. آخرون يرون أن تعويض أو استبدال الأوراق النقدية لا يضعف النظرية بقدر ما أنه يعززها لجهة أن الفاعل لا يريد مصادرة أموال التجار، بل يريدهم أن يضعوها داخل الجهاز المصرفي، ومن ثم يُطلق سراح جزء من هذه الأموال لأصحابها، بينما يضع المتبقي في حساباتهم بالبنوك بما يخدم استراتيجية أو سياسة الامتصاص بتقليل الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي. ماذا حدث في نيالا؟ جلس على الأرض واضعا كلتا يديه على رأسه ودمعاته تتساقط على خده، يتحلق حوله أصدقاؤه وجيرانه في السوق من التجار للتخفيف عنه بعد استفحال حسرته لما تعرضت له بضاعته من تلف بسبب الحريق الذي نشب في سوق نيالا. هكذا كان حال الشاب الثلاثيني محمد، الذي جمع حصاد عمره ليكون تاجر قطاعي لبيع الأحذية التي اختار لها مكانا في طرف السوق عبارة عن منضدة كبيرة لعرض بضاعته حسب وضعه المادي الذي منعه من توفير ثمن إيجار دكان. محمد كشف في حديثه ل(السوداني) أمس، عن أن النار أحرقت كل بضاعته، ولم تترك شيئا سليما وذلك بعد أن وضعها داخل دكان جاره في السوق الذي احترقت بضاعته بدوره. توقيت وضرر الأسافير ضجت صباح الأربعاء الماضي باندلاع حريق كبير في سوق نيالا من الناحية الشرقية، وتحديدا في حوالي الرابعة فجرا. عدد من متاجر الأحذية والعطور احترقت، بلغت حوالي ثمانية متاجر كان يمكنها أن تزيد، إلا أن التدخل السريع للمطافئ أنقذ السوق من وقوع كارثة ضررها أكبر. بخيت نور الدين صاحب محل عطور بسوق نيالا وأحد التجار المتضررين من الحريق تحدث ل(السوداني) مؤكدا أن دكانه احترق بأكمله حتى السقف، حامداً الله لعدم وجود بضاعة كثيرة بداخله، وأضاف: أفرغتها بسبب الصيانة والضرر الذي لحق بي بسبب انتقال النيران من الدكاكين الأخرى التي تجاورني، قاطعا بأن الحريق بسبب تماس كهربائي. من جانبه أكد التاجر الفاتح صاحب محلات أحذية في حديثه ل(السوداني)، أنهم سمعوا بخبر الحريق في الصباح الباكر، لأن النيران اشتعلت مع الساعات الأولى للصباح، موضحاً أنه عندها أتى مسرعا للسوق ووجد أن بضاعته احترقت بأكملها، واستدرك: إلا أنني لا أستطيع تقييم الضرر ماديا حتى الآن. محمد علي، صاحب محل عطور كشف في حديثه ل(السوداني)، عن أن النار اشتعلت من عندهم في خارج السوق حيث يضعون بضائعهم في فترينة خارج السوق، وأن النار بعد أن قضت على بضاعتهم امتدت لداخل السوق، منوها إلى أن أكثر الذين تضرروا أصحاب الفترينات والفريشة لأنهم يتركون بضاعتهم في أماكنها مغطاة والبعض يضعها في دكاكين جيرانهم من التجار، مشيرا إلى أن الحركة في السوق بعد الحريق عادت عادية بعد أن حضرت الشرطة وتم إطفاء النيران ومعرفة أسباب الحريق. من جانبهم أكد عدد كبير من المواطنين الذين يقطنون بحي الوادي بالقرب من السوق أنهم فوجئوا صباحا بالدخان الكثيف الذي ملأ السماء وكانوا يتوقعون أن حجم الكارثة أكبر إلا أنهم وبعد دخولهم للسوق وجدوا أنه تم احتواء الحريق الذي قالوا إنه بدأ من محلات الفريشة بطرف السوق قبل أن ينتشر للداخل، موضحين أن حركة السوق من بيع وشراء عادت كما هي بعد أن تم نقل التالف من البضاعة للخارج ونظافة المكان، إلا أن حسرة بعض التجار كانت واضحة للعيان وهم يفقدون شقاء عمرهم من تجارتهم.