رئاسة الجمهورية عبر بيان لها احتسبت عند الله تعالى مولانا بابكر عوض الله، ووصفته بأحد قيادات العمل السياسي والقضائي والتنفيذي الذي لبى نداء ربه بأيرلندا أمس الأول بعد حياة حافلة بالبذل والعطاء وإسهامات جليلة في مسيرة العمل الوطني والمجتمعي في شتى المجالات. من هو بابكر عوض الله؟ سيرة الرجل لا تخفى على أحد، إذ كانت مترعة بالعمل والفعل السياسي، وطبقا لما تناثر عن سيرته، فإنه من مواليد القطينة بولاية النيل الأبيض عام 1917م، وطبقا لمدونة الإعلامية عفاف أحمد فإنه ذو أصول مصرية. تخرج في مدرسة الحقوق بكلية غردون التذكارية 1940م، قبل أن ينال ماجستير القانون. وطبقا لما نقله الصحفي زهير عثمان، فإنه عمل رئيساً لمجلس النواب في 1954م، ثم تولى رئاسة المحكمة العليا ومنصب رئيس القضاء عام 1964م، ثم منصب رئيس الوزراء إبان حكومة مايو في الفترة من 25 مايو 1969م وحتى أكتوبر 1970م، ليكون المدني الوحيد في مجلس الحكم في عهد نميري. معلومة أخرى أوردتها عفاف أنه استوزر للخارجية في مدى زمني قليل خلال حكم النميري في اغسطس 1969م. أبرز المواقف التي تناولها كل من كتب عنه أنه قدم استقالته من رئاسة القضاء (في العام 1967) احتجاجاً على رفض الحكومة لقرار المحكمة ببطلان حل الحزب الشيوعي.. ثم تولى بعد الانقلاب في 25 مايو 1969 منصب رئيس الوزراء. يحب مصر بحسب عفاف، فإن مصر حظيت باهتمام بابكر، كاشفة عن أنه كان من الداعين بشدة للوحدة بين مصر والسودان، وأن ذلك جعله يختلف مع الزعيم الأزهري وحزب الأمة، مشيرة إلى أن بابكر عوض الله يصنف كقومي عربي اشتراكي، ولعل ذلك ما عزز ارتباطه بمصر. محطة مايو رغم خوض الراحل تجربة ديمقراطية منذ ما قبل الاستقلال، إلا أن المفارقة مشاركته في انقلاب النميري. وبحسب ما أورده المستشار الإعلامي بسفارة السودان في لندن مصطفى البطل، وتناقلته تقارير إعلامية، فإن بابكر عوض الله استضاف ضباط التحرك الشباب، وأن جميعهم وقتها كانوا برتبة رائد، في منزله بشارع 31 بحي العمارات في مقتبل العام 1969 بناءً على طلبه، وأنهم آنذاك لم يفكروا في اختيار قائد برتبة أعلى ليكون على رأس الانقلاب قبل أن يسألهم بابكر عوض الله عن ذلك الأمر ليردوا لهم "قائدنا أنت". ولكنه أقنعهم بأن الانقلاب يلزمه قائد عسكري لا مدني، ليتم الاتفاق فيما بعد على شخص العقيد - آنذاك، جعفر محمد نميري، قائد ثاني حامية جبيت. وبحسب ما أورده البطل، فإن الرائد فاروق عثمان حمد الله التفت إلى بابكر عوض الله مداعبا وهو يعلق على موافقة بابكر ومباركته لاقتراح اختيار النميري، رغم أنه لم يكن يعرفه أصلا، فقال له: (أنت وافقت عليه لأنه دنقلاوي مثلك). ويضيف البطل: "كانت هذه أيضا المرة الأولى التي أقف فيها على هذه المعلومة بشأن جذور بابكر عوض الله، إذ لم أكن أعرف أنه من أصول نوبية، وكنت أظن أنه ينحدر من إحدى قبائل وسط السودان". التوثيق لمسيرة الرجل بدا هينا لجهة أنه حتى الفترة التي قضاها من بعد استقالته احتجاجا على حل الحزب الشيوعي إلى قيام انقلاب مايو تم توثيقها إذ أورد البطل عنه أنه عمل خلال تلك الفترة محامياً لشركة جورجيان. وكثير من الدول تحظر على من تولى رئاسة القضاء أن يعمل بالمحاماة بعد مغادرته المنصب على الأقل لفترة زمنية محددة. وجورجيان الذي عمل مولانا بابكر عوض الله محاميا له ولشركته هو رجل أعمال أرمني كان يمتلك الشركة التجارية الشهيرة التي حملت اسمه واسم أسرته في الخرطوم في ستينيات القرن الماضي. ومن عجب أن شركة جورجيان هذه كانت من ضمن الشركات التي جرى تأميمها على يد حكومة مولانا بابكر عوض الله بعد أشهر قلائل من نجاح انقلاب مايو.