(النيوزيم).. ذاكرة الصحافة العالمية! أمريكا: محمد عبد العزيز لم أجد ايجازا يعبر عما شاهدته أفضل مما جاء على لسان الراهب هيبا فى عزازيل يوسف زيدان "كإن جمالها ظالماً لمن يعرفه، ظالماً لأنه أعمق من أن يُحتمل، وأبعدُ من أن ينال"....ورغم أن أنوار أمسترادم التى توقفت بها قليلاً تحجب بصرك عن رؤية واشنطون لحظة وصولك، ولكنها مع ذلك كانت الاخيرة تنضح بقوة باطنية كما رسمها دان براون فى روايته (الرمز المفقود)، فالمستوطنون الاوائل اختاروا مستنقعا ضبابيا على ضفة نهر بومتوماك لوضع حجر الاساس لمجتمعهم الطوباوي، ولوضع حد لتنازع الولايات على عاصمة دولتهم الجديدة...اتحسس ذاكرتي جيدا مسترجعا صورتي الذهنية عن بلاد العم سام قبل ان اسلم (جواز سفري) لموظف الهجرة. حقائق ثابتة: في ضوء الاهتمام الأميركي بالصحافة وإظهار تأثير المهنة الصحفية عبر التاريخ، يفتح متحف واشنطن الإخباري "نيوزيوم" أبوابه للزوار عند واحد من أشهر شوارع العاصمة، (بنسلفانيا أفنيو) على مقربة من مبنى الكابيتول، مقر الكونغرس الأميركي، ويهدف هذا المتحف لمساعدة زواره على توسيع إدراكهم وفهمهم لدور وسائل الإعلام، والحقوق والمسئوليات وحرية الرأي التي تترتب عليها. ويقول مرشدنا فى جولة المتحف جونثان سامبسون أنه على الرغم من التحول الحادث في دور وسائل الإعلام التقليدية كالصحف وإذاعات الراديو، إلا أن هناك "حقائق ثابتة" دائمة بالنسبة للصحافة يبقى صداها متردداً عند الشعب. ويقول "التعطش إلى الأخبار والمعلومات لم يكن أشد منه اليوم من أي وقت مضى في العالم بأسره. ثم إن الديمقراطية لا يتسنى لها أن توجد وتعيش في أي مكان دون التدفق الحر للمعلومات." جدار برلين: أول المحطات للزائر للمتحف تتمثل فى جزء من جدار برلين، بجانب الجدار أحد أبراج الحراسة، ومن بين معروضاته قطع من جدار برلين، ويقول مرشدنا المتطوع إن المقصود من القاعة التي تضم جزءاً من جدار برلين البالغ وزنه 60 طناً، هو إبراز كيف كانت حكومة ألمانياالشرقية السابقة تسجن المواطنين في داخل بلدهم، ولكنها لم تستطع أن تمنع عنهم دخول الأخبار والمعلومات التي كانت تبثها الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية. ويضيف سامبسون قائلاً "نعتقد أن الأنباء والمعلومات هي التي ألهبت مشاعر الألمان في سعيهم إلى الحرية". سودانيون هناك: من الاقسام المهمة بالمتحف القسم المخصص للمباحث الفيدرالية والشرطة، حيث يوجد ابرز قصص الجريمة فى تاريخ الصحافة الامريكية بجانب بعض المتعلقات والادلة فى اشهر الحوادث ومن بين ذلك بقايا متعلقات خاصة بمنفذي الحادي عشر من سبتمبر، والكوخ الذى قبض فيه اشهر مجرم يقوم بالقتل عبر ارسال الطرود المفخخة، كما يوجد بالمتحف بقايا برج التلفزيون المدمر الذي كان على سطح أحد مبنيي مركز التجارة العالمي في نيويورك، ويضم المتحف أيضا تذكارا ل 1.843 صحفياً من مختلف أنحاء العالم قتلوا أثناء تأديتهم واجبهم في تغطية الأحداث الإخبارية بين عامي 1837 وحتى الان، ومن بينهم رئيس تحرير صحيفة الوفاق الراحل محمد طه محمد احمد. التوثيق لووترجيت: تعرض بعض جوانب المتحف مواقف وحالات أخفقت فيها وسائل الإعلام في إطلاع الجمهور على المعلومات الصحيحة، وتبين مواضع عدم الدقة والتحيز وإساءة استعمال المصادر والخداع المقصود وغير ذلك من الأخطاء. وهناك في الوقت ذاته عروض تبين انتصارات وسائل الإعلام مثل كشف صحيفة "واشنطن بوست عن فضيحة "ووترجيت" للتجسس في عام 1972، والتي فضحت في نهاية المطاف كيفية استغلال حكومة الرئيس ريتشارد نيكسون السلطة وإساءة استعمالها. ويُركز جزء كبير من معروضات المتحف على الصحافة الأميركية، وعلى كيفية إسهام التعديل الدستوري الأول الذي يكفل حرية الصحافة وحرية الرأي والدين أيضاً في تمكين الصحفيين الأميركيين من أداء مهام عملهم. صحافة رائدة: من ضمن الأقسام التى يضمها المتحف استديوهات مصغرة معدة خصيصا لتعليم الأطفال صناعة الخبر ورصده فضلا عن أجهزة بث وكاميرات قديمة وحديثة وأجهزة أخرى مختلفة استخدمت فى الرصد الإعلامى بالإضافة إلى قصاصات ورقية تحكى تاريخ الصحافة منذ نشأتها وأعداد من المجلات والصحف جمعت من مختلف دول العالم، بجانب عرض لابرز ما جاء فى الصفحات الاولى لبعض صحف العالم، وقد كنت محظوظا بين رفاقي الصحفيين الافارقة اذ كانت الصحافة السودانية حضورا فى المتحف ممثلة للقارة السمراء عبر صحيفة الجريدة، الامر الذى اثار حفيظة بعض الزملاء، مما دفعني لتعليق عليهم مازحا ان الصحافة فى السودان رائدة فى القارة!. معلومات اخيرة: أنشئ متحف الصحافة والإعلام سنة 1997 بتكلفة قدرها 450 مليون دولار وهو أكبر متحف من نوعه فى العالم ، ويتكون من سبعة طوابق تضم مسارح وصالات عرض وستديوهات تليفزيونية وإذاعية، وعلاوة على ذلك، يعتز المتحف الذي بلغت تكلفته 450 مليون دولار، بأنه يضم 15 مسرحاً و14 قاعة مجهزة بأجهزة الفيديو التي تعمل 23 ساعة في اليوم، وبتسهيلات وأجهزة للتفاعل التبادلي مع الجمهور تبلغ 130 جهازاً.