قبل أن (يتفحَّص) المُواطنون بولاية الجزيرة؛ تفاصيل عام 2019م باغتتهم حكومتهم بتنفيذ قرارٍ صادرٍ من وزارة الصحة قَضَى بزيادة أسعار الخدمات الطبية المُقدّمة بالمُستشفيات الحكومية بنسبة (300%)، ما جعل الكثيرين يُؤكِّدون أنّ من يكتب عليه القدر الذهاب للمشافي سيحترق بنيران أسعار الخدمات كَافّة، بدءاً بتذاكر الدخول التي ارتفعت قيمتها من (5 – 15) جنيها، ومروراً بالعيادات المُحوّلة، حيث زاد سعر مُقابلة الطبيب، وذات الشيء ينطبق على أسعار الفُحُوصات والتّحاليل والأشعة، وصولاً الى أسعار العمليات وحتى زيادة في أسعار السرير والفايل، وهكذا وجد الفقراء من المرضى أنفسهم أمام روشتة عنوانها الموت!! بالتالي وفي ظل عدم وجود جهاز رقابي يحمي المُواطنين من الهَجمة الشّرسة التي شنَّها الجهاز التّنفيذي ووصلت لدرجة الاستثمار في صحة المرضى القاصدين لتلقِّي العلاج بمُستشفيات الشعب وليس المشافي الخاصّة. قائمة الأسعار الجديدة وتَحَصّلت (السوداني) على قوائم أسعار الخدمات الطبية بالمُستشفيات للعام 2019م، وَقَد بَدَأ التّدشين بمستشفى ود مَدَني، حَيث اطّلع نائب المدير العام للمُستشفى، مُدير الحِسَابات عَلَى نَص القَرار الذي ارتفع بمُوجبه تَحصيل رُسُوم العَمليّات الكَبيرة ليصبح (9250) جنيهاً، بزيادة تَصل إلى (300%)، وكذلك العمليّة المُتوسِّطة التي أصبحت بمُوجب القرار برسم قدره (6100) جنيه، والعَمليّة الصغيرة بنج عام (3800) جنيه.. أيضاً تمّ رفع رُسُوم الفحوصات بنسبة (100%)، ووصل فحص الملاريا من (15 – 30) جنيهاً، ومُقابلة الأخصائي (50) جنيهاً، وتمّ رفع رسوم الأشعة المَقطعية للمخ والحوض والجُيُوب الأنفية ومَقاسات الحوض من (600 – 900) جنيه، والبطن من (1000 - 1500) جنيه، وتم رفع رُسُوم الرنين المَغنطيسي للمخ والمَفاصل والسلسلة الفقرية والعنق من (1200 – 1800) جنيه، والشرايين والقلب من (2000 – 3000) جنيه. جولة بالمُستشفيات وخلال جولةٍ ل(السُّوداني) ببعض المُستشفيات، وصف عددٌ من المرضى تنفيذ قرارات وزارة الصحة بزيادة رسوم الخدمات الطبية بالكارثية، وطالبوا بإعادة النظر في القرار، مُؤكِّدين أنه يزيد من أعبائهم، خُصُوصاً وأنّ كثيرين منهم يتقاضون رواتب ضئيلة. ومن داخل مستشفى ود مدني، التقينا بالمريض أحمد عثمان فقال: إن أسعار جميع الخدمات الطبية وصلت إلى أرقامٍ فلكيةٍ أرهقتنا وأرهقت أسرنا، فهي تُضاهي قوائم أسعار المُستشفيات الخاصّة، والأفضل في هذه الحالة مُتابعة الحالات المَرضية بالمُستشفيات الخاصّة التي تتوافر فيها جميع الخدمات والرعاية والراحة للمريض، وقال: فُوجئت بارتفاع تكاليف العلاج بمستشفى ود مدني، مُتسائلاً كيف تتحمّل ميزانية أيِّ أسرة مهما كانت كل هذه المبالغ، خَاصّةً نحن كبار السن نُعاني من أمراض عديدة ومُزمنة، نحتاج للمُراجعة كل فترة، وأضاف أنّ المُشكلة ليست في قيمة الكشف فقط، وإنّما في أسعار العلاج التي ارتفعت بشكلٍ كبيرٍ، وأسعار التحاليل والأشعة، فالواقع يا ولدي يكشف عن حجم الكارثة التي يُعاني منها قطاع الصحة بالولاية، فليس أمام المرضى خِيَارٌ سوى انتظار المَوت..!! رَواتب مُتواضعة وبحسب مُواطنين تحدّثوا إلينا، قد جَاءت هذه الزيادات في الخدمات العلاجية كَافّة، في ظِلّ الضُّغوط الاقتصادية الرّاهنة ومُعاناة المُواطنين للحُصُول على أبسط احتياجاتهم الضرورية وحاجة المُواطن للدعم الحكومي في كُلّ القطاعات، مع تَدَني الرّواتب بإقرار اتّحاد عام نقابات عُمّال السُّودان بأنّ الرواتب رغم زيادتها في بداية هذا العام، إلا أنّها لا تَكفي لتكاليف المعيشة، لتخرج وزارة الصحة بولاية الجزيرة على الناس بتنفيذ قرارٍ صَادمٍ وكارثي قضى بزيادة رسوم الخدمات الصحية المُقدّمة في المُستشفيات الحكومية دُون مُراعاة لظروف المرضى وأحوالهم المادية لتزداد فصول المُعاناة على المُواطنين، فمن لم يمت بالمرض مَاتَ بتكاليف العلاج.. حقيقة يحترق بها المرضى ويتجرّعون مراراتها كل يوم وكأنّ الألم وحده ليس كافياً حتى تأتي أسعار الخدمات الطبية لتزيد من مُعاناتهم وتقتلهم، في كل مرة يُفكِّرون فيها بالذهاب الى المستشفيات الحكومية بالولاية. مُستشفى الأطفال ومن داخل مستشفى الأطفال بود مدني تقول فاطمة الزين ل(السوداني)، إنّ طفلها يُعاني من آلام شديدة بالبطن وطلبوا منا فحوصات وتحاليل وصور أشعة مقطعية، "لكن كلام الفحوصات دا كتير ونحن ناس مساكين والولد ببكي ما عارف الألم شنو، وأنا ذاتي بتألم معاه بسبب الزيادة الكبيرة في الفحوصات بتزيد عجزنا في تلقي العلاج ونسأل الله تعالى السلامة". وأجمع عددٌ من المرضى أنّ المُستشفيات كمبانٍ أصبحت صروخاً شامخة ولكنها تفتقد للمعاني، فهي مبانٍ من غير معانٍ، فالمُعاناة تزداد بالمستشفيات الحكومية التي تزدحم بالمرضى رغماً عن عدم توافر العلاج بها ووصفوا زيادة الرسوم في العمليات والفحوصات مرضاً جديداً يُضاف إلى أوجاعهم وتضيف أعباءً جديدة عليهم، وطالبوا الوالي (الجديد) لولاية الجزيرة الفريق أول ركن/ علي محمد سالم بضرورة التّدخُّل الفوري بإلغاء هذه الزيادات التي تمَّت في عهد سابقه. وللمُفارقات، وجه مجلس حكومة ولاية الجزيرة في اجتماعه بتاريخ 31/1/2019م برئاسة محمد طاهر أيلا والي الولاية السابق بمراجعة الرسوم كافة، التي تتعارض مع برنامج تخفيف أعباء المعيشة وتُشَكِّل أعباءً على المُواطنين في مجلات الخُضر والمواد الغذائية والخدمات الصحية والتّربية والتّعليم، وأكد المجلس التزامه الصارم بتخفيف أعباء المعيشة عن كاهل المُواطنين وتعزيز جُهُود الدولة في هذا المجال. لكن لم تبد وزارة الصحة أيِّ اهتمام بمُوجِّهات مجلس حكومة الولاية، بالرغم من أنّ وزير الصحة كان حُضُوراً لتلك الجلسة، والتزام الوزراء بتخفيف أعباء المعيشة. ملائكة الرحمة على الخط ويرى مصدرٌ طبيٌّ تحدَّث ل(السوداني)، عدم وجود مُبرِّر يجعل وزارة الصحة بالولاية تفرض رسوما عالية بهذه الكيفية، وإن كان مُبرِّر الوزارة أن أسعار المُستهلكات الطبية قد ارتفعت، فالواجب أن تكون الزيادات على المُواطن واقعية ومُقنّنة؛ لا أن تكون الزيادة كبيرة ومُرهقة على المرضى بهذا الشكل، وطالب نقابة الأطباء بتقديم رؤية للوزارة بإيجاد حلٍّ وسطٍ دُون الضغط على المُواطن. مجلس تشريعي من ناحيته، يقول عضو مجلس تشريعي سابق - فَضّل حجب اسمه - إنّ أيِّ رُسُومٍ غير مُجازة بواسطة المجلس التشريعي فهي باطلة، موضحاً أن الجهاز التنفيذي قبل بداية كل عام مالي يقدِّم مُقترح موازنة العام المالي الجديد في التعديلات المُتنوِّعة للمجلس التشريعي، وبعد إخضاع المجلس المُوازنة والتعديلات لنقاشٍ وتعديلٍ، تتم إجازتها بواسطة المجلس وتصبح هذه التعديلات قانوناً يُوقِّع عليه رئيس المجلس التشريعي ووالي الولاية، واعتبر الزيادات التي تمت في القطاع الصحي باطلة لعدم وجود مجلس تشريعي في الولاية منذ العام 2017 بمرسوم جمهوري، وطالب المواطن بالتمسك بحقه بآخر رسوم تمّت إجازتها في العام 2017م بواسطة المجلس التشريعي. وزارة الصحة تُبرِّر الزيادات وزارة الصحة بولاية الجزيرة؛ أقرَّت بأن الزيادات في رسوم العمليات والفحوصات بالمُستشفيات الحكومية التي تم تطبيقها مؤخراً مرهقة على المواطن. وقال د. نزار القدال مدير عام الوزارة ل(السوداني) إنّ الرسوم التي تم تطبيقها عالية، وأرجع ذلك لارتفاع وتذبذب أسعار الدولار، مِمّا أدى إلى ارتفاع قيمة المُستهلكات الطبية، وبرّر رفع رسوم الخدمات الطبية للحفاظ على استمرارية الخدمة المُقدّمة بالمواكبة مع أسعار السُّوق، مُؤكِّداً أنه وجّه مديري المُستشفيات بعدم التّشدُّد في دفع الرسوم ومُراعاة الظروف الاقتصادية لبعض المرضى، وأشار القدال إلى أن الوزارة تعكف على إيجاد حُلُولٍ لخفض أسعار العمليات والفحوصات الطبية التي وصفها بالمُرهقة، ولفت إلى سعي الوزارة بتعديل الأسعار وخفضها خلال مارس الجاري لتتناسب بشكلٍ معقولٍ مع المُواطنين.