الجلسة الافتتاحية للدورة التاسعة للهيئة التشريعية القومية غاب عنها عدد من النواب بشكل واضح، مساعد الرئيس الصادق الهادي تغيب عن الحضور أيضاً، فيما كان وصول عبدالرحمن المهدي للقاعة لافتاً لجهة دخوله عقب دخول البشير بما يقارب الدقائق الخمس، قاسمه التأخير الحسن الميرغني الذي حضر مرتدياً زي الختمية وعباءة سوداء، وشكل غياب نائب رئيس البرلمان عائشة محمد صالح عن الجلسة علامة استفهام كبرى، إلا أن (السوداني) علمت أنها خارج البلاد. رئيس المؤتمر الوطني أحمد هارون جلس يتوسط النائب العام عمر أحمد محمد ومساعد الرئيس إبراهيم السنوسي، لتكتمل الجلسة بحضور فيصل حسن إبراهيم وموسى محمد أحمد وأخيراً نائب رئيس الجمهورية محمد يوسف كبر. الوزراء على غير العادة بحسب رصد(السوداني) حضروا مبكراً والتزموا بالجلوس في المقاعد المخصصة لهم كتنفيذيين وآخرهم كان رئيس هيئة الأركان كمال عبدالمعروف. مستشار رئيس البرلمان عبدالماجد هارون ظل واقفاً قبل ساعة من بدء الجلسة إلى جوار المنصة واضعاً يديه داخل جيوب بنطاله قبل أن يستقر في مقعد إلى جوار رؤساء اللجان الدائمة بالبرلمان. وحرص رئيس منبر السلام العادل الطيب مصطفى على مصافحة مساعدي الرئيس فرداً فرداً متبادلا الابتسامات مع إبراهيم السنوسي.. رئيس الجمهورية ارتدى عباءة (سماوية) اللون وحذاءً أبيض وجلباباً ناصع البياض ممسكاً بعصا سوداء رأسها فضي اللون، إلا أن رئيس الهيئة التشريعية القومية إبراهيم أحمد عمر اتفق مع رئيس مجلس الولايات عمر سليمان في ارتداء عباءة بنية اللون وجلباب باللون الأبيض. بدأت الجلسة في تمام الحادية عشرة صباحاً بتلاوة من القرآن الكريم بصوت شيخ الزين. ماذا قال البشير؟ البشير اعتلى المنصة في الحادية عشرة والثلث مخاطباً النواب والتنفيذيين حول الوضع السياسي والاقتصادي وأهم القضايا والتحديات وخطة الدولة وبرنامج عملها وأولوياته، واستغرق خطابه ثلث ساعة بالتمام والكمال. وابتدر البشير خطابه مقراً بوجود تحديات اقتصادية تواجه البلاد أثرت على الشعب، مما دفعه للخروج للتعبير عنها تحمل مطالب مشروعة في العيش الكريم ومعالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، مستدركاً: بعضهم لم يلتزم بالضوابط القانونية في التجمع والتظاهر وأحدثوا خللاً في النظام العام وإتلافاً لبعض الممتلكات، مشيراً إلى أن البعض حاول القفز على تلك الاحتجاجات والعمل على استغلالها، لتحقيق أجندة تتبنى خيارات إقصائية، وتبث (سموم الكراهية) وتتجاهل الإنجازات لدفع البلاد إلى مصير مجهول، مترحماً على فقداء الاحتجاجات، كاشفاً أن الأيام المقبلة ستشهد مزيداً من القرارات والتدابير التي تعزز مسار الحوار وتهيئ الساحة الوطنية لإنجاز التحول الوطني المنشود. توجيهات رئاسية.. الشباب في جوهر الخطاب البشير أكد أن التحولات التي شهدتها البلاد في المسارات السياسية والبنيات الهيكلية للدولة تشكل قاعدة صالحة للبناء، ما يمكننا جميعاً من الجلوس من أجل الوطن، موضحاً أن الشباب أثبتوا أنهم المتغير الاجتماعي والسياسي المتجدد والواعد لهذه الأمة، داعياً كافة القوى السياسية لاستيعاب طاقاتهم ورؤاهم وأفكارهم الحديثة، واستحداث آليات تتيح لهم الإسهام الفاعل في عملية البناء الوطني. وجاءت أولى توجيهات البشير في خطابه للحكومة القومية والولاة بتوفير التمويل لمشروعات الشباب المتعلقة بالإنتاج الزراعي والحيواني والصناعات الصغيرة والبرمجيات للأفراد والمجموعات، عبر المصارف ومؤسسات التمويل الأصغر برؤى جديدة تمكن من جعل المشاريع حقيقة واقعة، وكذلك بناء المدن السكنية لتوفير المساكن اللائقة للشباب عبر التمويل الميسر بالإضافة لإحياء وتأهيل الدور والمؤسسات والأندية الشبابية المعنية بالنشاط الثقافي والرياضي والاجتماعي ووضعها في صلب برامج الدولة وميزانياتها، مطالباً برعاية مبادرات الإبداع الشبابي في المجالات الرياضية والثقافية والعلمية واستيعاب الروح الوطنية العالية، وإبراز مقدرات البلاد المادية والمعنوية، وزيادة عدد وحجم استيعاب حواضن ومشروعات أعمال الشباب، قاطعاً بأنهم اتخذوا مبادئ وقيماً ومنهاجًاً لمسارات في الدولة والمجتمع، لن تنتكس أبداً، وسيظلون أوفياء وحراساً لها لحماية البلاد من التشرذم والتمزق والضياع. كما وجه البشير حكومة المهام الجديدة بضرورة اتخاذ تدابير صارمة، لاستكمال حلقات هيكلة الدولة، وإصلاح الخدمة المدنية لتحقيق الكفاءة والفاعلية في أجهزة الدولة، وفرض هيبة الدولة والقانون، والارتقاء بحقوق الإنسان وصون الحريات، مجدداً التزام الدولة بمحاربة الفساد والمفسدين، بتدابير قانونية تتسم بالفاعلية والنزاهة وسيادة حكم القانون، مستدركاً بأن القوانين لا تكتسب فاعليتها إلا برقابة المواطن، وبرلمانه وأجهزته الرقابية. السلام.. القضية القومية أولوية البشير أوضح أن السلام كان وما يزال هدفاً استراتيجياً يتصدر أولويات برامج الدولة والمجتمع، وأنهم لم يتركوا منفذاً إلا وطرقوه بحثاً عن السلام والاستقرار للبلاد التي عانت سنين عدداً من نزاعات وصراعات، لم يحصد منها إلا الدمار والخراب، وإهدار الموارد المادية والبشرية، وتعطيل عجلة التنمية والتطور، مؤكداً أنهم سيمضون بخطى مسرعة نحو إتمام حلقات السلام بالبلاد بكل الوسائل المتاحة، مؤكداً قومية قضية السلام باعتباره أمراً يستحق أن تتوافق وتتسق فيه جهود جميع أبناء الوطن أياً كانت مواقفهم بداخل الحكومة أو خارجها، داعياً كل القوى السياسية بالبلاد للمشاركة في قضية السلام للتحرك معاً لإنجاز الهدف بالوسائل والموضوعات التي يتم الاتفاق عليها، قاطعاً بالتزامهم بكافة المرجعيات في كل قضية أمام شركاء التفاوض والمجتمع الإقليمي والدولي، مجدداً التزامهم بإيقاف إطلاق النار الدائم، واستعدادهم التام والصادق للحوار من أجل السلام مهما كان الثمن، مجدداً الدعوة لقوى المعارضة التي ما تزال خارج مسار الوفاق الوطني ووثيقته، بقبول الحوار باعتباره الخيار الأول والأخير، والمعبر الآمن نحو بناء وطن يسع الجميع. رئيس البرلمان.. مراجعة ال(30) عاماً الماضية في (10) دقائق فقط خاطب رئيس الهيئة التشريعية القومية إبراهيم أحمد عمر البرلمان، بأن الدورة التاسعة تنعقد في ظروف تشهد فيها الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية في البلاد تحديات كبيرة، وصفها ب(ظروف شدة وضيق)، مشيراً إلى أن تلك الظروف تجعلهم يتذكرون بعض الحقائق عن العلاقة بين الهيئة التشريعية القومية وبين رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والسلطة القضائية وبين جميع أركان الدولة، ووصفها بأنها علاقة تكامل وتعاون وتعاضد وحمل للمسؤولية معاً، وأضاف: كل المجالات التي يجب أن يتحدثوا عنها مجالات اجتهاد وليست مما يقع في نطاق قطعي الثبوت وقطعي الدلالة، ولذلك فالتعامل معها هو الثبات على الصحيح النافع من الاجتهادات والرجوع عن الاجتهاد الذي يكسب أجراً واحداً. والتعديلات في عدد من الاجتهادات أو الرجوع عنها في الثلاثين سنة الماضية أمر معروف. وأشار عمر إلى أن مجريات الأمور في الأشهر الأخيرة أكدت الحاجة إلى اجتهادات جديدة، مضيفاً أن الحديث عن الانفتاح والإصلاح ومشاركة جميع أبناء السودان في بناء السودان إلا من أبى، والحديث عن الفساد وقضايا الشباب، وقبل هذا وذاك، ترغيب الذين لم يشاركوا في الحوار أو الذين ما يزالون يحملون السلاح في المشاركة لبناء الوطن وتحقيق السلام كل ذلك ما يزال يحتاج إلى اجتهادات، مشدداً على أن ثلاثين عاماً من التدرج والانفتاح والإقناع والاعتراف بحق الغير والتودد وكل أساليب الدعوة الحسنة، وبكل صور الجهاد والمشاركة الواسعة لأحزاب وحركات، وشرائح من أهل السودان، تدرج محمود وقفزات استوفت شروط القفز. عمر أكد أن الاجتهاد المطلوب لمزيد من الانفتاح على الناس، وليس في اتجاه تضييق دائرة المشاركين، وكذلك لمزيد من الشورى وليس لمزيد من الاستشارة، ومزيد من المؤسسية وليس لتهميش المؤسسات، ومزيد من حكم الدستور والقانون وليس لتجاوز القانون، ولحكم الشورى الراشد وليس لحكم استشاري قابض. القوى السياسية.. تقييم مختصر كان للقوى السياسية داخل الهيئة التشريعية القومية رأي حول خطاب الرئيس، ويذهب القيادي بالمؤتمر الوطني عبد الجليل الكاروري، الى أن تجديد الرئيس وقوفه على مسافة واحدة من الجميع يمثل تقنيناً مقراً بأن الجمع بين الرئاسة والحزب أضر بالمؤتمر الوطني، ووصفه بأنه أشبه بالجمع ليس بين الأختين فقط وإنما الأخوات الثلاث، الأمر الذي تسبب في عدم النظر للمشكلات من عدة زوايا، إلى جانب إضعاف القوى السياسية بتقوية من يدخل في الحكومة وإضعاف من يخرج منها. ووصف الكاروري حديث الرئيس عن الشباب بالموفق ويؤكد الاعتراف بحقوقهم وبالمشكلات التي يواجهونها، مستبعداً اجتثاث الفساد دون تحسين مرتبات العاملين في مؤسسات الدولة، مؤكداً أن سد النقص الذي يعاني منه العاملون في حقل الدولة سيتم سده بالفساد، مشدداً على ضرورة إعمال مبدأ (اغنوهم بالعمالة عن الخيانة). في وقت قال فيه وزير التربية والتعليم الخير النور، إن الخطاب أتى في ظروف مهمة وبالغة التعقيد. النائب عن الإخوان المسلمين حسن عبدالحميد قال إنه كان يتوقع أن يفرج الرئيس عن المعتقلين خاصة أن هناك معتقلين لأكثر من ثلاثة أشهر، وكذلك تشكيل لجنة للذين قتلوا في الاحتجاجات الأخيرة، مشيراً إلى أن الرئيس اعترف بالأزمة.