هندي ولا ناكل باسطة علاقة قوية ومحبة خرافية تجمع بين السودانيين والأفلام الهندية ، ولعل جميع دور السينما التي مازالت تعمل بالسودان (ان وجدت)، ينحصر نشاطها فقط في الأفلام الهندية، فالجماهير حتي وقت قريب عندما كانت للسينما جماهيريتها، كانوا يقفون في باب السينما ويسألون (الفلم هندي ولا ناكل باسطة)، لان قيمة الدخول ان لم يكن الفيلم (هندياً) فمن الأفضل لك استثمار المبلغ في (ربع كيلو باسطة ترم بيها عضمك)، لاننا طبعاً فاقدين سكريات. هذه العلاقة القوية بين جماهير السينما في السودان والأفلام الهندية أدت لحالات شغب كثيرة أدت لتحطيم الكثير من دور السينما، ففي مطلع الثمانينات، كان هناك فلم هندي (قوي) جداً عرض في سينما الوطنية بحري بطولة (اميتاب باتشان)، أو كما يسمي هنا في السودان (جاك طويلة)، وفي اللحظات الأخيرة للفلم (مات جاك طويلة علي يد الخائن)، فحطمت الجماهير الغاضبة السينما تماماً، احتجاجاً علي موت (جاك طويلة)، لان الثابت في قاموس جماهير السينما (انو البطل مابموت)، وعندما مات البطل هتفت الجماهير (ادونا قروشنا البطل ما بموت). لانهم تعودوا في الأفلام الهندية كافة ان البطل هو الذي ينتصر في النهاية، وعندما يبدأ البطل في قتل (الخيانة) واحداً تلو الآخر ، تجد الجماهير تتفاعل بشدة وتنطلق (الصفافير تشجيعاً للبطل، بل البعض عندما يكون (الخائن ورا البطل)، (يكوركوا باعلي صوتهم وراك وراك، (التقول سامعهم)، وعندما يلتفت للخائن ويقتله، يقف الجميع تحية ل(جاك طويلة البطل الملهم)، يقال والعهدة علي الراوي، ان حادثة سينما الوطنية، وقف أحدهم وعبأ الجماهير ضد السينما وهو من المداومين لاكثر من (20) عاماً للافلام الهندية، حتي سمي بالهندي، وقف الرجل على كرسيه وخطب في الغاضين قائلاً:( شوفوا يا جماعة انا بخش سينما اكتر من عشرين سنة ما شفت البطل بموت وبعدين جاك طويلة دا اي خائن بطقطقوا، ناس السينما ديل قايلنا فارات، عشان كدا نكسر السينما عشان تاني يبطلوا حركاتهم دي)، وما بين لحظة وانتباهتها تحولت السينما آثراً بعد عين وحطمت الكراسي احتجاجاً علي موت جاك طويلة. حاولت ان أبحث في سر هذه العلاقة الحميمة ما بين السودانيين والأفلام الهندية وهذا الحب الجارف الذين جعل بعض العبارات يتم تداولها بين جماهير (المرحومة السينما)، مثل (بايسة نهي زندقي نهي) وتعني (قروش مافي حياة مافي)، و(جلو) وتعني (ارح) بالدارجة السودانية وفي رواية آخري عربية (نذهب)، والكثير من العبارات التي لا تسع المساحة لذكرها، هذه العلاقة (علي ما يبدو)، لان السودانيين يعيشون في واقعهم (فلم هندي) لانه طويل جداً وباي حال من الأحوال لا يقل عن ثلاث ساعات متواصلة، فاذا غلبت أحدهم الحيلة في الحصول علي أي غرض في مؤسسات الخدمة المدنية واعيته (المساسقة) تحت بند الاجراءات الروتينية، فأول عبارة ينطقها (ياخ والله الموضوع دا فلم هندي عديل)، فمنذ نعومة أظافرنا ظلت عبارة السياسيين الثابتة (السودان في ظرف خطير ويمر بمرحلة حرجة)، وفي الكورة (كلو سنة نصل المربع الذهبي في البطولات الأفريقية ونطير)، وفي الصحة ( مشروع الخرطوم خالية من الملاريا انطلق منذ نحو عقد من الزمان ومازالت الملاريا تسرح وتمرح في اجسادنا الهزيلة)، البرلمان( يرفض زيادة الضرائب في الموازنة ويهدد باسقاط الموازنة، وتمشي الموازنة عااااااااااااادي ذي الزبادي شولة ما بتتغير فيها)...الخ والنماذج كثيرة، لذلك نحن مغرمون بالفلم الهندي ونرفض ان (يموت البطل).. والله المستعان. ياسر عبد الله