منذ الطفولة احتفظت بغرام سري وخاص بمفردة (شيوعي). وعدت نفسي منذئذ أن أصير شيوعياً، لكنني كلما اقتربت من الشيوعية ابتعدت. في المتوسطة أبلغني صديق من أقاربي أن صديقه فلان جاء في الإجازة الصيفية وإنه شيوعي. يا للسعادة صرخت خذني إليه حتى نسأله. كانت بعض معلوماتي تقول إن الشيوعيين يقولون إن رسالة النبي محمد (ص) أخطأت إليه طريقها من سيدنا علي وكنت أستعيذ بالله كلما عبر ذلك التصور بذهني. اكتشفت لاحقاً اعتماد مصدري عن هذه المعلومة على بعض الشائعات عن الشيعة معتقداً أنهم الشيوعيون. ذهبت مع قريبي الى الصديق الذي كان يكبرني بعام واحد فقط لكنه كان يدخن ويسف الصعوط أيضاً. طلب منا عدم كشف سر شيوعيته قائلاً بوقار لا يتناسب مع سنه: "يا جماعة الكلام ده سر ما تبقوا أولاد صغار"، من جهتي وعدته وعداً مغلظاً أحنث به الآن- جزئياً- في هذا العمود. حدثنا بكلام (خارم بارم) من النوع المرعب جداً لكنني ما كففت عن البحث عن شيوعيتي الضائعة. قرأت كتاب (المرشحين) لعضوية الحزب الشيوعي السوداني ثم واصلت التهام الكثير من الكتب بسبب أن صديقاً كان يدرس بسوريا سألني ب(تعالٍ): يا محمد عثمان، أنت درست ماركسية؟ هكذا إذن! الماركسية تدرس دراسة ولا تُقرأ. لكني لم أصبر على دراسة الماركسية ولم تصبر الشيوعية عليّ. بعد سنوات قامت مجموعة من الشيوعيين بزيارة أحد الزعماء التقليديين من أهلنا البجا في قرية بغرب ارتريا. أكرم الرجل وفادتهم ثم سألهم عن الجهة التي ينتمون إليها فكشفوا له عن حقيقتهم. بُهت الرجل فصمت قليلاً ثم قال " ما شاء الله". أعاد السؤال فكرروا نفس الإجابة ولم يكن لديه سوى "ما شاء الله" لكأنه كان يرغب أن يصرخ أحد هؤلاء الفتية الطيبين ويصارحه بحقيقة أخرى وإن زعمهم هذا محض مزاح. أبلغني صديق آخر عزيز أن قريباً له تحدث في ندوة جامعة ممثلاً لحزبه الشيوعي، فجاءه صديق محب للأسرة لائماً الأخ "مش العيب في إنه شيوعي، العيب في إنه يجاهر بهذه المعصية أمام الناس"! في امريكا واستراليا، كفّت الجماهير عن أخذ الشيوعيين بالجدية اللازمة وحولوا حكاياتهم إلى مادة للفكاهة. يسمون الشيوعي (كومي) وهي صيغة تدليل لكلمة (كوميونست) بمعنى شيوعي. يمكن لمحبي الفكاهة الغربية أن يجدوا في إحدى حلقات مسلسل (ساينفلد) متعة رائقة. يدخل جورج شقة إيلين ليجد مجلة (العامل اليومي) فيسألها ما الذي أتى بها هنا. تبلغه بغير اكتراث إنها تخص صديقها الجديد نيد. يسألها: هل نيد شيوعي؟ ترد: ألا تعتقد أنه لو كان كذلك لأبلغني؟ إذن هل يرتدي ملابس مهملة، غير مكوية ؟ نعم. فيبلغها جورج بأن صديقها الجديد شيوعي! غداً نودع كيم جونغ إيل. محمد عثمان ابراهيم www.dabaiwa.com