** الخطأ الإداري شيء والخطأ الطبي شيء آخر، وبين هذا الخطأ وذاك خيط رفيع، وعلينا - كصحافة ومجتمع - أن نتبين هذا الخيط بحيث لا نظلم طبيباً بخطأ إداري أو نظلم إدارياً بخطأ طبيب.. فالمشافي - عامة كانت أم خاصة- تضج بالأخطاء الإدارية التي من شاكلة نفاد الأوكسجين في أقسام الطوارئ، نفاد أدوية الطوارئ، عدم اكتمال الكادر والأجهزة، تردي بيئة العمل، وعدم الالتزام بالقوانين واللوائح التي تحفظ حقوق (المريض والطبيب معاً).. وبالمناسبة، ترسيخ حقوق المريض في ذهن المجتمع يجب ألا يشغلنا عن ترسيخ حقوق الطبيب في ذات الذهن أيضاً، ومنها أن يعمل الطبيب تحت مظلة إدارة واعية ومسؤولة وحريصة على حقوق كادرها الطبي، وتوفير البيئة الصالحة للعمل من أهم (حقوق الطبيب).. المهم، تلك أخطاء إدارية على سبيل المثال، وهي التي ترهق المرضى وتعرض حياتهم للمخاطر، وتتحمل مسؤوليها إدارات المشافي وسلطات الدولة، وتلك هي التي يعاني منها الناس في بلادنا، وهي جديرة بالنقد لحين الإصلاح..!! ** ولكن الخطأ الطبي شيء آخر، وعلينا - كصحافة ومجتمع - عدم الخوض في هذا البحر ما لم نتبينه.. علما أن الجهة الوحيدة التي تملك سلطة كشف حقيقة وقوع خطأ طبي في عملية ما وبمرفق ما - للصحافة والمجتمع - هي (المجلس الطبي).. ثم - وهذا أمر في غاية الأهمية - الخطأ الطبي مسؤولية فردية.. وعليه، التعليق على أي خطأ طبي - بحديث المجالس أو بالنقد الإعلامي- يجب ألا يتجاوز إطار (الخطأ المحدد بواسطة المجلس الطبي، والفرد المسمى بقلم المجلس الطبي).. ثقة المريض في طبيبه هي (نصف مشوار العلاج)، والطبيب السوداني كان ولا يزال - وسيظل بإذن الله - محل ثقة المريض، ليس بالسودان فحسب، بل بكل دول المجهر التي تتخطفهم حالياً من مشافي بلادنا وجامعاتنا.. وهجرة الأطباء التي تجاوزت كثافتها حد اللامعقول، رغم مأساويتها على بلادنا وأهلها، إلا أنها مفخرة للطب في بلادنا حين ننظر إليها بزاوية (ثقة المريض)..!! ** وعليه، فالقرار الصادر عن المجلس الطبي والخاص بالدكتور كمال أبوسن، لم - ولن - يزعزع ثقة المريض في الطبيب السوداني ولا يسيء لسمعة الطب في السودان، أو كما قال الدكتور أبوسن لهذه الصحيفة بعدد البارحة.. فالطب في السودان لم يبدأ بالدكتور أبو سن ولن ينتهي به، والذي أجرى أول عملية زراعة كلى بالسودان في سبعينيات القرن الماضي كان سودانيا، وكان المريض سعوديا.. هكذا الأصل الذي تفرع منه الدكتور أبو سن وغيره، وانتشروا بالداخل والخارج، ومثل هذا القرار لن يسيء لهذا الأصل ولن يزعزع الثقة في فروعه الباسقات في مشافي السودان وغير السودان.. ثم ب(أحمد قاسم)، وهو على سبيل المثال مرفق العامة المتوكلة على الله بغير مال، يدخل الأساتذة وتلاميذهم إلى غرف العمليات ليزرعوا ل(12 مريضا أسبوعياً)، ثم يعودوا إلى ديارهم بهدوء، وما ضرهم ألا تهتف الصحف بأسمائهم أو تكرمهم المنتديات، وسيظل حبل الثقة بينهم وبين مرضى السودان ممدوداً بفضل الله ثم بنجاحهم وعافية مرضاهم..!! ** وبالمناسبة، النسبة العالمية لنجاح زراعة الكلى في السنة الأولى (97%)، وفي السنة الخامسة (90%)، وفي السنة العاشرة (77%)، ولكن بفضل الله - ثم بعلم وجهد الأساتذة وتلاميذهم - تتجاوز نسب النجاح في (أحمد قاسم) تلك النسب العالمية.. وما (أحمد قاسم) - رغم فقر الحال مقارنة بمشافي الخمسة نجوم - إلا نموذج من نماذج الفخر ب(الطب - والطبيب - السوداني)، ولن نلغي عقولنا بحيث نصدق أن قرار المجلس الطبي، والخاص بخطأ طبيب بمرفق خاص، يسيء لكل النماذج المشرقة في بلادنا.. فالقرار لا يسيء لسمعة الطب السوداني، ولا يزعزع ثقة مرضى الدنيا والعالمين في الطبيب السوداني، وهذا ليس بالقرار الأول في عالم الطب ولكن يكون الأخير في (حياة البشر).. وناهيكم عن الطب أو الطبيب السوداني، بل القرار لا يسيء حتى للدكتور كمال أبو سن ذاته - ولن يطمس نجاحاته الأخرى – لو تعامل معه مهنياً، وليس بهذا الاستعلاء الذي يختزل (الطب في طبيب).. فليتجاوز الأخطاء الواردة في قرار المجلس الطبي بعد عام الإيقاف، أي يلتزم - ويُلزم المشافي الخاصة - بقوانين ولوائح (المجلس الطبي) و(المركز القومي للكلى)..!!