عمنا عثمان، رجل طريف وريحانة مجالس يحبه الناس ويتداولون قصصه بإعجاب واستمتاع. قابلته ذات مرة وأنا أعاني قدرا من الإحباط وأحمل في قرارة نفسي رغبة أكيدة في مغادرة موقعي غير الدستوري الذي كنت أعمل فيه آنذاك، سألني عن حالي فعبرت عن إحباطاتي وشرحت له رغبتي في مغادرة موقعي، وذكرت أسبابي، ضحك الرجل وقال: يا ود أخوي بارك الله فيك على كلامك دا، والله في ناس زي القرد ؟ قلت: كيف؟ قال: القرد بخت كراع في فرع وكراعو التانية في فرع ويمسك بيده فرع تالت ويمد إيدو التانية لي فرع رابع ويعاين لي الفرع الخامس ويمد ضنبو في اتجاه الفرع السادس! لا أظنك عزيزي القارئ في حاجة للفت نظرك إلى أن نظرية القرد هذه وتطبيقاتها، هو ما نراه في الممارسات السياسية في بلادنا، فمؤكد أنك فور قراءة القصة ظهرت لك أسماء كثيرة تؤمن بهذه النظرية وتعمل بها بجدية وتفان! لقد تساءلت كثيرا، لماذا يتشبث الناس بكثير من المواقع؟ ونظرت في طبيعة البشر فوجدت كونه لحب الخير لشديد والخير يعني المال فعلمت أن الحرص القائم هذا لا سبب له سوى الطبيعة البشرية التي تريد المال والجاه، وقطعا المال والجاه مفتاح كل شيء من عروض الدنيا، من تباهٍ وتفاخر وزينة وتكاثر، وبسببهما تقوم المفاخرات والمفاضلات وتجني الأسر الراحة والدعة والاحترام، ويتسابق الناس نحو الارتباط بها والافتخار بمصاهرتها، فتقوم حياة جديدة بمعطيات جديدة وأجيال جديدة! ولأن المنافسة في هذا الحقل مشروعة ما التزم صاحبها بقيد الحلال والحرام، فقد تدثر اللصوص بدثار الورعين ولبس الجشعون ثياب الزاهدين واختلط الحابل بالنابل، وبرز الثعلب في ثياب (الواعظينا) ومشى في الأرض يهدي ويسب (الماكرينا)، وصار الناس لا يميزون بين الحق والباطل! المال والجاه، هما السبب الوحيد الذي يجعلنا نتنافس بلا ورع ونتزاحم بلا أدب ونتناحر بلا سبب ونكيد لبعضنا في كل حين! هل من المعقول أن الناس (يحفرون) لبعضهم جهاداً في سبيل الله؟ أم يستقطبون الناس لصفهم لينالوا المناصب والوجاهات، عبادة له سبحانه وتعالى؟ نحن مقرون أن هذه أمور طبيعية ولا تتنافى مع الجبلة الإنسانية، لكن يجب على أهلها سلوك طريق من اثنين :إما طريق الأخلاق الفاضلة وفي مقدمتها، فعل الحلال وتجنب الحرام، أو طريق الخوض مع الخائضين! أما (ركوب السرجين) وإلباس الحق بالباطل ومزج الدين بالهوى واتخاذه مطية لوصول للغايات الدنيئة، فهذا ما يسيء للفكرة والتطبيق معا ! لا أظنك يا صديقي في حاجة للتذكير بكون كثير من المناصب والمواقع، تعني كثيرا من المال والجاه، ولا أظنك تعتقد أن كثرتها علامة صلاح يبتلي الله بها المجاهدين الصادقين، دون غيرهم، مثلما لا أظننا سنوافق (دارون) ونذهب إلى كون أصل الإنسان قرد، لكننا لن نختلف عن القرد كثيرا إذا ظللنا نمارس طريقة، نجلس على كرسي ونمسك بيدنا كرسياً آخر ونضع رجلنا على كرسي ثالث وننظر لكرسي مرتقب! قلت: ما أشرت له هذا، لا ينفي وجود أناس صادقين ومخلصين، قال: أها يا دوبك خربت الكلام... كلهم حا يقولوا: نحن ذاتنا يانا المخلصين الصادقين والقرد ذاتو مخلص وصادق!