علامات الاستفهام مازالت ترتسم في ورقة تبدو بيضاء وينظر إليها البعض بأعين الريبة والوجل، ولعل مخاوف البعض وتحفظاتهم على المشاركة في لجنة إعداد الدستور الدائم للبلاد ناتجة عن مواقعهم السياسية التي يقفون فيها، على مكان ليس ببعيد من مواقف الحكومة ولكنها تتسمى بغير ذلك.. إنها المعارضة التي يشارك بعضها ويرفض بعضها الآخر خوفاً من ظهور الحبر السري على الورق الأبيض، ورغم ذلك العديد من المحاولات للتقريب بين مختلف وجهات النظر تنشط خلال الفترة الحالية، ومن بين الناشطين في قضايا الدستور التي يبدو أن شوق الوصول الى نهاياتها مازال قائماً رغم تطاول السنوات التي أعقبت الاستقلال والى اليوم. عقل وتفكير نظم مركز المشير عبد الرحمن سوار الذهب ورشة تحضيرية بقاعة الشارقة بجامعة الخرطوم للتداول حول قضايا الدستور شاركت فيها العديد من الجهات الرسمية والشعبية، لم يفت على بعضهم نقد تجربة الماضي للساسة والمفكرين في البلاد منذ الاستقلال والى اليوم، وقد ابتدر جلسات الورشة مدير مركز المشير سوار الذهب، د.أسامة بابكر مقدماً عرضاً تاريخياً لوضع الدساتير في السودان، حيث قال: "السودان في تاريخه لم يكتب له دستور". تحدث وزير المجلس الأعلى للاستثمار د.مصطفى عثمان اسماعيل، وقال إن نظرية التاريخ تعتبر من أكثر النظريات التي تتقابل بالنقد، وذهب الى أن الحرية ظلت هي المطلب في كل الحركات التي نظمتها الإنسانية منذ عهد الحداثة ووصولا الى ما يجري في العالم اليوم من تغييرات في الربيع العربي وما جرى في السودان بعد العام 1989م، وشدد على ضرورة حدوث توافق على عملية الدستور، وأضاف: "ستكون الحكومة مخطئة إذا وضعت دستورا لوحدها دون إشراك الآخرين. مشاركة نسوية العديد من الخبراء في مجالات السياسية ووضع الدساتير والقوانين تحدثوا في الورشة ومن بينهم البروفسيور موسى الحواتي والذي أكد أن البلاد تحتاج للديموقراطية، وقال إن الدستور إذا لم يعبر عن حركة التأريخ لا يمكن أن يكون دستورا وإنما يكون مجرد حلم، وأضاف: "نحن نفتقد للرأي العام في السياسة ويمكن لنا وصفه ببيت البكاء فلننظر لدستور جمهورية باكستان. أما إذا أردنا دستورا يحمل تطلعات البلاد لا بد من إشراك الجميع بما فيهم الحركات المتمردة"، وحذر تنامي الحركات المطلبية ضد المركز، وأضاف: "هناك ولايات تعتمد على المركز في المعيار الجغرافي والمساحة والمعيار الثقافي والديني والسياسي وظهور النظام العرقي المسلح ضد النظام"، وعزا الحواتي أسباب الصراع في دارفور الى التدني في الأداء والكفاءة في نصوص الدساتير بجاب التدني في الخدمات التعليمية والصحية وعدم جدية الجهاز التنفيذي وهيمنة الوزير الولائي على المدير التنفيذي. الأستاذ الجامعي والخبير البروفسيور الطيب الحاج عطية ذهب الى إعطاء القضية التي تنتظر النقاش الجاد بين الحاضرين شيئا من الحيوية والمرح حينما بدأ كلمته ممازحاً الحضور بالقول: "نحن فشلنا في وضع كل الدساتير وفشل الرجال متواصل، إذن نفسح المجال للمرأة"، لتدخل القاعة في موجة من الضحك وتواصل الورشة مداولاتها بشكل جاد، ليقول عطية إن أول دستور وضع في السودان كان في العام 1953 بغرض أن يكون انتقاليا تمتد فترته لثلاث سنوات، مبينا أن ذلك كان في عهد الانجليز، وأضاف: "كونت اللجنة تحت قيادة ستانلي بيكر وكان قاضيا بالسودان ولكن الأحزاب السودانية رفضت الانتقالية وطالبت بالحكم الذاتي الذي الذي يحقق للبلاد تحقيق تقرير المصير"، وقدم عطية مرافعة عاد فيها الى الظروف التي وضعت فيها الدساتير السابقة، حيث أوضح أن دستور البلاد الأول دفع الأحزاب السودانية للمطالبة باستقلال السودان من داخل البرلمان، مبينا أن دستور 1973م وضع في عهد نميري لكونه دستورا وضع في ظل نظام شمولي، وذهب الى الحديث بشكل مباشر عن الدستور الذي أعقب سقوط نظام المشير جعفر نميري عبر الانتفاضة الشعبية التي قادها الشعب السوداني في أبريل من العام 1985م، وقال إن كل الدساتير التي وضعت من بعد كانت دساتير مؤقتة سواء التي تلت الاستقلال أو في الفترة الأخيرة بما فيها دستور العام 1998م، وأضاف: "إذا أردنا وضع دستور لابد أن يشارك فيه كل أهل السودان والناس أصبحت واعية ومثقفة ومدركة وعارفة العادل والباطل. لا بد أن نسألهم ونشركهم الرأي وإذا صاغت الحكومة دستورا وفرضته على الشعب يعتبر ذلك دستورها هي فقط يجب أن يكون هنالك ديمقراطية ولابد من إشراك كل الأحزاب". هيمنة سلطات ذهب أستاذ العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية بجامعة الخرطوم البروفيسور صفوت صبحي فانوس مباشرة للحديث عن نظام الحكم والخيارات المتاحة في الحكم القادم ودعا لضرورة أن يكون الدستور ديمقراطياً وضرورة أن تشارك فيه الأحزاب السياسية، وأن يكون منفتحا على العالم وألا يكون لحزب واحد وأضاف: "عدم تحول وهيمنة سلطة على سلطة أخرى وأن لا تهيمن السلطة التشريعية على السلطة القضائية"، وقال إن هيمنة السلطات على بعضها البعض تمثل آفة السلطات، وشدد على ضرورة توفر وازدياد مساحة الحريات الشخصية ومبدأ المساواة، وأضاف "يجب أن يكون هنالك أيضا حرية الإعلام في إطار التعبير عن الآراء المختلفة وعدم الهيمنة والتسلط واعتقال الصحفيين ومراقبة الصحف"، وعد فانوس أن ذلك يجب أن يكون واقعا من خلال الدستور القادم.