عثر الكاتب والناشط بدولة الجنوب جون بن علي لفافة من البلاستيك بغرفته عقب ثلاثة أسابيع من عيد الكريسماس وبدأ يزيل الغطاء عنها بعدم اكتراث ولكنه فوجئ بجزء من هيكل عظمي لإنسان مصحوب برسالة تهديد بالقتل تحمل توقيع جماعة تطلق على نفسها "لجنة استعادة الوطنية"، كانت الرسالة التي كتبت بخط اليد تحمل تهديدا صريحا بالقتل في حال عدم التوقف عن الكتابة، وأنه سيواجه ذات المصير الذي واجه صديقه الكاتب الصحفي دينق تشان أوول الذي كان يكتب باسم أسياس إبراهام قبل إصابته بعيار ناري وقتله بمنزله بجوبا في ديسمبر من العام الماضي. ذهبت النشوة قال جون بن علي في حديثه لوكالة (رويترز) من مكان سري خارج دولة الجنوب: "ظننا أن الهيكل العظمي يعود لإنسان ولكن جهاز الأمن القومي نفى ذلك في وقت لاحق"، وقال الكاتب هيرورد هولاند في تقريره إنه انقضي عام ونصف على انفصال الجنوب الذي طال انتظاره وأن نشوة الاستقلال قد ذهبت لتحل محلها مهمة ترجمة شعارات الحرية والديمقراطية التي تغنى بها المتمردون طويلا، مضيفا أن هنالك مؤشرات لانزلاق دولة الجنوب لفرض رقابة على وسائل الإعلام بالدولة الجديدة وتضييق الحريات على الأصوات المرتفعة التي تطالب قادة الدولة الوليدة بتنفيذ الشعارات التي نادوا بها طوال سنين الحرب. وأشار هولاند الى أن دينق أوول الذي كان يكتب باسم "أسياس أبراهام" كتب مقالا قبل مقتله بجوبا طالب فيه حكومة الجنوب بخلق علاقات طيبة مع عدوها المرير في الخرطوم ووقف دعمها للمجموعات المتمردة بالشمال، وقال جون في حديثه ل(رويترز) إنه من المؤسف جدا بالنسبة لنا – الناجين من الحرب الطويلة بين الشمال والجنوب – أن نجد أنفسنا مضطرين للفرار من موطننا مرة أخرى بسبب الظلم، مضيفا أنه على الرغم من الضجة التي أثارتها حكومة الجنوب وإعلانها البحث عن قتلة أبراهام إلا أنها رفضت تقديم المساعدة لمخبري مكتب التحقيقات الفيدرالية في بحثهم عن القتلة، وقالت إنها اعتقلت عددا من المشتبه بهم إلا أن واحدا من هؤلاء المشتبه بهم لم يمثل أمام القضاة للمحاكمة وتقول أسرة أبراهام إن التحقيق قد توقف حاليا، مضيفا أن جون بن عقب وفاة صديقه أبراهام بدأ في جمع مقالات الأخير في كتاب بجانب أشعاره الخاصة، ونبه هولاند الى أن ذات الرسالة التي عثر عليها جون بن في غرفته وصلت إليه عبر بريده الألكتروني بذات التوقيع، وتحمل عبارات التهديد وتطالبه بالتوقف عن الكتابة ووقف حملته ضد دولة الجنوب وختمت بقولهم "سنصل اليك أينما كنت." مخاوف متعددة وبحسب التقرير فجون بن لم يكن الوحيد الذي يحمل مخاوف بشأن توجهات الدولة الوليدة التي حظي انفصالها السلمي بدعم كبير من القوى الغربية، فدولة الجنوب تراجعت ثلاثة عشر مركزا بحسب ترتيب منظمة مراسلون بلا حدود لتحتل المركز (124) من أصل (179) مركزا عالميا بالنسبة لمؤشر الحرية الصحفية، في السياق قال كاتب الرأي السياسي زكريا بيار الذي هرب من دولة الجنوب بعد أن أخبره شرطي أن هنالك من يخطط لقتله عقب إثارته لقضية مقتل ابراهام ومطالبته بتعقب المجرمين في حديثه ل(رويترز) أنه شاهد سيارتين تتعقبانه إحداهما تابعة لوحدة الحماية الرئاسية والأخرى سيارة شرطة، وأضاف بيار بسخرية أنهم يظنون أنهم يستطيعون استعادة حب الوطن بقتل الناس، من جانبه نفى الناطق الرسمي لدولة الجنوب برنابا ماريال بنجامين في استجابته لموظفي الأممالمتحدة الذين كانوا يحققون في اعتقال وتعذيب بيار وجون بن مطلع العام الحالي أنه لم يتم اعتقال أو تعذيب أي صحفي من قبل الحكومة ووصفها بالافتراءات وقال إن التحقيق مستمر للكشف عن قتلة أبراهام. وأشار التقرير الى أن قادة الأقليات بالبرلمان اتهموا الحركة الشعبية التي تمثل 90% من المقاعد التشريعية بالتخلي عن مبادئ "الحرية والمساواة والتقدم" بمجرد وصولهم الى السلطة، مضيفا أن الفساد أصبح مشكلة خطيرة فرئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت كان قد بعث العام الماضي رسالة الى 75 من مسئولي حكومته يطالبهم فيها بإرجاع أربعة مليارات دولار كانت قد سرقت من أموال دولته – الرسالة – التي اعترفت دولة الجنوب بأنها حقيقية وقال برنابا بنجامين إن معظم هذه الأموال فقدت في "صفقة الذرة"، ويرى البرلماني أونيت أديقو في حديثه لرويترز أن ارتفاع التهديدات وازدياد الهجمات على الأصوات المعارضة بما فيهم أعضاء حزبه لا تمثل سياسة متعمدة من قبل المستويات العليا في حكومته، وعزا أديقو المشكلة الى التداخل في عمل أجهزة الأمن المتعددة والتي تعمل غالبا ضمن هياكل قيادة ضعيفة أو متنافسة ولا يوجد قانون يحكم عملها. أمل وإصلاح جلس موظف الاستقبال برئاسة الأمن القومي بمكتبه البائس بجوبا يشاهد بذهول عرضا للمصارعة بإحدى القنوات التلفزيونية، فيما أكد وزير الأمن القومي بدولة الجنوب أوياي دينق أجاك على وجود مشاكل بقطاع الأمن معربا عن أمله بتجاوز هذه المشاكل بصياغة سياسة الأمن القومي، من جانبه يرى رئيس معهد أبحاث "ساد" بدولة الجنوب جوك مادوت أن إصلاح قوات الأمن ليس كافيا في الوقت الذي يقول فيه الدبلوماسيون إن هذه القوات فوق القانون، مشيرا الى أن إدارة قوات الأمن جزء من وزارة الأمن القومي إلا أنها في الواقع تدار من قبل الرئاسة، لافتا الى أن عدم المحاسبة والانفصام بين السياسات والأجهزة الأمنية هي السبب الرئيسي خلف القيود المفروضة على الصحافة، وقال صحفيون محليون إن سياسة الترهيب والإفلات من العقاب بما في ذلك حادث اغتيال أبراهام تركت تأثيرا عميقا على المشهد الإعلامي بدولة الجنوب. وأشار التقرير الى أن المانحين الغربيين أظهروا رغبة ضئيلة في إيقاف المساعدات الخاصة بدولة الجنوب بسبب تخوفهم من تأثير ذلك على الأمن القومي وانهيار دولة الجنوب، وقال دبلوماسي غربي في حديثه ل(رويترز) إن المانحين الغربيين مرغمون على ابتلاع جرعة الدواء المر بسبب تعهدهم بدفع مرتبات المعلمين وعمال الصحة بدولة الجنوب على الرغم من الانتهاكات الصريحة لحقوق الإنسان، من جانبه قال رئيس لجنة حماية الصحفيين توم رودلف إن الثورات الناجحة في إرتريا وزيمباوبوي فشلت في دعم حرية التعبير في الماضي وإن وكالات المساعدات الإنسانية كانت في كثير من الأحيان على استعداد لقبول ذلك فنادرا ما نجد حالات قطع فيها المانحين دعمهم بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، ويرى هولاند أنه من غير المرجح أن ينعم منتقدي الحكومة وأسرهم بالراحة ففي تأبين أبراهام عقب ثلاثة أشهر من مقتله كانت أسرته تحمل ملصقا كتبت عليه "هل هذه دولة الجنوب التي قاتلنا من أجلها".