زاوية البارحة لخصت دواعي بيع مستشفى العيون، حسب ما ورد في قرار مجلس الوزراء رقم (323)..ولكن هناك رأي آخر، ويجب أن يعرض للرأي العام ثم لمتخذ قرار البيع (مجلس الوزراء)..إذ قرار المجلس يرى أن مباني المستشفى محض عقار ليس إلا، ومفردة العقار تكررت أكثر من مرة في ثنايا نص قرار البيع، ولكن كل أهل السودان على علم بأن مباني مستشفى العيون ليست بمحض عقار بحيت يمكن إزالتها بلا(إحم أو دستور)، بل مبان أثرية وذات قيمة تاريخية يجب الحفاظ عليها (كما هي)..شيدها الإنجليز في العام 1912، عنابر مستشفى الجيش، وبداخلها إستبسل البطل عبد الفضيل الماظ - عام 1924- وأصيب، ثم غادرها متأثرا بجراحه ليستشهد في الموقع الحالي لوزارة الصحة ..ولو كانت الأشياء في السودان تمضي كما يشتهي شعبه، فإن ذاك المكان كان يجب يكون متحفا قوميا يخلد ثورة اللواء الأبيض وثوارها وبطلها الشهيد الماظ، ولكن نحن في السودان نزعم بأننا (نهوى أوطانا)، ولا نهتم بتخليد بطولات الأبطال الذين (من أجلنا ارتادوا المنون)..!! ** المهم ..بعد الجلاء مباشرة، طلب الدكتور حسين أحمد حسين - رئيس قسم العيون بمستشفى الخرطوم، وأول أخصائي عيون بالسودان - طلب من الزعيم الأزهري تخصيص تلك المباني بحيث تكون مستشفى عيون، فوافق الزعيم بلا تحفظ ..الدكتور حسين أحمد حسين، عليه رحمة الله، لم ينتظر فجر اليوم التالي، بل في ذات يوم موافقة الزعيم الأزهري - وبعربة لوري دفع أجرتها من جيبه الخاص - شرع في نقل أسرّة وأثاث ومعدات ومرضى العيون من مستشفى الخرطوم إلى حيث المسمى - في قرار المجلس - بالعقار المعروض للبيع..تأملوا - بالله عليكم - همة وإخلاص وصدق انتماء رجال أيام زمان، الدكتور حسين نموذجا..وعليه، هل أخضع مجلس الوزراء، قبل إصدار القرار رقم 323، القيمة الأثرية لمباني مستشفى العيون للدراسة والتقويم، ثم النظر إلى تلك القيمة الأثرية بعين الاعتبار؟..إذ نص القرار ليس فيه ما يشير - تلميحا أو تصريحا - إلى أهمية الحفاظ على أثرية تلك المباني، ولم يلزم الشاري بذلك، بل اكتفى القرار بنص فحواه (بيعوها بأعلى سعر)، ثم بعد ذلك (تُهدم أو لا تُهدم) ليس بالأمر المهم..وهنا نسأل : ما رأي وزارة الآثار - الذي شارك وزيرها في اجتماع ونقاش مجلس الوزراء يومئذ - في التخلص من هذا الموقع الأثري؟.. ثم ما موقف الهيئة القومية للآثار والمتاحف من قرار كهذا، بحيث يفعل المستثمر - في تلك المباني الأثرية - ما يشاء، هدما وتدميرا؟..سادة هذه الجهات المناط بها حماية المواقع والمباني الأثرية يجب أن يظهروا موقفا شجاعا أمام قرار البيع هذا، بدلا عن (الصمت الغريب)، وكأن الأمر لا يعنيهم ..!! ** ثم ما يثير التوجس، هو أن هذا المرفق فلت من البيع مرتين في السنوات الفائتة.. ولاية الخرطوم كادت أن تستولى على مباني المستشفى، في عهد المتعافي، مقابل أن تشيد مستشفى جديد، ثم صرفت عنه النظر بعد أن لاح في الأفق قرار (أيلولة المشافي الاتحادية للولاية)، أي بمعنى (نشتريها ليه وهي أصلا ح تجينا ببلاش ؟)..ثم أحد صناديق وزارة الدفاع كاد أن يشتري ذات المستشفى، ولكن عدم توفر شهادة بحث للموقع - عامئذ - حال دون ذلك..علما بأن الوضع الاقتصادي في تلك الأزمنة كان يرفل في نعيم البترول، ومع ذلك كانت هناك جهات تسعى لبيع هذا المستشفى قبل أن تجهز البدائل، وهذا يعكس بأن الغرض كان للبيع فقط، وليس لتحسين الخدمات العلاجية بالولايات والعاصمة، أو كما نسمع اليوم..واليوم أيضا، فالحديث فقط عن بيع المستشفى، ولا توجد دراسات وخطط وتكاليف المشافي المراد تأسيسها من عائد البيع..ثم الأمر المهم جدا، حاليا ميزانية الصحة هي الأضعف في الموازنة العامة، وكذلك ميزانية الصرف على أقسام العيون هي الأضعف في ميزانية وزارة الصحة، وهذا يعكس بأن صحة الناس ليست ذات أهمية - ولا أولوية- في ميزانية الدولة..وأمام إهمال كهذا، ما هي الضمانات بأن عائد بيع مستشفى العيون مراد به تحسين الحال الولائي؟..أي للناس حق التوجس..!!