لم أجد الإجابة أو التعليق المناسب،لا أعرف ماذا قلت، حينما فاجأني مقدم برنامج (صالة تحرير) بفضائية أم درمان الزميل المتميز الأستاذ خالد ساتي، بخبر نشرته إحدى الصحف تعلم خلاله القراء بأن تجاوزات الاعتداء على المال العام بولاية سنار بلغت 318 مليون جنيه! وقبل أن تسأل عزيزي القارئ عن حجم المبلغ في ميزانية الولاية، عليك أن تضع بعض الأقراص المهدئة بجوارك قبل تلقي الإجابة الصادمة! حسناً، إن فعلت، فأعلم أن مجمل ميزانية الولاية كما جاء في الخبر لا تقل عن 600 مليون، أكثر من نصف الميزانية ذهب مع الريح! تشككت في البداية في الأرقام، قلت لعل ساتي بسبب خطأ ما، أسقط رقم أو أضاف، وعند مراجعة الخبر في مصدره، وجدت الأرقام سالمة وصحيحة! مبروك، ربما تصبح هذه النسبة من التجاوزات ضمن النسب المتنافسة للدخول لموسوعة غينيس القياسية، أكثر من نصف ميزانية جهة حكومية في دولة معترف بها قبل أكثر من نصف قرن، يتسلل خارج ضوابط الإجراءات المالية والمحاسبية! إذا تسامح المزاج الشعبي مع التجاوزات إلى حد قبول الأمر الواقع، بأن يأكل الخباز-بغير حق- نصف الخبز، طالما أنه يجُود ويحفظ النصف الباقي، فإن أهل أفران المال العام في ولاية سنار يأكلون أكثر من نصف الخبز ويفسدون المتبقي بسوء الصنعة ولا يتركون للمواطنين سوى الحسرة والغيظ! الغريب أن برلمان الولاية تعامل مع الحدث بهدوء مريب، لم يغضب ولم يحتج، وبالقطع لا يرغب في العض، لمانع فني بسط، شبيه بمانع الثعبان لوجود جرادة في فمه! والأغرب من كل ذلك شرع رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان بالقيام بدور نقيض لما هو مطلوب منه، ارتدى بدلة الإطفاء وحاول أن يطفئ نيران المساءلة والمحاسبة باستخدام غاز ثاني أكسيد الكربون! رئيس اللجنة السيد/ محمد عثمان، قال للصحافيين (الأمر مقدور عليه، لأنها في النهاية أخطاء بشر، نحن مع التقويم وليس التجريم)! عبارات صابونية يصعب الإمساك بها. ما لم يكن مقدوراً الحفاظ عليه وهو في جيب الحكومة لن يستعاد وهو في جيوب المعتدين! وأخطاء البشر لا تهون بنسبتها لطبيعتهم البشرية، بل تعظم لأن البشر رضوا منذ الأزل حمل الأمانة وتحمل تبعية التكليف. كما أن المال العام لا تعتدي عليه القوارض والزواحف، بل يعتدي عليه أصحاب الضمائر الخربة والنفوس الملوثة ببكتيريا الفساد! والتقويم لا يتم إلا بمطراق الحساب والعقاب لا بالتستر ولجان الدغمسة والمواقف المخنثة، والتجريم تفرضه الأرقام والحسابات لا النوايا والرغبات! ويسعى رئيس اللجنة الاقتصادية لتطمين مواطني سنار، أحفاد عمارة دنقس وأبناء الشيخ فرح ود تكتوك (حلال المشبوك) على الميزانية القادمة، ويقول للصحافيين: (المجلس وضع قانوناً خاصاً للمراجعة الداخلية بالولاية لتمكينها من أداء عملها بصورة مستقرة)! وأين كانت المراجعة الداخلية حينما استباحت أيادي العابثين ميزانية الولاية و(خمشت) أكثر من نصف (رغيف) الفقراء والمساكين، في التقاطع والمدينة وود العباس وديم المشايخة ومايرنو؟! المراجعة الداخلية الغرض منها تلافي الأخطاء قبل وقوعها بمراجعة أولية للمستندات والإجراءات، ونهائية عند خروج الشيكات وأذونات الصرف، أي قبل انكسار الزجاجة واندلاق الزيت واحتراق الزرع! كيف يقوم المراجعون بحماية المال العام وأسماؤهم تتصدر قوائم الحوافز والمكافآت في الوحدات المكلفون بمراجعتها؟!! مع فقه التقويم وعدم التجريم، أخشى أن تتجاوز اعتداءات المال العام بولاية سنار ال100% ، بحيث تمتد الأيادي الطويلة لميزانيات الأعوام القادمة (وسفراً باليد مو بعيد) !!