قد تكون هي المرة الثانية التي اتصل فيها على رقم شرطة النجدة (999). كنت في الطريق إلى المنزل قبل ثلاثة أيام، بالطبع كان ذلك في الساعات الأولى من الصباح. إذا بي أفاجأ بحريق بالقرب من السور الخارجي لحديقة القرشي من الجهة الغربية. ربما شخص ما، من السكان أو أصحاب المتاجر المجاورة للحديقة قام بإشعال النار على كوم من الأوساخ، وغادر المكان بعد إطفاء الثقاب،غير عابئاً بما يحدث بعد ذلك! صحيح، النار المهملة التهمت الأوساخ ولكنها لم تكتف بذلك ، حيث تمددت بشراهة نحو عمود الكهرباء الملاصق لسور الحديقة. العمود به أسلاك أرضية ممتدة إلى أعلى حيث يوجد محول كهربائي، النار بدأت تلتهم الغطاء البلاستيكي الأسود الحامي للأسلاك الكهربائية! ما أدهشني وضاعف شعوري بالإحباط في ذلك اليوم، أنه لا أحد من أصحاب المتاجر أو السكان أو المارة حاول احتواء الحريق أو الاتصال بالمطافئ أو على الأقل متابعة انتشاره! قررت أن أقوم بأقل الواجب، فاتصلت بشرطة النجدة ،لأنني للأسف لا أحفظ رقماً محدداً لشرطة المطافئ! المحزن والمؤسف جداً، تفشي وباء اللا مبالاة في المجتمع،حالة من حالات الحياد السلبي وعدم الاكتراث للمخاطر التي تصيب العامة ولا تمسك بتلابيب الذات! إنها ثقافة المشاهدة الاستهلاكية التي رسختها الفضائيات، أن تنظر إلى الآخر وهو يحترق ولا يعنيك ذلك في شيء، سوى أن تنتقل بالريموت الى قناة أخرى،قد تكون موليدي أفلام (ويا سلام يا وديع)! (مرسي عاوز أقوم من الكرسي)! حينما كتبت قبل سنوات في إحدى زياراتي للقاهرة عموداً حمل عنوان (مصر مسرح كبير)، زميلتنا العزيزة الصحفية المصرية أسماء الحسيني ، لم يعجبها العنوان، وهي امرأة لطيفة وحساسة وكثيراً ما تعالج انفعالاتها الغاضبة عبر التجاهل أو السخرية، معالجة ساخرة تضعك في مقام مربك، لا تعرف هل تغضب أم تضحك، علقت على عنوان العمود بطريقتها المصرية المحببة : (إذا كانت مصر مسرحاً كبيراً يا ضياء، مال السودان أيه؟...سيرك)! عزيزي/ الطاهر ساتي لا تغضب من المصريين هذه الأيام في شخص الممثل أحمد آدم لاستهزائه بنا،هم الآن يستهزئون بكل شيء حتى بأنفسهم..! أخطر ما فعلته الثورة المصرية أنها كسرت الحاجز الرابع الفاصل بين خشبة المسرح والجمهور. الممثلون اليوم يقدمون برامج سياسية في الفضائيات، ولن نتعجب غداً إذا لعب دكتور البرادعي دور الكومبارس في فيلم (العمارة في السفارة) أو العكس، وعمرو موسى ظهر في بطولة ثانوية مع شعبان عبد الرحيم في فيلم (أنا بحب إسرائيل)، ولن نتفاجأ إذا استطاع الرئيس محمد مرسي أن يجد مقعداًَ بجوار الأخ/ أحمد بدير في مسرحية (مرسي عاوز أقوم من الكرسي)! نصيحة للبطل كاتبي المفضل مصطفى عبد العزيز البطل، يشن هذه الأيام حملة انتقامية على مناضلي الكيبورد وعلى الأشباح الإسفيرية ومنظمي ماريثون سباق الحمير! أخشى على الصديق البطل أن تفقده حمى المعارك وغبار "الدواس" بهاء الأسلوب ونظافة التعبير والمقدرة النادرة في انتزاع الابتسامات من الخصوم، عبر عقد المفارقات واستدعاء الطرائف من كشكول الذكريات. أرسلت للبطل رسالة في الإيميل، وختمتها بنصيحة صيفية: (يا بطل روق المنقة وبرد الكركدي)! (بشيل في الدبر ما بميل) الصديق الوفي محمد عبد القادر أخيراً حصل على إجازة بعد ما يقارب الخمس قرن من الزمان في مطاردة الأخبار! 16 عاما من التعب وحمى السهر ووحشة الليل، دون انقطاع إلى مشارف الصباح! قرر أبوحباب التقاط أنفاسه وغسل أحزانه في إجازة روحية بالأراضي المقدسة في معية أسرته الكريمة. زاملت الرجل بالعزيزة (الرأي العام) لعشرة أعوام، لم أر شخصاً له طاقة احتمال للأعمال التحريرية والإدارية الشاقة مثل ود عبد القادر! فهو كما يقول النقاد الرياضيون لاعب يتمتع بطاقة جبارة وثبات انفعالي نادر ومقدرة استثنائية على امتصاص المفاجآت وتنظيم الهجمات المرتدة وإعادة ترتيب الأوراق في عين العاصفة والعمل تحت الضغط العالي! من يصدق أن الرجل كان في مستهل الألفية الثالثة يأتي للصحيفة لتحرير الأخبار بحقيبة ملابس كاملة، السبب أن ظهره كان ملغماً بالحبون، التي كان ينفجر بعضها خلال اليوم! كان محمد عبد القادر بروحه المرحة وسخريته الطازجة يضاحك الزملاء في صالة التحرير ويستنطق السياسيين عبر الهاتف والدماء تنزف من ظهره ولا يقول (آه)! هنيئاً لك عزيزي محمد هذه الإجازة الروحية، لا يوجد في هذه الدنيا ما يعادل أو يساوي ركعات خاشعات أمام بيت الله وجرعات مباركات من ماء زمزم ودمعتين نقيتين في حضرة الحبيب وابتسامة على وجه حباب!