على خلفية جدولة ديونها للبنك المركزي على (20 100) عام: خبراء اقتصاديون يحذرون من تمادي البنك المركزي في تسليف الحكومة لآجال طويلة د.سيد زكي: تقاعس الحكومة عن سداد سلفياتها للبنك المركزي يحدث تزايدا في الدين الداخلي د. أحمد المجذوب: أي زيادة في كمية عرض النقود فوق احتياجات الاقتصاد القومي تنعكس مباشرة على زيادة معدلات التضخم. المراجع العام: التراكم السنوي للحساب غير المثبت بالسجلات يؤكد عدم المقدرة المالية للحكومة على مقابلة التزامات الاستدانة والاقتراض. تقرير: هالة حمزة السياسات الاقتصادية سواء أكانت المالية أم النقدية بحاجة ماسة لمراجعات وإعادة نظر بعد أن أثبتت وتثبت بشكل متكرر وجود ثغرات كبيرة تسهم في إصابة الاقتصاد بالانتكاسة والخلل ومثال لما ذكرت الاستلاف الحكومي من بنك السودان المركزي فقانون بنك السودان المركزي للعام 2002 والمعدل في 2005 و 2006فتح شهية الحكومة بنصه في فصله الثاني على جواز قيام البنك بمنح الحكومة سلفة مؤقتة لا تتجاوز « 15 20%» من الإيرادات المقدرة للسنة المالية التي تمنح فيها السلفة، على أن تسدد كل السلفة خلال مدة لا تتجاوز نهاية النصف الأول للسنة التي تلي السنة التي منحت فيها السلفة بمعنى أن تسدد السلفة التي تمنح خلال سنة 2012م في مدة لا تتجاوز نهاية يونيو 2013م شريطة ألا تؤثر الاستدانة أو الاقتراض سلبا على مجمل سياسات الاقتصاد الكلي ولكن ما يحدث الآن يثبت عدم التزام الحكومة الكامل بسداد السلفيات والمديونيات المؤقتة في حينها بل عدم التزامها كذلك بالاستلاف في الحدود المسموح بها. خلل استراتيجي: السوداني تحدثت للعديد من المحللين الاقتصاديين حول الظاهرة وآثارها على مجمل سياسات الاقتصاد الكلي وقد أجمعوا على خطورة تمادي البنك المركزي في تسليف الحكومة لآماد طويلة على الاقتصاد حيث أشار المحلل الاقتصادي د.الكندي يوسف الى التنبيهات المتكررة التي ظل يطلقها المراجع العام لظاهرة الاستدانة من النظام المصرفي وفشل المالية في الإيفاء بسداد السلفيات المؤقتة في حينها، مبينا أن كل الدول متاح لها وفقا لاقتصادياتها نسبة محددة من التسليف من بنوكها المركزية، وقال إن وزارة المالية الاتحادية تعاني من فجوة في الموارد بسبب فقدان عائدات البترول الأمر الذي جعلها في وضع لا تحسد عليه، فضلا عن استمرار تدهور الأوضاع الأمنية والصرف على الأمن يكلف الدولة كذلك الكثير وأبان أن هنالك خللا استراتيجيا في الاقتصاد والشاهد على ذلك فشل الدولة في سداد مستحقات أصحاب العمل وفي الإيفاء بحقوق المساهمين في الأوراق المالية عموما وشهادات شهامة فضلا عن اتجاهها لشراء الذهب عبر البنك المركزي والذي يعتبر آلية لشراء النقد الأجنبي بغرض ردم الفجوة التي نتجت عن فقدان بترول الجنوب ماعدا النذر اليسير المتمثل في العوائد الجليلة وضرائب حركة التجارة والخدمات في الذهب ورسوم الجمارك للصادرات، وكل ذلك أدى لارتفاع التضخم لمعدلات عالية ويعد مؤشرا لتشوهات في الاقتصاد القومي وعلى رأسها زيادة حجم الدخل القومي وطباعة النقود دون أن تقابلها زيادة في الإنتاج والخدمات، مشيرا لتخوف الاقتصاديين من التضخم المفرط وزيادة عرض النقود في السوق مما يؤدي لفقدان الثقة في العملة الوطنية وهروب الكثيرين للذهب والعقارات وحديد التسليح باعتبارها مخزنا للقيمة، داعيا الحكومة لخفض الانفاق على الجانب الأمني وتغيير سياساتها مع القضايا الأمنية باستخدام قوة باطشة لإنهاء التمرد وقطع الطريق أمام الآخرين الذين يمكن أن يتمردوا. سلفيات غير مستردة: وزير الدولة الأسبق بوزارة المالية مدير مركز المجذوب للاستشارات الاقتصادية د. أحمد المجذوب قال ل(السوداني) إن أغلب الاقتصاديين يرون أن أي زيادة في كمية عرض النقود فوق احتياجات الاقتصاد القومي ستنعكس على زيادة معدلات التضخم، فضلا عن أن استخدام الزيادة في عرض النقود في المجال الإنتاجي سيكون أثرها السالب أقل من استخدامها في الإنفاق الجاري وبالتالي فإن الأثر النهائي يكون بنوع الاستخدام وتطورات النظرية الاقتصادية مشيرا الى أن البعض يربط الأمر في مجموعه بالنموذج الاقتصادي المعتمد في العام المالي المعين وبالتالي فإن هذا النموذج يتضمن مؤشرات كمية كنسبة التضخم المستهدفة ونسبة الزيادة في عرض النقود ومعدل النمو المستهدف وبالتالي فإن أي زيادة تخرج عن هذا النموذج تكون آثارها النهائية سالبة وفي الواقع فإن هذه السلفيات لا تسدد، وزاد: بالتأكيد إن التوسع الذي تم في الإنفاق العام في عام 2011 وأدى لزيادة العجز في موازنة الانفاق الجاري عن طريق الاستدانة من النظام المصرفي من البنك المركزي سترفع نسبة التضخم في الاقتصاد. ركود تضخمي: وأوضح وزير المالية الأول في عهد الإنقاذ د. سيد علي زكي ل(السوداني) أن تقاعس الحكومة عن سداد التزاماتها المالية لدى البنك المركزي من شأنه إحداث ركود تضخمي وتزايد في حجم الدين الداخلي، مؤكدا أن الحكومة تلجأ للدين الداخلي من بنك السودان لأن مواردها المتاحة الحقيقية غير كافية ولمواكبة التوسع الذي يحدث في الاقتصاد. أما أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم د. أحمد الجاك قال ل(السوداني) إن مديونية الدولة من البنك المركزي يتم تمويلها من طباعة النقود مما يؤثر في عرض النقود والذي تحدده نظم إصدار محددة فمتى ما أصبح عرض النقود أكثر مما هو مطلوب فإن ذلك يؤدي لحدوث عدم استقرار اقتصادي يتمثل في زيادة معدلات التضخم وزيادة أسعار السلع والخدمات ومدخلات الإنتاج وهذه القروض التي تسلفتها الحكومة من أي مصدر من المصادر دون إرجاعها تؤثر على أداء البنك المركزي وعلى الاقتصاد لأن البنك المركزي كان بإمكانه أن يقرض جهات استثمارية والاستفادة من هذه الأموال التي أقرضها الحكومة. زيتنا في بيتنا: وفي السياق أكد المحلل المصرفي د.عمر محجوب في وقت سابق ل(السوداني) عجز إيرادات الحكومة في معظم الحالات عن تغطية مصروفاتها والذي تلجأ دائما الى تغطيته عبر القروض الخارجية أو الاستدانة من النظام المصرفي أو من الجمهور شريطة ألا تتجاوز الاستدانة النسبة المحددة بالناتج المحلي الإجمالي، مبينا أن تراكم الديون الحكومية ببنك السودان بسبب عدم السداد في حينه من شأنه رفع معدلات التضخم جراء اضطرارها لضخ أموال من دون مقابل سلعي أو خدمي، وقال: "من الذي يستطيع محاسبة الحكومة على تقاعسها عن سداد مديونياتها وعدم التزامها بالضوابط القانونية فالبنك المركزي حكومي والاستلاف حكومي ولكن الآثار التضخمية الناجمة عن ذلك ستؤثر بشكل خطير على البلاد والمواطنين. ديون الحكومة والمراجعة: عودا على بدء فإن أصدق شاهد على عدم التقيد الحكومي بقانون بنك السودان فيما يلي الاستلاف والسداد ما أورده تقرير المراجع العام حول موقف مديونية الحكومة ببنك السودان في 2010 حيث أشار الى أن حسابات بنك السودان المركزي أظهرت إجمالي المديونيات والسلفيات المؤقتة للحكومة حتى نهاية العام المالي المذكور بمبلغ (9,4) مليار جنيه منها مبلغ (7,9) مليار جنيها تم سدادها لآجال طويلة تتراوح ما بين (20 100) عام في حين أن القانون حدد فترة لسداد المديونيات المؤقتة للحكومة في مدة لا تتجاوز ال(6) أشهر فقط بعد نهاية السنة المالية التي منح فيها التمويل علما بأن رصيد التمويل المؤقت الممنوح للحكومة بلغ بنهاية العام 2010 (3,886,3) مليون جنيه. وحدد المراجع العام السلفيات المؤقتة للعام 2010 ب (1,5) مليار جنيه مبينا أنه تم الاتفاق على إصدار أوراق مالية قابلة للتداول خلال النصف الأول من العام 2011، أما الأخطر من ذلك ما أورده التقرير من وجود مديونية باسم الحكومة بمبلغ (7,2) مليار دولار من بنك السودان المركزي لا أثر لها بحسابات وزارة المالية والاقتصاد الوطني، بجانب تحمل بنك السودان المركزي لعبء هذه الفوائد حتى العام المالي 1989 بينما خصمت فوائد 1990 من حساب الحكومة الرئيسي بناءً على تفويض صادر من المالية آنذاك، أما الفوائد المستحقة للأعوام (1991 2010) فقد رصدت في حساب معلق مدين ضمن مديونية الحكومة لعدم حصول تفويض بخصمها من حساب الحكومة الرئيس مما أدى لتراكم هذا الحساب سنويا بالفوائد والجزاءات المحتسبة وغير المثبتة بالسجلات الحسابية بوزارة المالية والاقتصاد الوطني، الأمر الذي يؤكد عدم المقدرة المالية للحكومة على مقابلة التزامات الاستدانة والاقتراض مما يعتبر إخلالا بنصوص قانون البنك المركزي الذي رهن منح السلفيات للحكومة بتوفر المقدرة على مقابلة الاستدانة والاقتراض. كما أن بنك السودان المركزي نفسه بتوجيهاته الجديدة للمصارف بقبول السندات وأوامر الدفع المستديمة الصادرة عن وزارة المالية كضمان لمنح التمويل والتي تأتي في إطار مراجعة أسس وضوابط وموجهات منح التمويل مقابل الضمانات الحكومية ينسف البند الوارد بالقانون الذي أصدره بنفسه في 2002 والخاص بعدم قيام الحكومة بتقديم أي ضمانات مقابل الاستدانة أو الاقتراض. سلفيات 2011: أشار البنك المركزي في العرض الاقتصادي والمالي للربع الرابع من العام 2011الى أن إجمالي السلفيات طويلة الأجل للحكومة منه بلغت في الفترة من (أكتوبر- ديسمبر2011( (3.712,230) مليون دولار وأشار البنك الى أن سلفيات المؤسسات الحكومية من البنك بلغت (76,579) مليون دولار بينما بلغت سلفيات الحكومة المؤقتة (2,999,331) مليون دولار ، وسلفيات البنوك (657,665) مليون دولار . وأكد البنك أن إجمالي سحوبات القروض والمنح في الربع الرابع بلغت حوالي (353,27) مليون دولار ، وإجمالي سداد القروض (23,25) مليون دولار ، فيما بلغ إجمالي التزامات السداد لقروض القطاع العام حتى 31 ديسمبر 2011 (2,763,0) مليون دولار ، بينما كانت محصلة السداد لقروض القطاع العام في الفترة من أكتوبر ديسمبر 2011 (صفر) مقارنة بالسداد في 31 سبتمبر 2011 والذي يبلغ (157,7) مليون دولار ، فيما قفز اجمالي السحوبات من القروض حتى ديسمبر الى (2,920,7) مليون دولار (يمثل أصل القرض حتى ديسمبر 2011). أما حسابات الحكومة في ذات الفترة فقد بلغت في إجماليها (755,331) مليون دولار، بينما سجل عرض النقود (41,852,969) مليون دولار. معالجة الفوائد: تحمل بنك السودان المركزي وفقا للمراجع العام عبء هذه الفوائد حتى العام المالي 1989 وفوائد العام المالي خصمت من حساب الحكومة الرئيسي بناءً على تفويض صادر من وزارة المالية آنذاك أما الفوائد المستحقة للأعوام 1991 2010 فقد رصدت في حساب معلق مدين ضمن مديونية الحكومة لعدم حصول تفويض بخصمها من حساب الحكومة الرئيس مما أدى لتراكمه سنويا بالفوائد والجزاءات المحتسبة وغير المثبتة بالسجلات الحسابية بوزارة المالية. تعديل القانون: لكل ذلك لابد من الاتجاه لتعديل قانون بنك السودان المركزي للنص على استرداد السلفة التي تمنح للحكومة بنفس السنة المالية أو تحويلها لقرض أو أي معاملة أخرى ومعالجة البند الوارد في القانون والذي ينص على: (إذا لم يسدد التمويل كله او بعضه خلال المدة المنصوص عليها تتم معالجته بالكيفية التي يتفق عليها بين البنك والحكومة). مما يعني جواز ترك الأموال التي منحت للحكومة في شكل سلفة لتجري في شرايين الاقتصاد وتؤدي لارتفاع الأسعار عن طريق شطب السلفة او تحويلها لمنحة أو قرض طويل الأجل. وهذا ما فعلته الحكومة عندما قامت بتحويل «6.64» مليار جنيه مستحقة لبنك السودان على الحكومة لقروض طويلة الأجل تسدد على مدى مائة عام. وقد اقترضت الحكومة ملياري جنيه سوداني من بنك السودان خلال العام 2012م، ويتوقع أن تحول لدين طويل الأجل. مما جعل من طباعة العملة مصدراً رئيساً من مصادر تمويل الحكومة، وسبباً رئيساً لارتفاع الأسعار.