** زيارة وزير الخارجية ومدير جهاز الأمن إلى جوبا قبل ثلاثة أشهر، كانت الرسالة الأولى لحكومة جنوب السودان.. رسالة فحواها: نفذنا بند الترتيبات الأمنية حسب نص الاتفاق، ولكن حكومتكم لم تلتزم.. والرسالة كانت محرجة لرئيس حكومة الجنوب، لأنها لم تكن شفاهية، بل قدم الوزير والمدير من الأدلة الموثقة ما تكفي لإحراج الرئيس سلفا كير.. والراصد لتلك الزيارة ورسالتها وما حوتها من أدلة موثقة، لن يجد لها تعليقاً من قبل حكومة الجنوب، لقد استلمتها ثم (صمتت).. هكذا كانت الرسالة الأولى..!! ** أما الثانية: فقد كانت زيارة وزير النفط بحكومة جنوب السودان إلى الخرطوم قبل شهر تقريباً.. زارها متوجساً ومتوسلاً بعد أن توقف انسياب البترول عند منطقة الجبلين، وهو التوقف الذي أرجعوا أسبابه في وسائل الإعلام إلى (أسباب فنية).. ولم يكن الأمر كذلك، فالأسباب لم تكن فنية، بل إغلاق الخط الناقل في تلك المنطقة الحدودية بمثابة رسالة ثانية لحكومة الجنوب، وفحواها: حكومتكم لم تلتزم ببند الترتيبات الأمنية، وكذلك رئيسكم لم يلتزم بما وعد به وزير الخارجية ومدير جهاز الأمن في زيارتهما الأخيرة، وهذه أدلة أخرى وموثقة أيضاً تؤكد عدم الالتزام.. فاستوعب وزير النفط بالجنوب محتوى الرسالة، وخرج لوسائل الإعلام قائلاً: أسباب توقف انسياب البترول كانت فنية، وتمت معالجتها.. ثم غادر، وانساب البترول ..!! ** فالرسالة الأولى كانت للتنبيه، ولم تأت بثمار.. والرسالة الثانية كانت للتحذير، وأيضاً لم تأت بثمار.. وها هي الرسالة الثالثة، وهي تنفيذ لمحتوى الرسالة الثانية.. إغلاق أنابيب نفط جنوب السودان ليس بقرار سوداني، إذ حكومة جنوب السودان هي التي تُرغم السودان على إصدار القرار.. قد لا تقدم حكومة جنوب السودان الدعم المباشر لقوات الجبهة الثورية، ولكنها عاجزة عن حماية حدود الجنوب بحيث لا يناسبُ عبرها الدعم اليوغندي وغيره.. ثم عاجزة عن بسط سيطرتها على جيشها بحيث لا يمد بعض جنرالات الجيش قوات الجبهة الثورية بالدعم، تقديراً لسنوات (النضال المشترك).. وبالعجز عن إيقاف الدعم اليوغندي، وكذلك بالعجز عن إيقاف بعض جنرالات جيشها، تدعم حكومة الجنوب قوات الجبهة الثورية.. وانسياب البترول لحد البيع يعني تواصل الدعم، بل المزيد من الدعم.. ولهذا يجب ألا ينساب، أو هكذا التوجيه الرئاسي..!! ** رئيس حكومة الجنوب في وضع حرج للغاية.. قد ينفي دعم حكومته لقوات الجبهة الثورية، ولكنه لن يستطيع أن ينفي بأن أرض بلاده صارت معبراً لكل أنواع الدعم الجنوبي واليوغندي وغيره.. لن يستطيع نفي ذلك، فالأدلة الموثقة بطرفه، وكذلك اطلع عليها بعض أعضاء حكومته بمن فيهم (وزير النفط).. والمؤسف أن السودان صار يتعامل مع أكثر من حكومة جنوبية في كل القضايا العالقة، بما فيها قضية الترتيبات الأمنية.. حكومة بقيادة الرئيس سلفا كير تريد سلاماً وتعاوناً مع السودان، وحكومة أخرى بقيادة نائب الرئيس رياك مشار - وهي مهمشة ومغضوب عليها من قبل حكومة سلفا كير - وموقفها ضبابي في كل القضايا ذات الصلة بالسودان، ثم حكومة ثالثة بقيادة باقان وبعض جنرالات الجيش الشعبي وهي التي تفعل ما تشاء بالجنوب، وهي التي تعكر حالياً صفو (سلام البلدين).. وعليه ما لم يعالجها الرئيس سلفا فدولة الجنوب بحاجة إلى مبادرة إقليمية أو دولية توحد حكومتها، قبل أن تحاور السودان في القضايا العالقة.. إذ تعددت الحكومات داخل الدولة الواحد لأهل الدولة، وكذلك لجيرانهم..!!