لا يمكنك أن تفعل شيئاً ونقيضه في ذات الوقت وتتوقع نتيجة واحدة! إغلاق أنبوب نفط دولة الجنوب رسالة تسير في اتجاه واحد: (كل الاتفاقات التي تم التوقيع عليها في سبتمبر الماضي بأديس أبابا بلا قيمة بدون تنفيذ ملف الترتيبات الأمنية). ملف الترتيبات الأمنية يعني بصورة مباشرة فك الارتباط مع الفرقتين التاسعة والعاشرة قطاع الشمال. القرار الذي أعلن عنه الرئيس عمر البشير في لقاء بحري كان رسالة حاسمة غير قابلة للالتباس: (لن نساهم في دعم أعدائنا)! بما أن الحكومة اختارت أن تمضي في هذا الاتجاه ما كان عليها أن تعقد مؤتمراًَ صحفياً في أقل من 24 ساعة لتتحدث عن أن التنفيذ سيتم خلال 60 يوماً. الإشارة الإعلامية لل60 يوماً، والحديث عن احتمال التراجع في حال إحراز تقدم في ملف الأزمة، يضعفان الرسالة ويهزان الثقة في الموقف. دكتور أحمد بلال قال: إن ال60 يوماً كافية ليظهر الجنوب رغبته في تنفيذ الاتفاق والتراجع عن دعم التمرد. وزير الخارجية علي كرتي قال أمس في أديس: (قرار وقف ضخ بترول جنوب السودان عبر الأراضي السودانية لن يتم إلا إذا استنفد السودان كل الوسائل الثنائية لتأمين التزام حكومة جنوب السودان في الاتفاقيات الموقعة). حديث الرئيس كان جامعاً ومانعاً لا يحتمل التأويل(يا عوض، اقفل الأنبوب). حديث ال60 يوماً كان يمكن أن يتم ضمن الترتيبات الفنية مع الشركات ولا يحتاج إلى تبرير وإعلان سياسي. ما قاله الدكتور/ أحمد بلال وزير الثقافة والإعلام يعطي انطباعاً بأن القرار جاء على سبيل المناورة، أو أن الحكومة مترددة في اتخاذ الخطوة. ولن يكون مقنعاً القول: إن ال60 يوماً التزام أخلاقي، و تطبيق لنص في اتفاق أعلنت الحكومة تعليق كل بنوده! بغض النظر عن الملاحظات والانتقادات التي تحيط بالقرار، بما أن الحكومة قررت العودة لحتمية الملازمة بين الملف الأمني والاقتصادي كان عليها إظهار جدية وحزم يتوافقان مع الطريقة التي أعلن بها القرار: (يا عوض اقفل الأنبوب). ما استحال إنجازه طوال الفترة الماضية لن يتاح تحقيقه في 60 يوماً! سأعيد ما قلته من قبل مراراً وتكراراً: سلفاكير لا يملك الإرادة النافذة والقوة الناجزة التي تمكنه من تنفيذ ما اتفق عليه، قبل أن يضمن رضا كل جنرالاته! الرجل لا يملك كاريزما قرنق ولا قوة شخصيته وشدة قبضته التي كانت تجعله قادراً دوماً على بلوغ مراده دون أن يكثر الالتفات إلى الوراء. سلفاكير في وضع ضعيف لن يجد فيه خياراً آخر سوى الخضوع التام للتيار المساند لقطاع الشمال. أول التعقيدات مصدرها مقتل كوال دينق مجوك ناظر دينكا نقوك بأبيي، هذا الحادث قوى موقف قيادات أبيي داخل الجيش الشعبي وجعل سلفاكير خاضعاً لابتزازهم. وثاني التعقيدات، بروز تحالف جديد بين رياك مشار وربيكا قرنق قد يهدد موقف سلفاكير في الانتخابات القادمة. في ظل وجود هذه المعطيات لن يجرؤ سلفاكير على الاقتراب من عش الدبابير، لذا لن يستعدي عليه أبناء النوبة الذين يمثلون أكثر من 30% من قوات الجيش الشعبي. سلفا لا يزال يذكر جيداً أن أبناء النوبة داخل الجيش الشعبي هم الذين دافعوا عن قرنق في مستهل التسعينات حينما حاصرته قبائل النوير والشلك ودينكا بحر الغزال بقيادة كاربينو. نعم، على الحكومة في الخرطوم أن تبني إستراتيجيتها في التعامل مع دولة الجنوب على معطى أن سلفاكير يخشى على روحه بين جنبيه أكثر من خشيته على ميزانية حكومته! على الحكومة أن تسوي ملفاتها الخارجية مع الداعمين الأساسيين للحرب، فهؤلاء نفوذهم داخل دولة الجنوب أكبر من سلفاكير! التفاهم يجب أن يتم مع من يدفع لا مع من يستهلك! الدول التي دعمت انفصال الجنوب لن تسمح بموت الدولة الوليدة، ولن تتحمل تكلفة إعاشتها أطول ما يجب! إذن إما عليها إيقاف تدفق السلاح وإما عليها تقديم ضمانات بعدم تدفقه!