** التبت، إحدى المقاطعات الآسيوية التي تتمتع بنظام الحكم الذاتي.. ولشعب التبت تقاليد راسخة و(غريبة جداً).. ومن تلك التقاليد، يختار الشاب محبوبته ثم يخطر أهلها برغبته في زواجها.. يجتمع أهل العروس، ويزينوا عروسهم ويعطرونها ويجملونها ثم يذهبون بها إلى أقرب غابة.. هناك، تصعد العروس أطول الأشجار وتجلس على قمتها وهي بكل زينتها، ويجلس أهلها تحت الشجرة وبأيديهم (العكاكيز والسياط).. ثم يأتي العريس متوجساً، إذ عليه الصعود إلى قمة تلك الشجرة والنزول منها بعروسه ثم الهروب بها، وكل هذا يحدث تحت عكاكيز أهل العروس وسياطهم التي لا ترحم جسد العريس.. أحياناً ينجح ويهرب بزوجته لقضاء شهر العسل في (المستشفى)، وكثيراً ما يهرب بجلده قبل مرحلة الصعود.. هكذا الزواج في مقاطعة التبت..!! ** وهكذا الاستثمار في السودان.. وفليكن ما آل عليه حال مشروع قلب العالم بجزيرة مقرسم نموذجاً.. بتاريخ إبريل 2004، وصل رجل الأعمال السعودي أحمد عبدالله الحصيني إلى الخرطوم بحثاً عن فرص الاستثمار في مجال العقارات، فاقترحوا له جزيرة مقرسم بالبحر الأحمر، حيث لم يدخلها إنس ولا جان منذ أن خلقها الله.. ذهب إلى هناك متفقداً أرض المشروع، وراقته الجزيرة التي تبعد 18 كيلو عن ساحل مدينة محمد قول، فطور الحصيني الفكرة من بناء بضعة عقارات إلى إنشاء (مدينة كاملة)، وأسماها (قلب العالم).. وافقت وزارة الاستثمار، وخصصت الجزيرة لهذا المشروع، ثم اعتمد مجلس وزراء حكومة السودان ما وافقت عليه وزارة الاستثمار، وأصدر قراراً بتوقيع رئيس الجمهورية - بتاريخ أكتوبر 2012 - بتحويل جزيرة مقرسم إلى (منطقة حرة)، ثم تخصيصها للحصيني لينشئ عليها (مشروع قلب العالم)..!! ** غادر الحصيني إلى بلاده متأبطاً كل تلك القرارات، وكذلك فواتير الرسوم المدفوعة (دولاراً وجنيهاً)، وكلها مختومة بأختام الحكومة.. ثم عاد بالخرائط والكوادر والمعدات لينفذ المشروع حسب العقودات وجداولها الزمنية الملزمة للطرفين.. عند الشروع في التنفيذ، نفذت أجهزة الحكومة (الخطة أ)، إذ أصدر معتمد جبيت المعادن قراراً بإخلاء الجزيرة من المستثمر وكوادره لحين الجلوس مع الأهالي حول الحقوق، وتوقف العمل بالمشروع أشهراً لحين تجاوز متاريس (الخطة أ).. ثم تجاوزوا متاريس تلك الخطة - وعكاكيزها - بعد تدخل السلطات المركزية، ومنها وزارة الاستثمار ذاتها، وتواصل العمل وتبين للناس والحياة أن خطة قرار إيقاف العمل لحين الجلوس مع الأهالي لم تكن إلا (ضربة عكاز)، وتحملها المستثمر في سبيل الوصول إلى عروسه (المشروع)، أو كما يفعل عرسان مقاطعة التبت في سبيل عرائسهم..!! ** ولكن، قبل أن يتداوى الحصيني من آثار عكاكيز (الخطة أ)، ها هي أجهزة الدولة ذاتها تعد وتنفذ (الخطة ب).. (فجأة كده)، تحكم محكمة الطعون الإدارية بالبحر الأحمر لصالح مواطن اسمه دياب إبراهيم وتسلمه (جزيرة مقرسم)، وتخرج منها الحصيني.. طوال السنوات الفائتة، دياب هذا لم يكن (في المشهد).. ولو لم تحكم له المحكمة - أول أمبارح - بملكية تلك الجزيرة، لما عرفت أجهزة الدولة المركزية والولائية والمحلية - وكذلك الرأي العام - أنه (مالك الجزيرة).. وهنا نسأل مجلس الوزراء وحكومة الولاية ومعتمد المحلية: هل - فعلاً - تم تخصيص تلك الجزيرة للمواطن دياب قبل وصول الحصيني إلى البلاد؟.. إن كان كذلك، فلماذا - وكيف - استلمت أجهزتكم المركزية والولائية والمحلية رسوم تخصيص وتصديق مشروع قلب العالم من الحصيني؟.. بل، إن كانت تلك الجزيرة مخصصة للمواطن دياب، لماذا احتفل أعضاء مجلس الوزراء وحكومة الولاية والمحلية في قلب مقرسم قبل عام بمناسبة وضع حجر أساس مشروع قلب العالم؟..المهم، (اللعبة مكشوفة).. وقد يتجاوز الحصيني عكاكيز (الخطة ب)، ولكن هذا لا يعني (شهر العسل).. بل، كثيرة هي الخطط - وعكاكيزها- التي تنتظر هذا المستثمر العربي تحت (شجرة مقرسم).. قد يحتملها ويصبر على ضرباتها حتى يكتمل المشروع أو يهرب بجلده، كما فعل أحمد بهجت وآخرون..!!