النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أو ما جهلته الخرطوم عن القاهرة2_2
نشر في السوداني يوم 08 - 07 - 2013


ديرين ديفليت في مصر
أو ما جهلته الخرطوم عن القاهرة2_2
محمد عثمان إبراهيم
الإنقاذ لم تأت من الخارج وإنما هي حكومة سودانية صميمة قوامها مجموعة كبيرة من أبناء الأرياف المتحالفين تحت غطاء أيديولوجي بغرض إزاحة نخبة العاصمة الحاكمة والجلوس مكانها على سدة الحكم وقد تم انتقاء هذه الجماعة بعناية شديدة من قبل مؤسس الإنقاذ الشيخ حسن الترابي. هذه المجموعة ذات المنبت الريفي ، وهذه بطبيعة الحال ليست منقصة فكلنا أبناء ريف قصي خامل الذكر، كانت الأكثر بذلاً (اقرأها كسباً) داخل أوساط التنظيم السري للحركة الإسلامية والأوفر طاعة والأقل ارتباطاً بحياة الدعة التي توفرها المدن الكبرى لأبنائها، ولو توفر لنا مثقفون مجيدون مثل المحبوب عبدالسلام أو عبدالغني أحمد إدريس وكتبوا لنا عن أنثروبولوجيا وسوسيولوجيا الحركة الإسلامية لتكشف لنا أن الحركة الإسلامية ليست إقصائية فقط إزاء القوى السياسية الأخرى وإنما هي إقصائية أيضاً إزاء أبناء المدن.
انطلاق الحركة الحاكمة من الريف يفسر عجزها المقيم في مساق العلاقات الخارجية والدولية فالغالبية من قادة الحركة لا تجيد أي لغة أجنبية ولم تتوفر لها فرصة للعيش أو الدراسة في الخارج لترى كيف يمكن استخدام العلاقات الدولية لمصلحة الشئون المحلية (بالطبع أغلب كوادر الصف الثاني ممن درسوا في الخارج لكنهم معزولون ببدلاتهم وكرافتاتهم الدائمة ويُطلق على الكثيرين منهم ألقاب ساخرة داخل المنظومة الحاكمة ليس أقلها الدكاترة المتقرضمين). الحقيقة أن عزلة مثقفي الحركة الإسلامية ليست وليدة نظامهم العسكري الحالي لكنها منذ مشيخة الترابي عليهم إذ روي أنه كان يزدريهم وأنه نعت المثقف البارز د. التجاني عبدالقادر في وجهه مرة بأنه (مفكراتي) فقط ملمحاً إلى أن الفكر لا يصلح كمؤهل لممارسة العمل العام. مثل هذا القهر الداخلي أدى إلى انكفاء الإسلامويين على الداخل ويمكن مراجعة رفض الكثيرين منهم للعمل الخارجي وازدرائه (أحمد عبدالرحمن رفض أن يكون سفيراً في السعودية، عبدالحميد كاشا رفض السفارة في الهند، أزهري التجاني رفض السفارة في ليبيا وهناك آخرون).
إذن النخبة الحاكمة غير موهوبة في العلاقات الخارجية وتعتقد حسب الكثير من ممارساتها أن العلاقات الخارجية تعني السفر للخارج لذلك تجد مدراء العلاقات العامة في الوزارات يقيمون بشكل شبه يومي في رئاسة مجلس الوزراء للحصول على التصديقات اللازمة لأسفار السادة الوزراء لحضور الفعاليات الصغيرة والتي لا يحضرها أي وزراء من دول أخرى سواهم، ولو قررت رئاسة الجمهورية اليوم تكليف الوزير محمد المختار محمد حسين بإعداد تقرير يحتوي أسفار السادة الوزراء وأغراض سفرهم خلال عام واحد لحصلنا على تقرير فضائحي!
***
بالنسبة لمصر التي وصلت العلاقات الرسمية والشعبية معها إلى درك لم تصله منذ سقوط نظام الرئيس الراحل نميري فإن الحكومة ارتكبت عدة أخطاء ناتجة مرة عن سوء الفهم ومرة أخرى بترتيبات سيئة النية. صحيح أن العلاقات السياسية كانت الأسوأ خلال فترة ما بعد محاولة اغتيال الرئيس السابق مبارك ولكن الركود الذي انسحب حتى إلى العلاقات الشعبية هذه الفترة غير مسبوق.
الترتيبات سيئة النية ، ونحن نتحدث هنا بصراحة محدودة، تشمل التدخل في الشئون المصرية الداخلية وبالرغم من أن السياسة الخارجية الناشطة ليست سيئة دائماً لكن على الطرف المتدخل أن يكون مستعداً دائماً لدفع الثمن. تتهم دوائر نافذة في الدولة المصرية السودان بتسهيل دخول جماعات من حركة حماس وحزب الله إبان التظاهرات المناهضة لنظام مبارك وقامت هذه الجماعات بأدوار حاسمة وعمليات سرية شملت محاولة احتلال مبنى التليفزيون (مبنى ماسبيرو) والهجوم على سجون بعينها بغية إطلاق بعض المحتجزين فيها وتسهيل تحركات بعض الهاربين من السجون المصرية عبر السودان إلى دول أخرى.
تتهم دوائر نافذة في مصر أيضاً حكومتنا بمساندة جماعة الإخوان المسلمين قبل الثورة وبعدها وأثناء ترشيح الرئيس مرسي وبعد فوزه على أساس حزبي يعادي المكونات الأخرى للمجتمع المصري. لا نجزم بالطبع بصحة هذه الادعاءات لكن توجيه اتهامات من هذا النوع يكشف عمق الأزمة.
عملت الحكومة على تقديم الدعم السياسي لحكومة الرئيس مرسي منذ أول يوم لحكومته وحتى آخر يوم فيها وربما هي تأمل، لا تزال، في عودة عقارب الساعة للوراء. تمثل ذلك في التحركات المتزايدة لطاقم السفارة في أوساط الإخوان المسلمين في مصر وممالأتهم لتلك الجماعة وازدياد عزلتهم من قبل القوى الليبرالية ومكونات (الدولة العميقة) في مصر وقد شجع على هذا ضعف تأهيل الطاقم الدبلوماسي في مجالات العمل الإعلامي والثقافي ونزوع هذا الطاقم نحو العمل السري وإجراء المقابلات الفردية وكتابة التقارير للخرطوم (يمكن مراجعة تصريحات السفير كمال حسن علي للصحف المصرية وأحاديثه أمام لجان العلاقات الخارجية في البرلمان المصري). هذا لا يليق بعمل سفارة هي الأهم بالنسبة لحكومة وشعب السودان وهي مدخله أو قل سفارته إلى العالم الخارجي. لقد عمل سفير مثل الراحل د.أحمد عبدالحليم في ظروف غير مواتية لمهمته على الإطلاق لكنه نجح كثيراً في انتزاع الكثير من المكاسب للحكومة بل نجح في اختراق المعارضة ذاتها، والتي كانت تنشط هناك ويتحرك قادتها بمباركة على أرفع مستوى ويحظون بحراسة القوات النظامية، والتنقل بسيارات تحمل لوحات دبلوماسية، وقد فاجأ السفير أوساط المعارضة مرة بقيامه بزيارة اجتماعية لمنزل زعيم التجمع الوطني المعارض السيد محمد عثمان الميرغني لحضور مناسبة خاصة شارك فيها الحضور بإنشاد المدائح الختمية فلم يملك الحضور سوى الترحيب بالضيف الكبير.
طاقم السفارة الحالي وهو في الحقيقة طاقم حزبي شديد الولاء للمؤتمر الوطني غير مؤهل لخدمة مصالح الشعب بحكم تحصيل أفراده العلمي وبحكم تدريبهم وبحكم المطلوب منهم، والحال كذلك فإنه بعد سقوط نظام مرسي وما هو متوقع من مواجهات شرسة بين الحكومة وخصومها من جماعة الإخوان فإن السفارة الحالية غير مؤهلة لتحقيق أي مكاسب حتى للحزب الحاكم نفسه. على الحكومة منذ الآن التفكير في استراتيجية جديدة للمحافظة على وترقية العلاقات مع مصر وأهم مدخل لذلك إغلاق دار المؤتمر الوطني الباذخة في مصر الجديدة وتوفير أموال الشعب السوداني المهدرة فيها وإعادة السفارة إلى الشعب السوداني بمعنى ترشيح سفير جديد من غير ذوي الانتماء الحزبي ببرنامج عمل محدد يضع العلاقات في إطار المصالح الحقيقية بين الشعبين. يستحسن أن يكون السفير المقبل من خارج الكادر الدبلوماسي الحكومي المكبل بشبكة العلاقات المهنية الداخلية في الوزارة والمشغول بتحقيق النجاح الشخصي بغرض الترقي. نريد سفيراً يعلم أن انتهاء بعثته في القاهرة يعني انتهاء عمله الدبلوماسي وكثير من الدول تفعل ذلك في المحطات المهمة بالنسبة لها (انظر الولايات المتحدة مع الأمم المتحدة مثلاً، أوالدول الأوروبية مع الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو).
لقد حاول الحزب الحاكم طوال شهور حكم الرئيس مرسي تجيير العلاقات التاريخية بين البلدين واستخدامها كرصيد خاص له فخسر كحزب وخسرنا كشعب. يمكن النظر كمثال للنصريحات المتكررة من القادة السودانيين بأن نظام مبارك كان معيقاً للعلاقات الطيبة بين البلدين وأن سقوط ذلك النظام يؤذن ببداية فجر جديد ومثل هذا الحديث يكشف الجهل البيّن أو التجاهل المكابر للدولة العميقة في مصر. في الأسبوع الأخير من حكم مرسي، أعلنت وسائل إعلام سودانية أن الرئيس البشير بصدد زيارة مصر لحضور اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة، وتناقلت وسائل إعلام أخرى أن وفد المراسم والترتيبات الأمنية التابع للقصر الجمهوري قد وصل للقاهرة فعلاً! إن صح هذا فإنما يمثل استفزازاً كبيراً للقطاع الأكبر والأكثر قوة وتأثيراً من الشعب المصري الذي كان يستعد بشكل سافر وعلني لإقالة مرسي فإذا كانت السفارة تعتقد أن مرسي كان سينجو من حملة تمرد (المدعومة من الدولة العميقة) فلا بد أن السفارة ساقطة أيضاً في اختبار التقصي والإخبار إذ إن سيناريو الإقالة ، كما حدث، كان مبذولاً أمام الناس جميعهم وقد حظيت وحدي مرة ومرة أخرى ضمن مجموعة صغيرة من الكتاب والنشطاء السودانيين بالحصول من نشطاء ومثقفين مصريين على تنوير مبهر بمآلات الوضع خلال زيارة قصيرة لي للقاهرة في الأسبوع الثالث من يونيو الحالي. فرد واحد مثلي يعرف ما سيحدث والحكومة لا تعرف؟ مستحيل، ولكن الحكومة تتغافل وهذا مؤذٍ للغاية.
***
أخطأت الحكومة السودانية في قراءة المشهد السياسي المصري منذ فوز مرسي واعتقدت أن الإخوان المسلمين قد سيطروا على المنطقة الممتدة من كادوقلي إلى غزة، وإن عليهم الآن العمل لدعم إخوانهم في مصر على أن يعود إليهم مردود ذلك، ولكن الإخوان المسلمين نأوا بنفسهم عن السودان. لم يصدر عن الجماعة أي تصريح أو بيان أو فتوى تؤازر حكومة السودان ضد خصومها في المعارضة المسلحة ولو حدث هذا لكان له مردوده الكبير. زار الرئيس مرسي السودان زيارة أداء واجب عاجلة لم تحقق شيئاً على صعيد ترقية التعاون بين البلدين، ولا نعرف ما حدث بشأن ترقية العلاقات بين الحزبين الحاكمين.
انكفأ مرسي على أزماته الداخلية المتناسلة، وانشغل بتمكين منسوبي حزبه من الوظائف العامة وفي كل مؤسسة يعيًن فيها شخص موالٍ له تنشأ ساحة صغيرة للعراك والتنازع والطعن من الظهر وحكومتنا تتغافل عن كل هذا.
لم يكن الرئيس مرسي صاحب القرار في حكومته فقد كان بعض الوزراء والمدراء يتجاهلون تعليماته ويعاكسونه ويعملون بالتنسيق مع الدولة العميقة خارج سلطته. الأجهزة الرسمية لم تكن تضع الرئيس، بالكامل، في صورة الأحداث بالبلاد. خذ مثلاً أثناء حصار قصر الاتحادية في ديسمبر 2012، حاول الرئيس الاتصال بوزير داخليته اللواء أحمد جمال الدين لأربع ساعات متصلة دون أن يكلف الوزير نفسه بالرد على هاتف الرئيس ثم أمر الوزير الشرطة التي كانت تحرس القصر بالانسحاب من محيط القصر مما اضطر الرئيس للهروب أمام زحف المتظاهرين الذين تعلقوا بأسوار المبنى ولم يكن ما يمنعهم من احتلاله. حين رد الوزير على الرئيس، أمر الثاني بحماية القصر فما كان من الوزير إلا أن طلب من الرئيس مرسي أمراً مكتوباً يسمح له فيه بإطلاق النار على المتظاهرين.
قصة أخرى تكشف عزلة مرسي عن وزرائه رويت في أسبوعه الأخير إذ إنه بعد أن تأكد من خطة الجيش لإقالته وجه وزير خارجيته محمد كامل عمرو بإبلاغ السفارات الغربية (لماذا اختار السفارات الغربية ولم يختر السفارات الإسلامية؟) بنية الجيش في الانقلاب عليه. تلكأ عمرو في تنفيذ ما صدر إليه وتشاور مع عدة جهات مناوئة لمرسي من بينها الجيش وحصل على نصيحة بالاستقالة من منصبه وقد فعل مما عطل تواصل مرسي مع الغرب.
تجاهلت حكومة السودان سلسلة القرارات المتسرعة التي أصدرها مرسي وتراجعاته المذلة عنها مثل قرار دعوة مجلس الشعب المنحل للانعقاد أو الإعلان الدستوري الذي أقال بموجبه وزير الدفاع السابق المشير طنطاوي ورئيس أركانه الفريق أول سامي عنان (أغسطس 2012) ثم الإعلان الدستوري اللاحق والذي حصن فيه قراراته من نظر القضاء ومنح فيه مجلس الشورى حصانة من الحل وأقال فيه النائب العام عبدالمجيد محمود من منصبه بالمخالفة للقانون، ثم تراجعاته المهينة عن كل ذلك (كان قد أقال عبدالمجيد محمود وعينه سفيراً لدى الفاتيكان لكن محمود رفض السفارة وأصر على البقاء نائباً عاماً مما اضطر مرسي للتراجع ثم عاد مرة أخرى وأقال محمود) .بالنسبة لإقالة طنطاوي فالحقيقة أن المشير تلكأ في تنفيذ اتفاق قديم بالتقاعد هو ونائبه عنان وإفساح المجال أمام مدير الاستخبارات الحربية السيسي لتولي منصب القائد العام، وإزاء هذا التلكؤ أصدر مرسي القرار وبدا وكأنه الآمر الناهي لكن هذا وبالرغم من أنه ساهم في رفع الروح المعنوية للإخوان إلا أنه ترك جرحاً غائراً في مؤسسة الجيش القوية.
تجاهلت حكومة السودان سلسلة الاستقالات بدءاً من استقالة نائب الرئيس محمود مكي وعدد من الوزراء والمستشارين تجاوز الخمسة عشر مسئولاً رفيعاً، وفات على حكومتنا أن مرسي خسر بطريقته المتعجلة في (التمكين) قيادات وزارة الداخلية والجيش والمخابرات العامة والرقابة الإدارية وختمها بخسارة جمهور المحافظات بقراراته الأخيرة بتعيين محافظين جدد. كان الرئيس يقرر السير يميناً فتقول له الدولة العميقة يساراً ويقول يساراً فتقول له الدولة العميقة يميناً، والمال ينسكب مدراراً من أجل استقطاب الشباب وإنشاء المنظمات السرية، وشراء الأعلام، والخيام، والطعام، والمياه، والعصائر. بعبارة أخرى كان مرسي مثل ديك المسلمية يعوعي بينما بصلته تقشر في ميدان التحرير وحكومتنا تعوعي معه.
***
كان قادة الجيش يشعرون بالغبن الشديد من الانقلاب المفاجيء ضد طنطاوي وعنان ولعل رأس الجنرالين قد علم جميع الجنرالات في مصر أن الدور آتٍ عليهم وأن سيف خيرت الشاطر لابد ناحرهم في وقت من الأوقات (كان الشاطر يعمل كوزارة داخلية ودفاع ومخابرات خارج النسق الرسمي). ابتلعت القوات المسلحة الإهانة ثم الإهانات اللاحقة في سيناء لكنها سكتت عن ذلك وهي تخطط لشيء ما. الدولة العميقة لا تحتاج لأن تحكم، هي تحتاج فقط لحكام موالين لذا فإن القوات المسلحة لم تشا الانقلاب على الرئيس مرسي رغم أن الأمر لن يكلفها الكثير لكنها أرادت أن تكون عوناً للشعب إذا أراد إقالة الرئيس كما كانت عوناً له في 25 يناير 2011.
في أكتوبر من العام الماضي، نشر مندوب صحيفة الجمهورية في وزارة العدل وفي غياب رئيس التحرير جمال عبدالرحيم خبراً عن قرار وشيك بمنع طنطاوي وعنان من السفر وخلال ساعات أقيل رئيس التحرير من منصبه وهو قرار شديد القسوة لكنه كافٍ لإبلاغ مصر كلها بالخطوط الحمراء. تستطيع الصحف والتليفزيونات والجماهير والسينما وكل من شاء التفكه بمرشد الإخوان ونوابه وقادة الجماعة ومؤسسها لكن غير مسموح بالمساس بهذا وذاك ومن هم في طبقته. واضح تماماً.
***
كل هذا يحدث في مصر والحكومة تتغافل عن مكونات المجتمع المصري وطبقته الوسطى المؤثرة والمؤسسة على مخاصمة الإخوان المسلمين وجماعتهم التي كانت محظورة وممنوعة من العمل السياسي طول ما يقارب القرن.
الآن انتهت دولة الإخوان المسلمين وأكبر خطأ ستقع فيه الحكومة هو أن تستمر في صلاتها مع الجماعة وتصدر مثل تلك البيانات التي تمسك بالعصا من المنتصف (راجع بيان وزارة الخارجية عن إقالة مرسي) . على الحكومة أن تقف فوراً مع التغيير وأن تعيد صياغة استراتيجية جديدة تضمن مصالح الشعب السوداني في مصر وتقي بها نفسها من مخاصمة الدولة العميقة في مصر. للحكومة أوراق كثيرة يمكن أن تلعبها في مصر ودونكم ورقة الحزب الاتحادي الديمقراطي شريكها في الحكم والوثيق الصلة بمكونات المجتمع المصري المختلفة ونعتقد أن استقطابه في هذا الملف من أجل المصلحة الوطنية أمر محمود ومحترم.
على الحكومة أن تقف وبحزم ضد التدخل في شؤون مصر الداخلية مثل بيان الحركة الإسلامية الذي وصف إقالة مرسي بأنه انقلاب عسكري (عجيب أمر حركتنا تحكمنا نحن بانقلاب ثم تسمي غضبة الشعب على حلفائها في الخارج بالانقلاب!). مصر دولة كبيرة ومؤثرة وصدور مثل هذه البيانات من جارها الجنوبي سيشعر نخبتها بالطعن في الظهر والإهانة. على الحكومة أن تراعي هذه الحساسيات بحكم مسؤوليتها عن الشعب السوداني وليس حزب المؤتمر الوطني فقط. هناك مجموعة إسلامية مشوشة (سائحون) تستعد للتظاهر ضد إقالة مرسي في الخرطوم وهذا أمر غير مقبول فإن كانت الحكومة متأكدة أن التغيير في مصر شأن مصري فإن عليها أن تلزم مواطنيها بذلك وإلا فإن عليها أن تسمح لهم بالتظاهر ضد (السعودية) مثلاً، أو ضدها هي نفسها كحكومة لا شك في دكتاتوريتها!
سيتحرك الإخوان المسلمون في مصر شرقاً وغرباً ثم حين تأتي الساعة المناسبة قد تضطر الحكومة لإعلان حالة الطوارئ وضبط الأمور، وحينها قد تقرر الدولة العميقة في مصر (تدفيع الثمن) لخصومها في حكومة الإنقاذ فنضطر نحن (الشعب) لدفع الفاتورة الباهظة!
شكراً للمحلل السياسي التركي مراد يتكين الذي تنبأ في صحيفة حريات التركية (10 ديسمبر 2012) بسقوط مرسي مشيراً إلى أن علاقته بالسلطة تتفق مع أغنية الحب التركية (متأخراً جداً حصلتم عليها، مبكراً جداً تفقدونها)، والعاقبة عندكم في المسرات.
www.dabaiwa.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.