* ولاية غرب دارفور، كانت منسية، فصارت سيدة الولايات في أخبار صحف هذا الأسبوع. وكالعهد بها، وبغيرها، أخبارها المزعجة تعكس حال الأهل هناك. على سبيل المثال، كما جاء ب(الخرطوم)، لم تبتكر عبقرية حكومة غرب دارفور من الموارد غير فرض الرسوم على كل أنواع السلع، وكذلك غير السلع، الإطارات المستعملة، سروج الحمير، سروج الجمال، الملابس المستعملة، المطار وأشياء أخرى يستخدمها الفقراء والمساكين ليبقوا على قيد الحياة، تم فرض الرسوم عليها بأمر اللواء أحمد خميس، والي غرب دارفور.. سبحان الله، لك أن تتخيل رسوماً على ملابس مستعملة يلجأ إليها يتامى الحرب وأراملها - ليستروا أجسادهم - بعد أن عزّ عليهم شراء الملابس الجديدة، وكأن واليهم يريد منهم أن يعيشوا (عراة)! * وهناك عقوبات رادعة بأمر الوالي حسب المرسوم: غرامة مقدارها خمسمائة جنيه أو السجن لفترته ثلاثة أشهر، لمن لا يدفع رسوماً على الملابس القديمة وتلك الأشياء. وبالتأكيد فإن السجن خيار مرتقب للسواد الأعظم من الذين يستهدفهم مرسوم الوالي، فالذي يملك قيمة الغرامة لا يقصد سوق الملابس القديمة ليستر (حالو). وبالمناسبة، والي غرب دارفور من ثوار حزب التحرير والعدالة الذين جاءت بهم اتفاقية الدوحة للسلام، وها هو ينجح في توزيع رسومه وفرضها بعدالة لا تستثني حتى الفقراء والمساكين واليتامي والأرامل، وقد ينجح الوالي الثوري كذلك في تحرير بؤساء الحرب والنزوح من ملابسهم القديمة، وتجريدهم منها حين يعجزون عن دفع رسومها، أو ربما هذا هو المعنيُّ من (التحرير والعدالة)! * ليست الملابس المستعملة وتلك الأشياء فقط، بل حتى (الطلح)، المستخدم في طرد الناموس وجذب الرجال، لم يسلم من رسوم والي غرب دارفور. لقد انتقى بدقة كل احتياجات العامة، بما فيها الطلح، وفرض عليها الرسوم بمرسوم أسماه بالمؤقت، (مؤقت) ربما لحين استخراج واستغلال بترول الشمال أو لجلب قرض قطري. وبالمناسبة، كما تم فرض الرسوم على الطلح، نقترح لعبقرية حكومة غرب دارفور فرض ضريبة إنتاج على العرسان والعرائس يوم زفافهم، وهكذا تحقق الولاية الربط المقدر من ميزانية مرتبات ونثريات وحوافز سادة الحكومة وأحزابها وحركاتها. نعم، لا ترهقوا عقولكم بالتفكير والتخطيط في كيفية بذل الجهد في الزرع والضرع والتصنيع، بحيث يكون مورداً لخزانة الحكومة، بل يجب سد كل منافذ الحياة وأنفاس الناس بالرسوم، بحيث لا يرتدي المرء من الملابس حتى القديمة إلا بعد دفع (رسوم القمامة)، وكذلك لا يهنأ في غرفة نومه إلا بعد سداد (رسوم الطلح)! * والمهم.. والمحزن للغاية، أن إحدى محليات تلك الولاية تكاد تكون موبوءة بداء (الجرب).. نعم الجرب في الألفية الثالثة، ولا تندهش.. فالبلاد لم تفارق ما تسميه منظمة الصحة العالمية أمراض الفقراء، وهي التي من شاكلة الجرب والملاريا والسل والكوليرا وغيرها. واليوم بمحلية الكرينك، بغرب دارفور التي واليها يفرض رسومه على ملابس الفقراء واحتياجاتهم، أكثر من (ثلاثة آلاف حالة جرب)، وتم إغلاق المدارس؛ والجرب من الأمراض المعدية، ولذلك حين تظهر حالة على أحد أفراد الأسرة يجب تطعيم كل أفراد الأسرة بذات الدواء، وهذا ما لم يحدث بمحلية الكرينك إلى يومنا هذا، على الرغم من ظهور الداء في تلك الآلاف مطلع الأسبوع الفائت. تطعيم الأهل ضد الجرب لا يشغل بال الوالي، ولا يؤرق أذهان أعضاء حكومته، فالمهم عندهم هو فرض الرسوم على المصابين بالجرب، ثم تحصيلها ولو بالسجن والغرامة. لهم الله، ثم الصبر على (الرسوم والجرب)!.