-1- سألني الزميل محمد طه بموقع الجزيرة نت، عن حقيقة ما حدث في الخرطوم، وبعض المدن السودانية خلال الأيام الماضية، هل هي ثورة أم أعمال تخريبية غير منظمة أم ماذا؟ قلت لطه: البداية كانت احتجاجات اقتصادية، وتخللتها أعمال تخريبية، ثم من بعد ذلك جاء السياسيون بأجندتهم. وأضفت له أن الحكومة استطاعت أن تحتوي الاحتجاجات أمنياً ولكن بتكلفة سياسية باهظة. -2- في الحوار الذي أجراه الباشمهندس أبوبكر محمد يوسف (أحد شباب الإسلاميين)، مع الدكتور حسن عبد الله الترابي، وشرعت السوداني في نشر الجزء الأول منه اليوم في الصفحات الداخلية، قال الرجل وبوضوح: (السودان ليس كمصر؛ فإذا ما قامت ثورة، فستقوم في كل بقاعه؛ والثورة القادمة ليست كأكتوبر، فثورة أكتوبر كانت خرطومية فقط، وهنالك سلاح بالأطراف، وستكون هنالك دماء وسنكون كالصومال بل أسوأ، لأن الصومال صغير ومربوط مع بعضه، لذا أنا أنصحهم للتحول بالحسنى حتى يحفظوا السودان ودماء أهله). والسيد الصادق المهدي أقرب لهذا الفهم، وإن وجد هجوماً وتقريعاً من قبل مجموعات متعصبة، تتحرك بوجع اللحظة وغبينة الراهن، دون أن تضع حساباً لمآلات المستقبل. -3- الفهم الوطني المسؤول والواعي بتعقيدات الحالة السودانية، والداعي لتحولات سلمية عميقة، لا يتماشى مع أصحاب الأجندة الحربية، لذا اختارت الحركة الشعبية قطاع الشمال في بيانها الأخير، توجيه مدفعيتها نحو أصحابه! البيان وفي فقرة من فقراته المطولة، وبنفس ياسر عرمان وبأسلوبه في الكتابة والتفكير جاء فيه الآتي: (على قوى الانتفاضة الحقيقية، التي شاركت في هبّة سبتمبر وما تزال، أن تراجع مواقفها من بعض الذين يرفعون رايات المعارضة نهاراً، وتجمعهم غرفة واحدة مع النظام ليلاً "..."، وعلينا تجاوز المترددين الذين أضحت مهمتهم معروفة في التخذيل والجعير بشعارات ظاهرها نعمة وباطنها عذاب)! الحركة الشعبية تريدها على الطريقة السورية؛ تريد احتجاجات ومظاهرات، ثم عملاً عسكرياً مفتوحاً على جبهات متعددة، ومن ثم إسقاط النظام! الغريب أن النموذج الذي ترغب في تطبيقه الحركة الشعبية، هو ذات النموذج الذي يمنع العقلاء في السودان من اختيار طريق التغيير المسلح! ما حدث في سوريا يوفر درساً بليغاً للجميع، بألا خيار سوى مسار التحولات السلمية، بعدت صنعاء أم قربت! تغيير النظام في سوريا عبر العمل العسكري، أدى لانهيار الدولة، وانقسام المجتمع على أساس طائفي، واقتتال المعارضين في ما بينهم؛ وبعد إزهاق الآف الأرواح، لم يكن من طريق سوى الوصول لاتفاق سياسي عبر محطة جنيف 2! -4- صحيح قد يكون البعض يتخذون من تلك النماذج السيئة فزاعة للتخويف من البديل، ولكن بكل تأكيد، إذا استمرت البلاد لفترة أطول في حالة الاحتقان السياسي والضائقة الاقتصادية والاستقطاب الإثني والاقتتال القبلي؛ فستأتي لحظة يأس يتساوى فيها البديل مع ما هو متاح. -5- على الحكومة التقاط قفاز المبادرة، واستباق تلك اللحظة العاتمة للخروج بتسوية تاريخية شاملة، تضع البلاد في الطريق الخالي من الألغام.