أخيرا توقف الكبير الذي وسع حب الناس جميعا، قلب اتسع طويلا ولكن أخيرا ضاقت به الحياة فأمتص الموت أنفاسها الأخيرة وغيبها جسدا لكن روحا ستبقى معنا وفينا إلى أن نلحق بها في الخالدين وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. لقد كان وقع النبأ في نفسي كوقع النصل الحاد يظل الجرح بعده أبيض ثم بليدا ولا ينزف إلا بعد حين.. فكلماتي عنك اليوم أخرجها من مكنون نفسي وأكتبها بمداد دمعي وأسقيها بفيض من دمي لتبقى عبر الأجيال لامرأة استثنائية عظيمة ونبيلة ارتحلت من دار العناء والفناء لدار الخلود والبقاء وصدق المتنبئ حين قال ولو كل النساء كما فقدنا** لفضلت النساء على الرجال وما التأنيث لاسم الشمس عيب** ولا التذكير فخر للهلال ومن قال كنت السواد لمقلتي** يبكى عليها الناظر ما شاء بعدك فليمت** فعليك كنت احاذر إن حزن العالم كله لا يكفيني حين أذكر ملاعب الطفولة ومراتع الشباب الباكر فالشباب ومن بعد مسيرة الحياة الطويلة فيلدغ ذلك قلبي من غير عمد لأنك كنت لنا وفينا نجما ثاقبا وقبسا مضيئا.. وها أنت قد مضيت لم تتركي من عرض الدنيا الزائل سوى السيرة الحسنة والكلمة الطيبة التي هي أطول من العمر بل تركت وخلفت لنا الثروة الحقيقية التي لنا أن نعتز بها وهي الذكريات والذكر الحميد والذرية الصالحة وما انسدت الدنيا علي لضيقها* ولكن طرفا لا أراك به أعمى كنت.. هذه الأخت الحبيبة والأم الحنينة الرؤوم مع الكبير كبيرة ومع الصغير عطفا وتحنانا، ولو كان الصدق والوفاء وحسن التدبير والتقدير وحلو المعشر وسرعة البديهة وكريم المحتد يمنع الموت ما ماتت "خديجة" لكنها سنة الحياة ماضية فينا لقوله تعالى " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)" سورة الزمر.. لقد كنت فينا وبيننا قبسا من نور يبدد ظلمات النفس بإشراقات الخواطر وسمو النفحات التي تملأ الجوانح بروعة الإنسان وروح اليقين، وصدق من قال تعاودني ذكراك كل عشية** يؤرق فكري حين فيك أفكر وتأبى جراحي أن تضم شفاها* كأن جراح الحب لا تتخثر كنت صاحبة المواهب التي لا تدانى والنفس السمحة والرحاب العامرة التي لها يد على كل كبير وصغير. عزاؤنا فيها مآثرك ومكارمك وخصالك المجيدة- نكبرك سنا وتعليما وتجارب ولكن تسبقينا تقديرا وتدبيرا وحكمة وعندما تدلهم الخطوب وتختلط الأمور نلجأ إليك فنجد الحكمة والحل لكل أمر عصي.. فقد كنت واحتنا الظليلة من رمضاء إيقاع العصر اللاهث لقوله تعالى " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا .. (269) " سورة البقرة كان طبعك إيواء ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وإطعام الجائع لا تردين من يسألك خائبا تعطي يمينك ما لا تعلم شمالك وأضعف الإيمان بسمة وروح من الدعابة البريئة.. من لنا بعدك ينصح ويرشد يعطي ويمنح يألف ويؤلف؟ ومآثرك المجيدة الحديث عنها يطول ويكثر وستبقى ذكرياتك الغالية معي إلى الأبد تزكى نار أحزاني وصدق من قال نصيبك في حبيبك من حياة* نصيبك في منامك من خيال اللهم يا أكرم من سئل ويا أوسع من جاد بالعطايا تقبل إلى جوارك الكريم أمتك "خديجة" واجعل لها من رحمتك وجنتك حظا ونصيبا ولا نقول إلا ما يرضي الله ولا حول ولا قوة إلا بالله (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) أخوك أبو القاسم الأمين كشة