بدا مختلفاً وهادئاً ومنفتحاً أكثر في الحديث، وهو الذي تحلل من عبء منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية قبل أيام، ليأتي بصفته الجديدة، وهي عضو المكتب القيادي للمؤتمر الوطني. علي عثمان محمد طه في أول ظهور له بالأمس، في لقاء بالتلفزيون القومي، تحدث ليزيل كافة الأسئلة التي ظلت عالقة في الأذهان، عقب التغيير الذي أحدث ربكة في المشهد السياسي، بجانب قوله إنه ما يزال فاعلاً في المشهد السياسي. رسالة سياسية ابتدر القيادي بالمؤتمر الوطني، النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق علي عثمان حديثه مساء أمس لتلفزيون السودان، بمرافعة قوية عن التشكيلة الوزارية الأخيرة، وتخليه طوعاً عن منصبه، وأشار إلى أن جوانب شخصية وموضوعية استدعت التغيير، مبيناً رغبته في إفساح المجال، بالإضافة إلى عوامل موضوعية، وقد أشار إلى أن كل أعضاء حزبه اشتركوا في تقديم الأسماء وترشيحها، والمكتب القيادي هو الذي اتخذ القرار بشكل جماعي، مشيراً إلى أن فترة ما بعد الانفصال استدعت طرح رؤى جديدة، لا سيما بعد أن قضى الوطني أكثر من عقديْن بالسلطة، وكذلك أشار إلى نقاط الضعف والقوة التي صاحبت مسيرته ومآلات الأوضاع بالسودان، منوهاً إلى فكرة "الجمهورية الثانية"، بجانب الدعوات التي برزت في خضم المؤتمر التنشيطي العام 2011م، لمواجهة السياسات والأفكار وإعادة النظر في المؤسسات القائمة لتجويد الأداء في الدولة، وإعادة الاستقرار للمسرح السياسي لما يتطلبه من تفاعل إيجابي من القوى السياسية ومكونات المجتمع المدني، لا سيما أن عدم الاتفاق على الديمقراطية والكفاءات سيقود إلى مصير مظلم. ومضى طه مشيراً إلى أن التغيير الذي حدث يعد رسالة أكبر لكل القوى في الساحة السياسية، وليس الوطني وحده، لفتح مستقبل السودان بجرأة ووضوح. رأس الجليد "ليس هناك إبعاد أو ابتعاد، وإنما توافق وتراضٍ لتكون النصوص أكثر حيوية"؛ بهذه العبارة رد طه على ما يدور من لغط بشأن صراع داخل حزبه قاد إلى إبعاده أو ابتعاده، حيث قدم دفاعه عن فترات توليه منصب الأمين العام للحركة الإسلامية، مشيراً إلى أن اختياره وقتها أميناً عاماً لها عام 2004م، وما ترتب على ذلك من قراءة التعاقب الطوعي والسلس، وفقاً لما ورد في تلك الفعالية -حسب حديثه. ودافع طه عن تخليه عن المناصب، وأشار إلى ضرورة إفساح المجال للشباب، لا سيما أن الشباب يمثلون أكثر من 40%، وفي ذات السياق نفى طه إعداد الزبير أحمد الحسن ليكون خليفة له، مشيراً إلى أن اختيار الأخير نابع من المؤتمر العام والشورى بموجب الدستور، موضحاً توصيته لعضوية حركته وقتها بعدم إعداد قوائم مسبقة، وترك الأمر للتنافس الطبيعي والموضوعي لحسمه عبر الشورى بمن يرونه مناسباً، وأضاف: "لم يكن لديّ مرشح أحمّله مسؤولية، ولا أريد أن أحمل مسؤولية من يأتي بعدي"، وقال إن الزبير أحد الرموز الإسلامية وعمل في الحركة الإسلامية والوطني، وتولى مهمات تنفيذية في أوقات الشدة والرخاء، وأرجع طه تباين التفسيرات والتأويل بشأن التغيير الأخير إلى ضخامة الحدث، مبيناً أن الأمر طبيعي وموضوعي، وأن حزبه أقدم على ذلك برسالة ورؤية، وقد يحالفه التوفيق أو يجانبه؛ إلا أن الحقيقة تبقى في دائرة الفعل؛ ومضى مؤكداً أن التغيير الذي حدث ليس مجرد تغيير في الأشخاص والقيادات، وأن ما جرى ما هو إلا رأس الجليد لتغيير أكبر قادم سيطال القيادات والسياسات في المركز والولايات وله توقيته، مستبعداً تأثر حزبه بما حدث، وأكد قائلاً: "السقف محفوظ والبيت معمور وسيشمل التغيير مراجعة شاملة للسياسات الخاصة بالحزب ودوره في الدولة"، قاطعاً بوضوح آثار ما حدث في حزبه والدولة والتوجهات التي تشكل رؤى حزبه للدورة الانتخابية الجديدة في قضايا السلام وجمع الصف الوطني والحكم الرشيد والاقتصاد، والعديد من القضايا التي يجري فيها الحوار. في خضم حديثه عن التغيير الذي حدث بحزبه كشف طه عن ما أسماه "بلجنة حزبية عكفت على صياغة رؤية للإصلاح الشامل"، لافتاً إلى أن ذلك بدأ منذ عام 2011م في المؤتمر التنشيطي، وتبلورت مواقف من مذكرات ومواقف الرأي العام بما فيها الاحتجاجات الأخيرة، وأعدت تلك الرؤية بعمق واشترك فيها العشرات من كوادر حزبه في مراكز البحوث والدراسات، وأقر طه بالأخطاء والمراجعة الحزبية، وقال إن مؤسسات حزبه تجري مراجعات تهدف إلى التداول والتعاقب وتدريب الكوادر وتوسيع القاعدة الحزبية لقومية حزبه، مشيراً إلى أن حركة البناء في حزبه ستكون حركة بنيوية لتصعيد قيادات الحزب من خلال حوار عميق، وأن الورقة الإصلاحية ستشكل المادة الموضوعية حتى لا يكون البناء شكلياً. رفع الحرج نفى طه وجود خلاف بينه ورئيس الجمهورية أو القيادي بالحزب ومساعد الرئيس السابق نافع علي نافع، لافتاً إلى أنه طوال فترة عمله ظل الاحترام والتقدير والمسؤولية هي سمات العمل بينهما، لكنه أشار إلى ما أسماه اختلافاً في الأسلوب والتعبير السياسي والتركيز على القضايا، بيد أنه عاد وقال: "ليس هناك اختلاف كلي ونعبر عن برامج تضعها المؤسسات"، مشيراً إلى أن الحكم والفيصل في كل الأحوال هو الشورى والمؤسسية، وألمح طه إلى اتجاه قوى داخل حزبه للانفتاح والانفراج باتجاه الآخر بشكل أكبر، ووصف الرئيس برأس الرمح في التغيير. وأكد طه أنه أراد رفع الحرج عن نفسه وزملائه ورئيس الجمهورية؛ وفي متن حديثه قدم طه التقدير للمواطنين من أفراد ومؤسسات رسمية وشعبية، وأضاف: "نبدي تقديرنا تجاه عتاب أو لوم"، وسخر من ما يتدول من حدوث انقلاب أبيض داخل القصر، ودافع عن وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين، مشيراً إلى أن ما يجري بالبلاد يتطلب استمرار عمله لترتيبات تأمين المواطنين من أي نشاط تقوم به المجموعات المتمردة وقال إن عبد الرحيم قدم للقوات المسلحة ما يسجله له التاريخ من بناء قوات مسلحة قادرة على حماية الوطن، واستطرد قائلاً: "بقاؤه على القيادة أمر منطقي ومقبول"، وأفصح طه عن اشتراكه في اختيار ترشيح النائب الأول لرئيس الجمهورية بكري حسن صالح مبيناً اطمئنانه له. لم يفتح الملف لكن بحزم قطع طه بأن أمر الترشح لرئاسة الجمهورية لم يفتح ملفه، ولم يدخل في الاعتبارات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مؤكداً على فتح الملف في توقيته المناسب، وأن ذات الحدث مرتبط بعوامل متعلقة بالوطن والاستقرار السياسي ويرجأ لوقته المناسب، وقال إن الترتيب وما تلاه ليست فيه خلفية صراع سياسي، وإنما أتى في إطار ترتيب البيت الداخلي، بجانب إجراءات لتسهيل حصول المواطن على الخدمة المدنية بما يجود الأداء، ودعا طه القوى السياسية للحوار وتحقيق السلام، موجهاً دعوة خاصة لحملة السلاح في جنوب كردفان والنيل الأزرق، مجدِّداً عزمه على دفع التوافق الوطني.