نادرا ما اشاهد تلفزيون السودان، ليس تقليلا من شأنه وإن كان هو فعلا غير (مواكب) وبرامجه لا تشجع على متابعته في ظل تنافس غير مسبوق بين القنوات الفضائية العربية والعالمية التي صارت ميسرة وفي متناول (الريموت) الذي بضغطة واحدة عليه تقوم بجولة تطوف فيها العالم. لست هنا بصدد التحدث عن (ضعف) فضائيتنا التي يعرفها الجميع فالنهوض بها قطعا يحتاج إلى عمل كبير و إعادة هيكلة كاملة للهيئة وحل مشاكل العاملين التي تطفو بين الفينة والاخرى فهم العمود الفقري للعمل. وقطعا دون حلحلة مشاكلهم لن يرتقي العمل بالفضائية التي يصرف عليها الكثير لكن تبقى المشاهدة (قليلة) تستحق التوقف عندها لمعرفة الاسباب الحقيقية في ذلك . الجمعة الماضية وانا أشاهد التلفاز وجدت المحطة موجهة على تلفزيون السودان الذي كان يبث برنامج (صحتك) الذي يقدمه وزير الصحة د. مأمون حميدة. البرنامج حقيقة من البرامج الهادفة والأكثر مشاهدة فهو يملك المشاهدين ثقافة صحية عالية اضافة إلى الاستشارات التي تحظى بمقابلة (مجانية) من الاطباء المستضافين، فالكثير من المرضى من أسر فقيرة ورقيقة الحالة ، الحلقة التي تابعت جزءا منها كانت مخصصة للامراض النفسية التي اصبحت شائعة بصورة كبيرة في المجتمع السودانى، وقد ذكرت د. إيمان استشاري الطب النفسي بإنجلترا إن من بين كل (4) أشخاص هنالك شخص مصاب بمرض نفسى لكن يختلف التعامل مع المريض النفسي بين المجتمع الغربي ومجتمعنا الشرقي الذي يتخوف من الذهاب إلى الطبيب النفسي بل حتى المجتمع الغربي يتخوف من (الوصمة) وان كانت بنسبة قليلة كما اوضحت د. إيمان . لكن المتابع لما يحدث في مجتمعاتنا فالذهاب إلى الطبيب النفسي هو اتهام صريح (بالجنون) لذلك تتحاشى الاسر الذهاب بأبنائها إلى الطبيب النفسي فمثلا اذا كان المصاب فتاة فهو قطعا سيكون سببا في عدم زواجها وان كان شابا فهو و(صمة) لا تقل عن الفتاة وحتى تتحاشى الاسرة الذهاب إلى الطبيب النفسي تتجه إلى البحث عن العلاج لدى الشيوخ الذين يغلب الدجل والشعوذة عليهم وهنالك يتعرض المريض إلى أبشع انواع التعذيب عبر (ربطه) و(ضربه) من قبل هؤلاء الدجالين لمعالجته واخراج الجان منه كما يقولون. اما الذين يمارسون الرقية الشرعية بالقرآن الكريم فيمكن أن يساهموا في العلاج، فالقرآن شفاء كما قال الله تعالى (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)) سورة الاسراء، لكن للاسف هؤلاء قليلون مقارنة بالاغلبية الذين يدعون المعالجة بالقرآن الكريم.. الحلقة كذلك استعرضت بعض الحالات النفسية لأشخاص ضلوا طريقهم وصاروا (مرضى نفسيين) عبر (الادمان) فانتشرت المخدرات واصبحت الادوية المخدرة في متناول الجميع. احدى الحالات التي تم اجراء مقابلة معها لشاب لم يتعد السابعة عشرة من عمره قال انه يتعاطى اكثر من (5) انواع من المخدرات منها (البنقو) و(دواء القحة) حتى اصيب بتشنجات ونقل للمستشفى واصبح لا ينام الا بعد شرب (فتيل) كامل من الدواء مما سبب له مشاكل في الكلى. اذا كثير من المرضى النفسيين في السودان هم ضحايا (المخدرات) التي وجدت طريقها للشباب والاخطر أن هذه المخدرات قد تدفع بمتعاطيها احيانا إلى الانتحار او الاصابة بالاذى الجسيم لهم او لاسرهم وهذا ما نطالعه عبر صفحات الجريمة كل يوم . التخلص من الوصمة لن يتم بين ليلة وضحاها ولكن بالعمل التراكمي حتى نستطيع أن نكسر هذا الحاجز ويصبح الذهاب إلى الطبيب النفسي امرا عاديا كالذهاب إلى طبيب الاسنان وغيره. وكما يقول الاطباء إن العلاج هو سهل جدا لكن المشكلة تبقى في تأخير العلاج وعدم الذهاب المبكر إلى الطبيب يزيد من تأخير تشخيص المرض وعلاجه الذي بالتالى ضحيته شخص عزيز كان يمكن أن يتعالج ببساطة ليمارس حياته ويؤدي دوره في المجتمع .