500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    حمّور زيادة يكتب: من الخرطوم إلى لاهاي    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. الطيب مختار .............محاولة اغتيال فاشلة
نشر في السوداني يوم 07 - 01 - 2014


بسم الله الرحمن الرحيم
د. الطيب مختار .............محاولة اغتيال فاشلة
*عبد الدائم زمراوي - المحامي
لا بد ليّ في باديء الأمر من أن أقدم الإجلال والتقدير للقضاء السوداني العظيم، ذلك القضاء الذي ظل يشرف الأمة بنهوضه بواجب الفصل العادل في الخصومات، ولا عجب في ذلك فسجل القضاء السوداني على مدار تاريخنا منذ الاستقلال يشهد له بذلك، رغم علمي أن هنات وهنات قد أصابته هنا وهناك وكفاءات يُشهد لها قد أُبعدت منه في خضم الصراع السياسي الذي شهدته البلاد منذ الاستقلال. ولكن كلنا أمل في أن نُعين القضاء بإبعاده عن دائرة الاستقطاب والصراع السياسي وأن تعض على استقلاله بالنواجز حتى يكون بحق – كما هو عهدنا به – ظهيراً للمظلومين ومعيناً على وضع لبنات الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد. ولعلنا نذكر مقولة القائد الغربي الذي اشتكى له الجميع من حال البلاد بعد حرب ضروس خاضتها، فرد عليهم كيف حال القضاء؟ قالوا بخير، فقال قولته التي صارت مثلاً: "إذن بريطانيا بخير".
وأعود لقضية عنوان مقالنا فدكتور الطيب مختار هو أمين ديوان الأوقاف السابق الذي شطبت محكمة الخرطوم الدعوى الجنائية في مواجهته مؤخراً وعللت ذلك "بعدم توفر البينة المبدئية" وهو قول لو تعلمون عظيم. شطب الدعوى الجنائية لعدم توفر البينة المبدئية من قبل النيابة العامة أمر معلوم وطبيعي، لكن شطبها لذات السبب من قِبل المحكمة يثير كثيراً من التساؤلات.
لست هنا في مقام تقييم وتقويم عمل النيابة العامة فذاك أمر سأكتب عنه لاحقاً بإسهاب وسأكشف كثيراً مما ظل خافياً ومسكوتاً عنه فيما يتعلق بوضعية النيابة العامة في ظل القوانين السارية وكيف كان دورنا بحكم مسؤوليتنا السابقة. لكن حتى لا أغمط نيابة مكافحة الثراء الحرام حقها فقد علمت أن ثلاثة من وكلاء النيابة قد أخذوا ذات الموقف الذي ذهبت إليه المحكمة لاحقاً فأوصوا بشطب الإجراءات الجنائية لكن الجهة الأعلى كان لها رأى آخر. لا أود أن أُدخل القاريء الكريم في متاهات ما هو متداول حول هذا الأمر.
وأحسب أن أحداً ما قد ينبري بسؤال مقبول وهو ما علاقتك بدكتور الطيب وبالموضوع حتى تُجهد نفسك في الكتابة عنه؟
أما د. الطيب مختار فلا تربطني به علاقة منطقة ولا صلة رحم قريب أو بعيد – وإن كنت سأعتز بذلك لو كان موجوداً - . د. الطيب من ولاية النيل الأبيض وأنا من أقصى الشمال، لم تجمعنا مدرسة ابتدائية ولا مرحلة جامعية ولا أقبية تنظيم سياسي.
ولست – والحمد لله والمنة له – ممن يُقيَّمون الناس ويقدرونهم عطفاً على أحسابهم أو أصولهم العرقيه، ولست ممن يأبه بذلك كثيراً فقد أبدلنا الله عز وجل كمسلمين بمزية التقوى التي هي أساس الكرم والتفاضل.
أما اهتمامي بهذا الأمر فنابع من كره عميق ومتأصل في نفسي – ولله الحمد – للظلم وأهله، وثانيه من إلمام وثيق وقريب بما قام به د. الطيب إبان عمله كأمين لديوان الأوقاف. فلن أشهد إلاَّ بما علمت إمتثالاً لقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلاَّ فلا" أو كما قال.
أما علاقتي بالأوقاف فقد بدأت بصورة لصيقة منذ انتدابي من القضاء وكيلاً لوزارة العدل وذلك في فبراير 2002م واستمرت حتى استقالتي في مطلع عام 2011م. ومرد ذلك أن مباني الأوقاف تُعد مباني عامة وذلك لأغراض قانون إخلاء المباني العامة. فقد منح ذلك القانون وزير العدل سلطة إخلاء المبنى العام متى اقتنع بعدالة سبب الإخلاء، وقد فوض الوزير وكيل الوزارة للقيام بذلك.
لهذا السبب ولغيره كما سيرد لاحقاً ارتبطت بالأوقاف والقضايا المتعلقة بمباني وأراضي الوقف. ومن خلال تلك العلاقة وقفت على كثيرٍ من مشاكل الأوقاف وفسادها وسوء إدارتها واستغلال عقاراتها من قبل بعض المستأجرين بما دون أجرة المثل بكثير.
ولكي لا ألقي القول جزافاً سأعطي مثالاً واحد يفي بالغرض: عندما كان د. مصطفى إدريس – ذلك الرجل القامه – عميداً لكلية الطب بجامعة الخرطوم هاتفني بشأن وقف البغدادي، وهو وقف وقفه صاحبه – جزاه الله خيراً وأحسن إليه – للإنفاق منه على طلبة الطب الفقراء – ويبدو أن د. مصطفى إدريس وجد عائد ذلك الوقف ضعيفاً ولا يليق به من حيث موقعه. قال لي د. مصطفى أما أن تعيننا على الحصول على الريع الحقيقي لهذا الوقف وإلاَّ نكن خصماءك يوم القيامه، طبعاً أنا أعرف د. مصطفى منذ أن كنا طلاباً بجامعة الخرطوم وأعلم صدقه وإخلاصه – ولا أزكيه على الله – قلت له الدفاع عن الوقف واجب شرعي ملقي على عاتقي ولن يُؤتي الوقف – إن شاء الله – من قِبل وزارة العدل.
إستدعيت المستأجرين وسألتهم عن قيمة إيجار ذلك الوقف فكان لا يتجاوز ستة آلاف جنيه في الشهر (6,000) طبعاً بالجنيه الجديد. ولكي يُعلل أحدهم سبب قلة ذلك الريع قال إنه ورث ايجار هذا العقار عن والده الذي ورثه عن أبيه.
على كلٍ قمت بتشكيل لجنة من ثلاثة أشخاص، ممثل للأوقاف وممثل للمستأجرين ورئيس عينته كطرف مستقل ومحايد. طلبت منهم أن يذهبوا للسوق ويعرفوا قيمة الأجرة أعلاها وأدناها في تلك المنطقة. وقد فعلت اللجنة، ثم جلسنا للوصول لأجرة المثل وبعد أخذ ورد اتفق الطرفان أن تكون الأجرة الشهرية حوالي (26,000) جنيه أي ما يقارب الخمسة أضعاف الأجرة السابقة، هذا مثال واحد ولدي منها كثير، أما أن يكون الوقف بيد الغير والأوقاف لا تعلم عنه شيئاً أو تعلم ولكنها عاجزة عن فعل شيء فذاك كثير.
هذا الوضع الذي علمته عن الأوقاف من الواقع العملي جعلني متحفزاً ومستعداً لتقديم كل عون يمَّكن الأوقاف من أخذ حقها. ولكن فعل المسؤولين عن الأوقاف كان ضعيفاً.
ثم أطل على مكتبي د. الطيب وكان قد سبقه صدور قانون الأوقاف الإسلامية القومية لسنة 2008م.
قانون ديوان الأوقاف القومية الإسلامية لسنة 2008م استند على دراستين سبق إعدادهما حول الوقف ومشاكله وكيفية ترقية ريعه ونشر ثقافة الوقف، اللجنة الأولى كانت في عام 2000م برئاسة قاضي والثانية في عام 2006م وكانت برئاسة وزير الحكم الاتحادي.
أهم ما يميز القانون أن جعل للديوان شخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة، وأنشأ مجلساً للأمناء جعله قيماً على مختلف شؤون الديوان فهو الذي يجيز خطط الديوان وميزانيته وهيكله وشروط خدمة العاملين فيه. ولم يمنح القانون وزير الأوقاف إلاَ سلطة الإشراف وإصدار التوجيهات ذات الصبغة العامة. سلطة الوزير سأعود لها لاحقاً لأنها من ضمن الصراعات التي حدثت وكان لها أثر مباشر فيما آل إليه الأمر في الديوان وما تبع ذلك من أحداث، طبعاً أقصد الوزير الذي تلى د. أزهري التجاني وصار فيما بعد وزيراً سابقاً.
أطل علينا بوزراة العدل د. الطيب مختار بعد تعيينه أميناً عاماً لديوان الأوقاف.
وقد كان من ضمن الهموم الرئيسية التي بثها ليَّ د. الطيب الأوقاف بيد الغير وأكد ليّ د. الطيب "أن الحكومة هي أكبر مستولٍ على عقارات واراضي الأوقاف"، وكشف عن عزمه إسترداد تلك الأوقاف وتخصيصها للغرض الذي حدده الواقف.
في اعتقادي أن ما جعل الحكومة تستولي على أراضي الوقف هو الفهم المغلوط لدى بعض المسؤولين من أن أراضي الوقف هي أراض حكومية وهذا مفهوم خاطيء تماماً، فالوقف مال عام لكنه ليس مالا حكوميا - بمعنى أنه ليس للحكومة الحق في تحديد كيفية استخدامه ولمن تعود منفعته - لأن ذلك حق للواقف حتى شاع في كتب الفقه عبارة "شرط الواقف كنص الشارع".
يبدو أن د. الطيب قد قرر أن يبدأ بمصارعة الأفيال، فاختار الهيئات الحكومية التي تضع يدها على أراض وقفية، وللمفارقة. فقد تبين أن الأرض التي عليها وزارة الإرشاد والأوقاف نفسها أرض وقفية، ويبدو ليّ حسبما علمت أن د. الطيب قد وجد سنداً قوياً من الأخ رئيس الجمهورية والنائب الأول وقتئذاك. بل نُقل عن رئيس الجمهورية تبرئة لذمته عن تعطيل الوقف أنه قال: "لو مكتبي في أرض وقفية شيلوه".
تم إخراج وزارة الإرشاد والأوقاف من الأراضي الوقفية وهى الأرض التي تلي مباني وزارة الشباب والرياضة من الناحية الشرقية على شارع النيل، وبذلك صارت مهيأة لاستثمارها.
الخطوة الثانية في مصارعة الأفيال كانت أرض قاعة الصداقة، هذه الأرض أرض وقفية حسبما تبين شهادة البحث الخاصة بها. تمّ الإستيلاء عليها وأنشأت القاعة منذ عام 1973م.
تبين للحكومة صعوبة نقل القاعة عن الأرض الوقفية، ومن الناحية الأخرى تدرع د. الطيب بالفقه الذي ينص على عدم جواز إستبدال أرض الوقف إلاّ بما هو أفضل منها، لكن يبدو أن الضرورة وفوات منفعة الوقف طيلة هذه الفترة قد دعت د. الطيب لقبول أرض مجاورة في ذات المنطقة.
لتفعيل قرار الرئيس بإعادة الأوقاف التي بيد الغير شكل وزير العدل آنذاك لجنة برئاسة شخصي الضعيف وآخرين.
بدأنا فيما يتعلق بقاعة الصداقة بتحديد قيمة متر الأرض وحددنا كذلك قيمة الأرض البدل وكانت جنوب قاعة الصداقة مباشرة. كانت مساحة الأرض الوقفية داخل قاعة الصداقة حوالي 41 ألف متر أما الأرض البدل وهي عبارة عن اثني عشر منزلاً حكومياً جنوب القاعة تبدأ من مقر المؤتمر الوطني ولاية الخرطوم غرباً حتى مبنى الاتحاد العام للطلاب شرقاً ومن ثم كل المنازل التي تليها حتى امتداد شارع الجمهورية جنوباً، وقد بلغت مساحة الأرض البدل 23 ألف متر، تابع د. الطيب إجراءات تسجيلها حتى عُدل السجل من المالك السابق "القصر" للأوقاف. إضافة لذلك فقد مُنحت الأوقاف 12 ألف متر في الناحية الجنوبية الغربية من قاعة الصداقة باعتبارها أرض فضاء ليس عليها أي مبنى. ثم قامت اللجنة بتحديد قيمة الأرض المتبقية والتي لم تُعط الأوقاف بديلاً لها واضفنا لذلك أجرة الأرض منذ الاستيلاء عليها في عام 1973م وقد بلغت قيمة تلك التعويضات ملايين الجنيهات.
لكن نشأت هنا مشكلة وهى أن قطعة الأرض الأخيرة المطلة على شارع الجمهورية كان قد استغلها العاملون بالقصر كدار لهم، ولذلك طلبوا أن تُستبدل واقترحوا كبدل لها قطعة أرض بالصحافة. لم ينل ذلك رضا د. الطيب فكتب خطاباً للمعنيين بأمر الدار سأنقل جزءاً يسيراً منه لكي نرى شخصية هذا الرجل جاء في خطابه: "قطعة الصحافة التي تقترحونها بدلاً عن هذه القطعة فيها غبن واضح على الوقف، فلا هي مثله ولا أفضل منه، وما لا نرضاه لأنفسنا يجب أن لا نرضاه في مال الله" وفي جزء آخر من الخطاب يقول للمعنيين بأمر دار العاملين في القصر الجمهوري ما يلي: "هب أن هذه القطعة في المقرن لأحدنا هل يقبل عوضاً عنها قطعة أرض في الصحافة" ثم شرع يقول: "هنالك اسباب شرعية وإجرائية وأخرى موضوعية "استثمارية" تدعو الأوقاف للتمسك بقطعة الأرض هذه" ثم راح يعدد في تلك الأسباب.
لم تكن أرض قاعة الصداقة هي القطعة الوحيدة التي اصطدم د. الطيب بالحائزين عليها أو المستفيدين منها - فيما يتعلق بالأوقاف بيد الغير- ، بل أثار أرض دار الهاتف التي أقامت عليها سوداتل رئاستها وهي أرض وقفية، لكن قامت الحكومة بتحويل قيمتها لأسهم في سوداتل، وهو أمر لم يجد القبول من د. الطيب فقاومه وخاطب بشأنه كثير من الجهات، وفي تلك الخطابات شرح فقهي للوقف وعدم جواز التصرف في عين الوقف والشروط المتعلقة بذلك مما لا يسع المجال لإيراده.
وتمَّ في ذات الإطار استرداد الأرض التي كانت تستغلها القنصلية السودانية بجدة وهي أرض وقفية بعد صراع طويل مع وزارة الخارجية. لم يقف صراع الأفيال حول هذه الأراضي التي أشرت إليها آنفاً لكنه تمدد ليشمل مواقع أخرى لا تقل أهمية من حيث الموقع والقيمة.
ويبدو أن كثيرين ممن لهم ارتباط بتلك المواقع أو مستفيدين لم تعجبهم مواقف د. الطيب وأثارت خطاباته ذات الأسلوب الواضح والجريء غضب آخرين ظنوها تطاولاً على مقاماتهم السامية.
شهدت كل ذلك من موقعي كرئيس للجنة معالجة الأراضي الوقفية بيد الغير، وأحسب أن ما استعادته اللجنة بناء على المبادرات والمساعي التي ابتدرها د. الطيب بصفته أميناً لديوان الأوقاف لم تحدث منذ أن عرف السودان الوقف وكل ذلك بتوفيق من الله عز وجل.
قضية أخرى اثارها د. الطيب هي مسألة استثمار الأراضي الوقفية، وقد كانت وزارة العدل طرفاً في موضوع استثمار أرض مجمع أبو جنزير من الناحية الجنوبية، كانت بالمجمع مجموعة ضخمة من الدكاكين الصغيرة، سعى د. الطيب لتشييد برج تجاري على تلك القطعة، وكانت عقبة التمويل هي المشكلة الاساسية، لكن فاجأني د. الطيب يوماً بأن قدم طلباً لإخلاء المستأجرين بحجة أنهم يودون إقامة برج عليها، قلت له لن نخلي المستأجرين إلا إذا تأكدنا من جدية الأمر. فعرض علينا الاتفاقية ثم أخطرنا بحضور وفدٍ من الجهة الممولة لاستلام الموقع، وأخيراً جاءنا بخطاب من سفارة السودان بماليزيا تخطرنا بضرورة التحرك لإخلاء المستأجرين لأن الممول يشتكي من طول الإجراءات وأن ذلك ربما يؤثر على حماسهم لتنفيذ ذلك المشروع. وفعلاً قامت وزارة العدل بإخلاء المستأجرين، لكن تزامن ذلك مع بدأ الصراع داخل الأوقاف بين الأمين العام والوزير مما أجهض تحويل ذلك الحلم إلى حقيقة. لم تقف جهود د. الطيب عند حد استثمار الأراضي الوقفية، وإنما شرع في ابتكار وسائل حديثة لنشر ثقافة الوقف، فأدخل ما عُرف بالوقف الجماهيري، وهو وقف يتم عن طريق الرسائل النصية حتى يتمكن كل فرد في المجتمع من أن يُوقف مهما كانت مقدرته المالية، ثم شرع في إنفاذ ما سماه وقف الملكية الفكرية وهي أن يُوقف الكتاب، من الدعاة والأدباء والمخترعين والمبتكرين عصارة أفكارهم لما يودون من أعمال الخير، ثم حدثني عن مشروعهم الذي سموه وقف المهنة والأعمال، والقصد من ذلك أن يُوقف أساتذة الجامعات والأطباء وغيرهم من المختصين جزءاً من أنشطتهم وأعمالهم لمن لا يستطيع توفير مقابلها سواء أكان ذلك علاجاً أم طعاماً أم خدمة. لكن كل تلك الأفكار البناءة ذهبت أدراج الرياح عقب ذلك الصراع.
ثم كانت قضية الأوقاف السودانية بالخارج وحقيقة لا أود أن أخوض فيها حتى لا أؤثر سلباً على أي جهود تجري لاستردادها، لكن الذي أعلمه أن د. الطيب كان له سهم وافر في هذا المجال.
وأختم شهادتي أخيراً بمسألة تعظيم العائد من الأوقاف المستأجرة وقد كان د. الطيب شديد العناية بهذا الملف وكان يشتكي لي دائماً من ضعف أجرة عقارات الأوقاف، وشرع في تلك الزيادات وواجهته عقبات من جهات حكومية ومن قبل المستأجرين، وقديماً قيل شر البلية ما يضحك، وقد اضحكني حقاً أن تتحد جهة حكومية مع مستأجرين ضد محاولات أمين الأوقاف السابق للحصول على أجرة المثل لعقارات الأوقاف.
الصراع الذي دار بين الأمين العام السابق لديوان الأوقاف ووزير الإرشاد السابق كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
أنا حقيقة لم اقف بنفسي على حيثيات هذا الصراع ولا الوقائع المتعلقة به، ولذلك لن أورد شيئاً لا أعلم تفاصيله وخفاياه وذلك اتساقاً مع الهدي النبوي الذي أوردته في مستهل هذا المقال. رغم ذلك فإن الصراع بصورة عامة كان حول صلاحيات الوزير تجاه ديوان الأوقاف. ورغم أن قانون ديوان الأوقاف لسنة 2008م قد حدد بصورة واضحة وقاطعة تلك الصلاحيات فلا أعلم لماذا انفجر هذا الصراع؟
ولكن كما قيل فالشيء بالشيء يذكر، فصراع الوزراء والوكلاء لم تخل منه فترة من الفترات، لكن الإنقاذ أدخلت فيه أدبيات جديدة ونصوصا دستورية زادت الأمر التباساً.
فمعلوم أن منصب الوزير منصب سياسي بامتياز في حين أن الوكيل شخص تنفيذي بامتياز.
جاءت المادة 73 (1) من الدستور الانتقالي لسنة 2005م والتي تقرأ: "الوزير القومي هو المسؤول الأول في وزارته وتعلو قراراته فيها على أي قرارات أخرى..."
ألقت هذه المادة مزيداً من البنزين على النار المشتعله أصلاً، فتدخل بعض الوزراء – أقول بعض حتى أكون منصفاً – في أدق تفاصيل عمل الوزارة حتى غابت الفواصل بين التنفيذي والسياسي.
ولمعايشتي بحكم موقعي السابق لكثير من خلافات الوزراء والوكلاء وما تلى ذلك من عزل للوكلاء حتى استقر في وجداني أن الإنقاذ قد اتخذت لها شعاراً جديداً إلاّ وهو "أنصر وزيرك ظالماً أو مظلوماً".
ولقد كان أمر هذه الخلافات مثاراً لحديث اجتماع بين وزير تنمية الموارد البشرية والوكلاء في العام 2010م، ولما مُنحت فرصة الحديث قلت للأخ الوزير إنني أرى إدخال الوزراء عند أول تعيينهم لكورس قصير يُمنحوا فيه قدراً معقولاً من المعلومات عن الدستور والسلطات الثلاث ودور كل سلطة وكذلك القوانين واللوائح المنظمة للعمل وبصورة أخص عمل الوزير المعني. أثار هذا المقترح حفيظة الوزير الذي كان يرأس الاجتماع فاستنشاط غضباً، قلت له بعد أن هدأ، أخي الوزير أنتم تأتون بالوزراء أما من القطاع الخاص لأنهم كانوا ناجحين هنالك أو من الغابة أو القتال المسلح، وهذه كلها تُدار بعقليات تختلف عن العقلية التي ينبغي أن تُدار بها الدولة وهذا هو جوهر اقتراحي. لقد وافق اقتراحي ذاك هوى الوكلاء فنال تثنية من تحدث بعدي.
يبدو أن الصراعات المتعددة التي دخل فيها د. الطيب كانت سبباً في إخراجه من ديوان الأوقاف. ويبدو أن من خاضوا ضده تلك الصراعات وكذلك من تضرروا من سياسته الجديدة في الأوقاف لم يغفروا ذلك لدكتور الطيب، فواتتهم مسألة العقد الذي وُقع بينه وبين الوزير أزهري التجاني لكي يشغل موقع الأمين العام وما فيه من واجبات ومهام ومخصصات، فحملوا "طارهم" كما يقول أهلنا وأحدثوا جلبة كتلك التي يحدثها الطبل الأجوف، ولكن كانت قناعتي منذ أن بدأ هذا الإفك أنه زبد سيذهب جفاءً وتبقى أعمال د. الطيب شاهدة على قيامه بواجبه وحبه للأوقاف ودفاعه المستميت عن مصالح الفقراء والمساكين الذين خصصت لهم ريع تلك الأوقاف.
ولكن يبقى من وراء ذلك كله العظات والعبر والدروس التي نستقيها من مثل هذه الأحداث، وأود أن أخص بالذكر ثلاثا منها:
* أولاً:- أداء الأجهزة المعنية بإجراءات ما قبل المحاكمة والوضع المؤسسي لتلك الأجهزة ومدى تأثيره على حيادها ومهنيتها، وكما أشرت آنفاً فسأخصص ملفات للتناول العلمي الموضوعي لهذا الأمر، خاصة وقد كان لي موقف منها منذ نهاية العام 2002م.
* ثانياً:- الوقف ودوره، خاصة إذا علمنا أن الأوقاف تحتل أفضل المواقع الاستثمارية في عاصة البلاد، لكن المؤكد أن الأوقاف لا تأتي بالعائد المرجو منها، إما لأنها مستأجرة بأقل من أجرة المثل أو لأنها لم تستثمر بالكيفية التي يتطلبها الموقع، أو لم يستثمر الموقع أصلاً فظل شاغراً.
* ثالثاً:- عجز الحكومة عن الصبر على من يجهر بالرأي الذي لا يعجب بعض المسؤولين فينقلب خلاف الرأي والسعي لتحقيق المصلحة العامة لإحن شخصية، تُسخر بعض الأجهزة للانتقام من أولئك المخالفين.
وختاماً أناشد أخي د. الطيب أن يوثق لتجربته في الأوقاف فأنا شديد الثقة أنها ستكون مفيدة لمن يتولون مقاليد الأوقاف مستقبلاً، ولمن يحبون أن يطلعوا على وضع الأوقاف ومن ثم المساعدة في تحقيق أقصى الفائدة المرجوة منها. وأختم بقول الحق عز وجل: " رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ."
قاضي محكمة الإستئناف الأسبق
ووكيل وزارة العدل السابق
/


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.