:: قبل عام تقريباً، تحدث النائب البرلماني، الفريق صلاح عبد الله، حديثاً اقتصادياً مهماً بالبرلمان، ولكن -للأسف- تم تحوير حديثه الاقتصادي إلى (حدث سياسي)، بحيث تم إدراج الحديث في دائرة صراع النفوذ ومراكز القوى بالحزب الحاكم، أو كما أراد تهريج بعض الصحف المدمنة للإثارة والضوضاء.. وبعلوِّ صوت التهريج السياسي، لم يجد حديث صلاح تحليلاً رصيناً، ولم يُناقش بموضوعية وكما يجب في (إطاره الاقتصادي). :: (سد مروي لم يحقق الفائدة المرجوة منه، ولم يساهم في زيادة الإنتاج الزراعي، ولم يقلل الصرف على القطاع الصناعي، وجهد سد مروي انصبّ فقط على توصيل الكهرباء للمواطنين، ولم يهتم بأولويات القطاعات الإنتاجية، ويجب ترتيب الأولويات)، هكذا كان حديث صلاح بالبرلمان، ثم ختمه بالسؤالِ المرِّ: (كم أنفقنا في سد مروي؟ وكم شغّلنا من الخريجين؟).. للأسف، لم تعترف السلطات -بما فيها السلطة الرابعة- بتلك الحقائق، ولم تجب على ذاك السؤال، بل تم اختزال كل هذا التنبيه في تناول إعلامي فطير من شاكلة (صلاح قال سد مروي ما منو فايدة).. الرجل لم يقل سد مروي بلا جدوى، بل قال: سد مروي لم يحقق جدواه..!! :: والأسبوع الفائت، كنت بالشمالية وغادرتها، وأنا أكثر قناعة بتلك (الإفادات).. نعم، لم يحقق سد مروي جدواه. بتاريخ 3 مارس 2009، تم افتتاح كهرباء سد مروي، ولا تزال الفيافي هناك هي الأكبر مساحة بجانبي النيل إلى (يومنا هذا).. فالأرض الصالحة للزراعة على مدِّ البصر، يشقها النيل وكذلك أعمدة الكهرباء، ومع ذلك هي محض (أرض جرداء).. وزرع الذين يزرعون كأنهم زرعوه (خلسة أو بحياء)، إذ هي حفنة أفدنة متناثرة وإنتاجها بالكاد يكفي قوت عام المزارع وأسرته، وقد لا يكفي.. ومحزن للغاية أن أسواق المدائن هناك تغطي عجز خضرها وفاكهتها من أسواق الخرطوم، بعد أن جفّت البساتين والحدائق التي كانت وافرة الثمار (قبل كهرباء السد)، وعندما تسألهم عن السبب لا تجد من الردود غير (الناس مشت الدهب)..!! :: وقفت على تجربة بعض أبناء الجزيرة هناك، إذ هم الأكثر انتشاراً والأوسع زرعاً بمناطق شمال وجنوب دنقلا.. إذ يأتي أحدهم ويستأجر الأرض، الفدان ب(1.5 مليون)، ويزرع البطاطس والطماطم وبعض المحاصيل النقدية.. تقاوي جوال البطاطس تنتج (25 جوالاً)، والفدان بحاجة إلى تقاوي مقدارها (16 جوالاً)، علما أن الكرتونة سعة (20 كيلو)، تباع ب(175 جنيهاً)، ولا يكون قد صرف من الكهرباء ما يتجاوز قيمته (500 جنيه). هكذا إنتاج وأرباح أبناء الجزيرة بالشمالية، بيد أن أبناء الشمالية بعضهم في (فيافي الدهب)، والبعض الآخر ينتظر (وظائف الحكومة)، والقليل منهم يزرع ولكن ليس لحد (الإنتاج والتسويق)، بل ما يكفي (قوت أسرته)..!! :: نسبة الفقر بالشمالية لم تراوح مكانها، وتقترب إلى (40%)، رغم الأرض والنيل و(كهرباء مروي).. ومن دنقلا إلى وادي حلفا، مساحة بلد، ولكنها خالية من محض مصنع يستوعب (100 شاب)، أو يساهم في استقرار (50 أسرة).. وأرض المحس بلا كهرباء وكأن المراد بحرمانهم من كهرباء سد مروي عقابهم على رفضهم (سد كجبار)، وما هكذا العلاقة بين (الراعي والرعية)، إلا في الدول التي مؤسساتها تدير حياة الناس بنظرية (الما معانا ضدنا).. المهم، الشمالية بها كل عوامل تحقيق الاكتفاء الذاتي لكل أهل السودان، (مياه، كهرباء، أرض، طرق، جسور، مطارات، إنسان)، ولكنها لا تزال -كما نهر النيل أيضاً- ولاية مستهلكة.. وصدقاً، سد مروي لم يحقق أحلام الناس والبلد، هذا ما لم يكن تم اختزال كل الأحلام في..(إنارة البيوت)..!!