هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته في حب مصر .. قررت لشيء في نفسي أن أقضي عطلة رأس السنة الميلادية خارج السودان ؛ وما شجعني على السفر كان أشواقا ً اعتملت في نفسي ؛ فكان أمامي خياران لا ثالث لهما .. إما أن أسافر إلى (بيروت) الساحرة التي كانت تتوسط القاهرة والخرطوم في المقولة التي كان يتداولها المثقفون في الصوالين الثقافية العربية والتي تقول (القاهرة تكتب .. وبيروت تطبع .. والخرطوم تقرأ) .. وبرغم تبدل الكثير من الأحوال واختفاء الكثير من الصوالين الثقافية ناهيك عن اختفاء العبارة ذاتها .. إلا أن رغبتي في السفر لبيروت لزيارة بعض مكتباتها وحضور عدد من الأمسيات الشعرية أو الليالي التراثية المبهرة والإستماع كفاحاً لعدد من المبدعين اللبنانيين مثل مارسيل خليفة الذي يجعل المستمع يغوص في كلمات أغانيه دون أن تطغى حالة (النشوة) التي يدخل فيها المستمع على الاستمتاع بجمال معاني النص .. وكادت أشعار مارسيل خليفة أن تحسم الأمر لصالح السفر لبيروت .. إلى أن تذكرت مصر بكل ما تحمل من معاني ودلالات .. تذكرت أجواء روحانيات (السيدة زينب) وتذكرت طعم القهوة في قاهرة المعز .. وأصوات الباعة المتجولين وهم يشكلون بصياحهم بعبارات دعائية تلقائية عروضاً فنية شبه كاملة .. وتذكرت الثورة المجيدة التي قاد زمام مبادرتها شباب مصر والتحام جماهير الشعب المصري معهم بعد ذلك ليشكلوا لوحة تاريخية فريدة تجعل الإنسان يتمنى لو أنه يجد نفسه في (المحروسة) في غمضة عين ليشاهد بنفسه كيف هي مصر بعد ثورة شعبها التي أبهرت العالم بحق ؛ ونجحت في استعادة كرامة المصريين وفتح بوابات من الأمل في غد مشرق بعد ليل دامس استمر طويلا ً حتى أشعل شباب مصر شعلة من الحرية أضاءت الطريق لشعب مصر وجددت الأمل في نفوس المصريين في أن تعود مصر لريادة المشهد العربي وتتبوأ مكانتها الطبيعية في أن تكون ملتقى توافقيا ً لأفكار العرب ورمزا ً للوسطية (السياسية) الحقة .. عندما بدأت في الاستعداد للسفر وجدت الكثير من الأصدقاء يحذرونني من الأمر ويصورونه كأنه مغامرة غير مأمونة العواقب .. حتى أن خيال أحدهم الخصب صور لي المشهد أنني ما إن أغادر بوابة المطار فليس من المستغرب أن أجد نفسي في مواجهة أحد البلطجية وهو يمد إحدى يديه لي (بمطواة!) ويبسط الأخرى في انتظار أن أعطيه ما معي من نقود !! وبرغم تعقيدات المشهد الأمني كما تعكسه وسائل الإعلام بعد (الثورة) توكلت على الله وكان أن وصلت لمصر وتجولت في حواريها وزرت بعض معالمها بسلام وأمان .. بل إن مشهدا ً شاهدته بأم عيني أكد لي أن مصر صارت أكثر البلاد أمنا على الإطلاق بأيدي بنيها وهو مشهد سيدة تعرضت لاختطاف حقيبتها ولم تمض بضعة ثوان حتى هب معظم من بالشارع لإغاثتها ونجحوا في ذلك في مشهد فريد ورمزي يصور كيف أن المصريين بدأو يثبتون أنهم صاروا يجسدون معنى الانتماء وإغاثة الملهوف والتكاتف ويؤكدون أن اختلافاتهم مهما كبرت فإنها إلى زوال ليقوموا ببناء مصر كما تخيلوها وهم يصنعون ثورتهم المجيدة في يناير وكلي ثقة أنهم سيفعلون ذلك كله في (حب مصر) ..