لا أحد ينكر الأزمة السودانية القائمة الآن والاحتقان السياسي الذي تشهده البلاد، والحل الأرحج والأكثر أمناً وضمانا هو الحوار السياسي. تقدم الحزب الحاكم "المؤتمر الوطني" بمبادرة للحوار السياسي في يناير الماضي هو إقرار ضمني منه بالأزمة السياسية التي تحتاج إلى تقديم رؤى جماعية. قدم دعوات للأحزاب ومنهم من لبى ومن رفض ووضع شروطاً للقبول. مرت حتى الآن أكثر من ثلاثة أشهر على الدعوة بينما يمضي الوقت ويقترب الموعد المضروب للانتخابات في العام 2015 دون حدوث أي اختراق في الملفات المهمة، من بينها الدستور الدائم. المحاور الأربعة التي طرحها المؤتمر الوطني للحوار لا يختلف عليها اثنان وقد أجهرت المعارضة بذلك، لكنها تهجست من مدى جدية المؤتمر الوطني الحاكم في عملية الحوار والقبول بالنتائج التي يفضي إليها. وضعت المعارضة الرافضة للحوار شروطها المتمثلة في وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المعتقلين وإشراك المعارضة المسلحة وإطلاق الحريات العامة لممارسة العمل السياسي الحر. وافق المؤتمر الوطني ضمنيا على كل الشروط أعلاه على لسان رئيس الحزب في لقاء المائدة المستديرة يوم الأحد الماضي، وبدأ في التنفيذ بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. الوضع الآن يترتب على مدى جدية الحزب الحاكم في تنفيذ كل القرارات التي أعلنها في المائدة المستديرة. لفت انتباهي أمران في مؤتمر المائدة، الأول هو العدد الخرافي للأحزاب السياسية وأغلبها سمعها الناس لأول مرة مثل حزب التواصل والأحزاب المتفرعة من الأحزاب الكبيرة "الأمة- الاتحادي"، والأمر الآخر والمهم هو إجماع غالبية المتحدثين على ضرورة إشراك الأحزاب المقاطعة والحركات المسلحة. الأيام المقبلة حبلى بالكثير من التطورات التي ستحدد ملامح الوضع السياسي بالبلاد خاصة استجابة الأحزاب المقاطعة والحركات وقبول الحزب الحاكم بالنتائج. الوقت الذي تبقى للانتخبات لا يسمح ب"الجرجرة" التي تحدث الآن. خاصة أن الرسمي والثابت حتى الآن هو قيام العملية الانتخابية في وقتها والراجح أن مخرجات الحوار ستقرر التأجيل. بمشاركة القوى السياسية جميعها في الحوار سيقدم السودانيون نموذجا جديداً للعالم في حل الأزمات في الدول النامية وليس بعيداً على السودانيين. والانتفاضات التي احتفت بها تونس وليبيا ومصر واليمن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين احتفى بها السودانيون قبل أكثر من نصف قرن.