الاتحاد العام لكرة القدم: أزمة لحس القرارات أزمات الرياضة السودانية تبدأ في بعض الأحيان من قضايا عادية إن كان هنالك اتحاد عام يقرر ويصون قراراته. أزمة لا علاقة للوائح والقوانين بها بل يهدرها القائم على أمر رياضة البلاد بخوفه تارة وانتهاجها لفقة الجودية ونزع فتيل الأزمات في مرات كثيرة كما كان الحال في قضية مباراة الهلال والأمل عطبرة في واحدة من الظواهر التي تتكرر عاما تلو الآخر في ظل غياب تام للقانون وروحه. أزمات متكررة والقانون في إجازة لا يمر يوم على الحركة الرياضية السودانية إلا وتفجرت أزمة أو قضية تظل حديث الناس لأسابيع وشهور في بعض الأحيان. والقائمة طويلة بالدرجة التي يمكن التأكيد معها أن حصرها من المستحيلات. تنحصر كل هذه الأزمات والقضايا في جانبين أحدهما قانوني والآخر خاص بالمفاهيم ومدى قدرتنا على استيعاب معنى الرياضة وأهدافها ومبادئها وقوانينها ولوائحها. إذا أخذنا نموذج الأزمة الأخيرة التي خلفها قرار مجلس إدارة نادي الهلال العاصمي برفضه للسفر للعب في الكاملين وتهديده لأعلى سلطة رياضية بالبلاد دافعه أن هذه السلطة مجربة في الخنوع ولحس القرارات مع ارتفاع أي من الحناجر بالهتاف في وجهها أو التهديد والوعيد بالانسحاب. تحدي القوانين واحد من أهم أسباب فشل تطور الرياضة بالبلاد، التحدي المستمر للقوانين الرياضية، وهذا التحدي والعنتريات لا تبدو بوادر في الأفق تؤكد قرب انتهائه، بل إن الأمر يزداد تعقيداً، ووصل مراحل متأخرة في الفترة الأخيرة بعد أن جبل الاتحاد على انتهاج المسايرة والبعد عن التصدي لصون قراراته تحديدا فيما يتعلق بالأندية الكبيرة وسبق للهلال أن تحدى ونجح في مباراته أمام النيل 2008، انسحابه من كأس السودان 2013، وعدم سفره للكاملين لمواجهة الأمل نزولا لعقوبة الاتحاد الأربعاء الماضي. محلك سر ضعف الاتحاد وهشاشة قراراته وتحدي بعض الأندية ورفع كرت الانسحاب أخرج كرة القدم السودانية من المستطيل الأخضر، إلى صراعات ومعارك لا تنتهي خارجه. صراعات واحتقان ازدراء الاتحاد وقراراته واستثمارها في خلق صراعات تؤدي إلى احتقان متواصل في الوسط الرياضي، لا يخرج من إشكالات عدة يعاني منها المجتمع السوداني بصفة عامة، وعلى رأسها التخلُّف سواء كان هذا التخلف سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو رياضياً أو ثقافياً، وبالتالي فإن ما يحدث في الوسط الرياضي من ضعف لاتحاد الكرة وعدم احترام لقراراته لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن الواقع المعاش. وضع معقد آخر القضايا التي تعكس الوضع المعقد الذي تعيشه كرة القدم السودانية، قضية مجلس إدارة نادي الهلال مع الاتحاد العام في أكثر من مرة ولجوء الاتحاد ممثلا في سكرتيره مجدي شمس الدين الذي دائما يجتهد في تطويع القوانين الداخلية لصالح جهات معينة، قاد الجهات المتضررة للبحث في مرات كثيرة عن حلول لدى للاتحاد الدولي وما تصعيد نيل الحصاحيصا للوزان حينها ببعيد. قضية تخلف جدلاً ما ترتب على هذه رفض الهلال وتنفيذه لوعيده وتهديده إلى جانب خنوع اتحاد الكرة وبحثه المستمر عن مخارجات عنوانها ركل القانون وامتهانه أكدت للجميع أن قرارات الاتحاد لا تستحق ثمن الحبر الذي كتبت به كما أنها أعيت الطبيب المداوي. لأن إرسال القانون في إجازة مفتوحة في هذه القضية وقبلها قضايا أخرى جعل من محاولات تطويع القوانين الداخلية لصالح جهات على حساب جهات أخرى، وضرب آخر إسفين في نعش هذا الاتحاد المتهالك. موقف محرج كان اتحاد الكرة في غنى عن وضع نفسه في موقف حرج مثل هذا يمكن أن يؤدي إلى تفسيرات واستنتاجات خاطئة، فالتعليمات التي توضع يجب أن يتم احترامها من قبل كلّ ركن من أركان اللعبة، ويجب أن يتذكر اتحاد الكرة أنه يدير دوريا للمحترفين وليس تحت مسمى آخر، وبالتالي فإن استحقاقات الاحتراف تفرض على الاتحاد وضع اللوائح المعترف بها، والتي يمكن أن تدير المسابقات وتحكمها بعدالة وشفافية بعيدا عن التفسيرات والتأويلات، وربما من غير المعقول أن تبقى لجانه تجتمع وتقرر وتلحس قراراتها مما يدفع بسؤال مهم: إما أن هذه اللجان لا تفقه في القانون أو يتعامل معها مجدي باعتبارها محطة لثغرة قادمة ينفذ من خلالها لإهدار كرامته وكرامة لجنة وقبلهما كرامة القانون. ضرورة تنبيه ما حدث يجب أن ينبّه الاتحاد إلى ضرورة التنبيه على لجانه (بتنجيض) قراراتهم، ووضع النقاط في مكانها الصحيح، واستخدام المفردات التي لا تتعارض مع النصوص الموضوعة في التعليمات، فثمة خلاف على تفسير كلمة "التلاسن" بين اللاعبين، هل هو سبّ وشتم وتحقير أم هو كلام عادي فلماذا لا تسمى الأشياء بأسمائها؟. آلية التبليغ النقطة المهمة الأخرى التي يجب التنبّه لها، وهي المتعلقة بآلية تبليغ الأندية بالقرارات وضرورة أن يراجع الاتحاد سلامة موقفه اللائحي، فلا يجوز مطلقا أن تبلغ الأندية عن تلك القرارات بعد الزمن المسموح به من ساعات قبل موعد بدء المباراة، في الوقت الذي يحقّ فيه للنادي الاعتراض خلال الزمن المحدد باللائحة من تسلّمه القرار ومن حقّه الاستئناف بعد مرور 48 ساعة من صدور القرار، وبالتالي ماذا سيستفيد الفريق المعترض والمستأنف طالما أنه سيلعب المباراة قبل صدور الردّ والاستئناف أم أن الأمر مقصود وفيه شبه تؤاطو؟. نهايات ناقصة ونتيجة معروفة القضايا التي تشغل الوسط الرياضي لا تصل إلى نهايات قانونية سواء على مستوى القوانين المحلية التي لا يعترف بها الفيفا أوعلى مستوى الفيفا ولا حتى نسبة احتفاء البعض بأن الاتحاد استعاد هيبته وبطل محاباة أو أن هنالك بادرة لسيادة حكم القانون على قدم المساواة بين الأندية صغيرها وكبيرها. هوان مريع تغزم حلم الوسط الرياضي من تحقيق بطولات وإنجازات على مستوى الأندية أو المنتخابات وأصبح يتطلع لأي من قرارات الاتحاد بشأن الأندية الجماهيرية باعتباره محكا حقيقيا، إما أن يصمد ويتم تنفيذه أو يسقط وينتصر قرار الأجسام الأخرى التي لا تملك هذا الحق. من خلال هذا النموذج ونماذج أخرى كثيرة، يمكن أن نقف بسهولة على أن أحد أكبر الأزمات التي تعيشها الكرة السودانية هي أزمة القرار، والمسؤول عنه، وكيفية تنفيذه؟ اتهام بالمحاباة مجلس المريخ أصدر بيانا أكد فيه انصياع الاتحاد للهلال وانتهاك شرف المنافسة مستنكرا إقدام الاتحاد على تأجيل مباراة دورية معلنة بين الهلال والأمل عطبرة بمبررات أقل ما توصف بأنها واهية وتحوي تجاوزاً فاضحاً للقانون، ومحاباةً غير مقبولة لنادٍ على حساب الآخرين، وأن الاتحاد انتهج سياسة الكيل بمكيالين وأن الاتحاد رفض معاقبة الهلال على انسحابه من مباراة معلنة، إذ سبق للهلال أنه رفض أداء مباراته الشهيرة أمام نيل الحصاحيصا في موسم 2008، وتحدت إدارته الاتحاد وتدخلت لجنة الاستئنافات المركزية وأعفت النادي من العقوبة وأعادت المباراة من دون أن يقدم لها الهلال أي استئناف. كما أن استاد المريخ تعرض لتخريب متعمد مرتين على التوالي في سبتمبر من عام 2012 ثم في سبتمبر من عام 2013 بتكلفة مالية تقدر (600 ألف دولار) وبعد مرور فترة قاربت العامين على عملية التخريب الأولى لم يتم تعويض نادي المريخ عن الأضرار المادية حتى الآن في سابقة هي الأولى من نوعها في الملاعب العالمية. والآن فقد تم مجاملة الهلال على حساب الأمل الذي التزم بالجدول المعلن، وأرسل فريقه إلى الكاملين التزاماً منه بالبرنامج المعلن للمسابقة، علماً أن مجلس الهلال أعلن رفضه لقرارات اللجنة المنظمة على الملأ وأكد اعتزامه الانسحاب من المنافسة، بل هدد باقتلاع الاتحاد من جذوره على لسان نائب رئيس النادي، وأن الاتحاد عاقب الملتزم وكافأ من تمرد عليه ورفض تنفيذ برنامج معلن سلفا. مما يؤكد انتهاك شرف المنافسة، ويصيب مبدأ تكافؤ الفرص في مقتل، ويثبت وجود حظوة لنادٍ على حساب البقية، مستغربا لاعتذار شرطة ولاية الجزيرة عن تأمين مباراة تقام بلا جمهور، في ذات اليوم الذي تستضيف فيه عاصمة الولاية مباراة دورية أخرى تقام بحضور الجمهور. محكمة عُمَد وسلاطين شن نائب رئيس نادي اتحاد مدني محمد الطيب هجوما عنيفا على اللجنة المنظمة لاتحاد الكرة السودانية حيث وصفها ب"محكمة العُمَد". وشبه الطيب اللجنة المنظمة بأنها محكمة عُمَد وسلاطين، وأشار إلى أنها ليست مخولة بالمعاقبة وليست مختصة. وقال إن القانون لا يمنحها حق معاقبة الهلال لافتا إلى أن الاتحاد اختزل كل لجانه في لجنة واحدة وأكد أن ما يفعله الاتحاد عشوائية تجاوزت الخطوط الحمراء. اتفاق الجودية يتفق الجميع على أن اتحاد معتصم وسكرتيره مجدي يصنع ببالونات هواء بقرارات قوية في مظهرها وقبل أن يحتفي الوسط المعني بهذا القرار يبحث معتصم ومجدي عن مخارج بعيدة عن القانون لإيقاف قرارهم بحنكة مفضوحة عبر (الجودية) تارة والالتفاف على القوانين في أخرى، والبحث عن سبب خفي كما حدث في موضوع تأمين المباراة عبر شرطة الكاملين. وكل القضايا الواضحة بالقانون واللائحة تضيع طريقها وتختفي معالمها فتقف في محطة (باركوها يا أخوانا) ويتم الحل بمثل هذه الحلول (المسكنة) ليفتح غداً باب جديد لتحدي القانون في قضية لا تختلف عن التي سابقتها، وهكذا يضيع كثير من الوقت في جدل لا ينتهي، والنتيجة حال الكرة السودانية الذي يغني عن السؤال.