تقلدت مصر، منذ سنوات طوال، دورها الإقليمي الفاعل، الذي ذاع صيته في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، وصار نموذجا لدول الإقليم ولكن نلاحظ في الآونة الأخيرة انكماش الدور المصري على المسرح الإقليمي والعالمي وارتضت مصر خلال الفترة الماضية أن تكون دولة غير فاعلة تجاه قضايا أمتها العربية ومحيطها العربي والإفريقي والإسلامي والدولي بسبب سياسة الرئيس الاسبق مبارك والتي كانت منكفئة على اطالة عمر النظام الى ابعد مدى حتى بعد مغادرة مبارك وتسليم السلطة لابنه جمال مبارك حسب كان مخططا له، وخضع النظام المصري بقيادة مبارك بكامله لامريكا واسرائيل ومن بعد ذلك لدول الخليج، والتي تريد أن تحجز لنفسها مقعدا في الملعب الاقليمي، ثم جاء الحراك الثوري من الشباب الذي اطاح بحكم مبارك بعد ثلاثين عاما وهو ما يعرف بثورة 25 يناير، ودخلت مصر في داومة داخلية لم تخرج منها حتى الآن رغم الادعاء بأن الشعب المصري صاحب حضارة تمتد في التاريخ الى سبعة آلاف سنة او يزيد وكان يجب أن يقدم القدوة لشعوب العالم ويعكس حضارة شعبه وعلى الاقل إن لم يكن لشعوب العالم فلشعوب الربيع العربي، الامر الذي نجح فيه الشعب التونسي والذي لا زال يبهر العالم. لقد أدى إنكماش دور مصر الاقليمي إلى بروز قوى سياسية لم يكن لها نفس الموقع السياسي على نحو ما كانت تحتله مصر. وقد يلاحظ المتابع للشأن السياسي أن كثيرا من دول المنطقة المحيطة وفي دول الجوار القريب تنافس مصر في مكانتها الاقليمية وتحاول تلك الدول أن تكون لاعبا أساسيا في المنطقة مستفيدة من الوضع السياسي والاقتصادي الراهن، والتطورات التي حدثت في المنطقة عقب الربيع العربي، لتكون ممسكة ببعض الخيوط المتعلقة بالمنطقة لصالح التطلعات السياسية الاقليمية والدولية . هناك صعود متنام لدور دول الخليج العربي، وفي مقدمتها السعودية وقطر، بسبب الوفورات المالية، والرغبة في ممارسة دور إقليمي مميز وبالتأكيد هذا ظهر جليا في دور السعودية في الشأن اللبناني ومؤتمر الطائف الذي جاء برفيق الحريري ومن بعده ابنه سعد والتحالفات الكبيرة حول تيار المستقبل، اما الدور القطري فبدأ واضحا في القضية الفلسطينية وزيارة أمير قطر السابق لقطاع غزة ودور قطر واسهامها في قضية دارفور في غرب السودان، اما إيران فدورها معلوم للجميع في لبنان من خلال حزب الله وسوريا، اما اسرائيل في قلب المنطقة فهي غير ترسانتها الثقلية من الاسلحة، فهي تلعب في كل الاتحاهات للحفاظ على امنها واستقرارها والمرتبط اصلا بالجيران. أما في إفريقيا، فقد تغير المشهد تماما في ظل بروز قوى جديدة، مثل جنوب إفريقيا، ونيجيريا، وكوت ديفوار، وباتت هذه القوى أكثر حضورا على المستوى القاري والدولي. وفي دول حوض النيل، أصبح السودان منقسما بين الشمال والجنوب، وهذا ما أضاف الامر بالنسبة لمصر تعقيدا، والحراك القوي لدول حوض النيل في تعديل اتفاقيات مياه النيل والتي ستكون مصر المتضرر الوحيد من هذه التعديلات في الاتفاقية . ومصر بعد تاريخها الطويل ودورها الاقليمي والعربي والاسلامي اصبحت مثل (عزيز قول ذل). ومصر اليوم هي في أشد الحاجة الى السودان الذي كانت تعتبره مصر أخا أصغر ولا تبخل عليه بالنصائح وآخرها التي كانت في آخر عهد مبارك حينما جاء الى السودان بصحبة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وقدما النصح للبشير في عدد من القضايا ذات الابعاد الاقليمية والدولية المتعلقة بالسودان، ولكن البشير شكر سعيهما، ولكن كانت الاقدار لهما بالمرصاد فذهب حكم مبارك وانتهت امبراطورية القذافي، ولازال البشير يحكم، ولله الحكم من قبل ومن بعد، ومصر اليوم تريد من السودان يكون بجانبها في قضية سد النهضة الاثيوبي، ومصر تريد من السودان يكون لها عضدا في الوقوف في وجه التعديلات المقترحة لاتفاقيات مياه النيل، ومصر ايضا تحتاج الى السودان في رفع تجميد عضويتها في الاتحاد الافريقي بعد انقلاب السيسي على شريعة الرئيس المنتخب محمد مرسي، رغم الادعاء بأن الذي حدث ثورة ثانية، وليس إنقلابا . ولقد بعث الرئيس المؤقت عدلي منصور برسالة الى البشير في هذا الشأن في اواخر يناير الماضي. مصر التي تزعم أن حركات التحرر الافريقي انطلقت من ارضها الا انها تتلقى ضربة من جنوب افريقا وهي دول كبرى في افريقيا بالحسابات السياسية والاقتصادية أن ترفض جنوب افريقيا أي تمثيل لحكومة الانقلاب حسب رأيها لتشارك في تشييع جثمان المناضل نلسون مانديلا رمز التحرر والكفاح، رفضت جنوب أفريقيا استقبال عدلي منصور لأنها قالت إن السيسي وعدلي منصور ضد كل القيم التي عاش من أجلها مانديلا. ومن خلال القمة العربية التي انعقدت بالكويت مؤخرا رصد عدد من النشطاء مواقف وصور وكلمات خلال تلك القمة واعتبروه إهانة لمصر، ويجب على مصر أن تعرف بنفسها وتاريخها خاصة لها هيئة كبيرة مثل هيئة الاستعلامات المصرية التي لها من الكوادر البشرية والمادية ما يمكنها من فعل ذلك وان تكون مثل سفانة بنت حاتم الطائي والتي كان سببا في هذه المقولة التي هي عنوان هذا المقال (عزيز قوم ذُل) (ارحموا عزيز قوم ذل) مثل عربي مشهور، قيل في واقعة وقعت بين جند المسلمين وقبيلة طيء الساكنة في مدينة حائل، فما حكاية هذا المثل؟ وما مناسبة قوله؟ فقد وجه الرسول صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه، على رأس مجموعة من الجند إلى طيء، فتصدى لهم عدي بن حاتم الطائي، وكان من أشد الناس عداء لرسول الله. وقعت المعركة وما لبث أن انتصر فيها المسلمون على الكفار، فساقوا أمامهم أسراهم من رجال ونساء، وغنموا منهم مغانم كثيرة، فلما عرض الأسرى على النبي نهضت من بينهم امرأة يقال لها سفانة، فقالت: يا محمد، هلك الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلي عني، ولا تشمت بي أحياء العرب، فإن أبي كان سيد قومه، يفك العاني، ويقتل الجاني، ويحفظ الجار، ويحمي الذمار أو الأعراض، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ويحمل الكل، ويعين على نوائب الدهر، وما أتاه أحد في حاجة فرده خائباً، أنا سفانة بنت حاتم الطائي. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «يا جارية، هذه صفات المؤمنين حقاً، لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه، خلّوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق»، ثم يقال إنه قال:«ارحموا عزيز قوم ذل، وغنياً افتقر، وعالماً ضاع بين جهال»، ثم أنه أطلق قومها إكراماً لها، وعندما ذهبت الى أهلها عددت من صفات الرسول الكريم وعادت ومعها شقيقها عدي وأسلما. ومصر كانت مثل حاتم الطائي تفك العاني، وتقتل الجاني، وتحفظ الجار، وتحمي الذمار أو الأعراض، وتفرج عن المكروب، وتطعم الطعام وتفشي السلام. ومصر مطلوب منها إعادة هذه الصفات والإخبار عنها، ومصر الآن مأسورة لماضي لا يصدقه الواقع . .