قيل «شيئان يحفزان على القراءة :متعتها والتفاخر بها». وقيل إن "الكتاب الجيد يُقرأ مرة في سن الشباب، ومرة في سن النضج، ومرة ثالثة في الشيخوخة، فهو كالبناء الجميل يجب أن يُشاهد فجراً وظهراً وتحت ضوء القمر". ومما قيل في فضل القراءة أنها تختصر الزمن. وقيل إن من يقرأ كثيراً تساوره الرغبة في أن يكتب أيضًا. وقد أثر عن عملاق الأدب العربي العقاد قوله عن حبه للقراءة وشغفه بها: «إنني أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني.. والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب.. إنني أحب الحياة –على الرغم مما عانيته فيها من أمراض وشدائد- لأنني أحب المعرفة وأغرم بها، وأحب أن أصل إليها، وتصل إلي، ولو تحت التراب! وإنني لا أتمنى أن أصل إلى سن المائة كما يتمناه غيري، وإنما أتمنى أن تنتهي حياتي عندما تنتهي قدرتي على الكتابة والقراءة، ولو كان ذلك غداً » . ومن المعلوم أن العقاد لم يكن يحمل من المؤهلات العلمية سوى الشهادة الابتدائية إلا أنه استطاع بمثابرته على القراءة وحدها أن يصل إلى ما لم يصل إليه غيره. فقد قرأ أكثر من أربعين ألف كتاب في الفلسفة، والتاريخ العام، والتاريخ الطبيعي، والشعر والمسرح والأدب واللغات والأجناس وكل ما يتعلق بحياة البشر. وكتب في الذرة، وصواريخ القمر، وكتب روائع في مجالات الفكر والفن الإسلامي. وقد قيل إن أعظم وأبقى ما كتبه العقاد، هو حياته نفسها. فقد شق طريق النور إلى عقله ليصبح شاعراً وناقداً ومؤرخاً وأديباً وعالماً بارعاً حتى صنف العقاد واحداً من أعظم مفكري القرن العشرين. ومن أنفع ما قرأت عن الكتب رسالة حول القراءة وكيفية التعامل مع الكتب حررها وليم فيلبس أستاذ اللغة الإنجليزية بالجامعات الأمريكية عام 1933. جاء فيها: تمثل عادة القراءة واحدة من أعظم الثروات البشرية؛ ونحن نستمتع بقراءة الكتب التي نمتلكها أكثر من تلك التي نستعيرها. فالكتاب المستعار كالضيف الزائر في البيت يتوجب عليك معاملته بحرص فائق وعناية شديدة. يجب عليك أن تطمئن على سلامته وعدم تعرضه للتلف، يجب ألا يصيبه أي أذى طالما هو مستظل بسقف بيتك. فأنت لا يمكنك أن تتعامل معه براحتك. ولا يمكنك وضع علامات تحت سطوره أو طي صفحة من صفحاته. ثم أنه، في يوم ما، يتعين عليك إعادته لصاحبه، وإن كان هذا أمر نادراً ما يحدث. هذا بينما أنت تتعامل مع كتبك الخاصة بكل أريحية وحميمية الانتماء التي تذيب الشكليات والتكلف. فالكتب للاستعمال والاستخدام وليست للعرض؛ يجب عليك ألا تقنتي كتاباً تتحرج من وضع علامات عليه، أو تخشى تركه على المنضدة أو الطاولة وهو وضعه مفتوحاً على دفتيه منكفئاً على وجهه. هناك مبررات مقنعة ومنطقية تدفعك لوضع علامات أو خطوط تحت العبارات أو الفقرات المفضلة والمختارة، ومن تلك المبررات أن هذه الممارسة تمكنك من سرعة وسهولة تذكر المقولات ذات المغزى للرجوع إليها متى ما شئت. يجب على كل شخص اقتناء مكتبة خاصة في شبابة؛ فغريزة التملك والتي هي من مقومات الطبيعة والنفس البشرية، يمكن استثمارها هنا بكل خيرها، وخالية من أي شر. يمكن للمرء أن نكون له أرفف كتب خاصة به، والتي يجب ألا تكون لها أبواب أو نوافذ زجاجية أو أقفال ومفاتيح. يجب أن تكون مكشوفة وسالكة دون حواجز وفي متناول اليد والعين. إن أفضل زينة جدارية أو ديكور منزلي هي الكتب، فهي الأكثر تنوعاً وتبايناً في الألوان والمظاهر من أوراق الحيطان وطلاءاتها، وهي الأكثر جاذبية من ناحية التصميم والشكل، وللكتب الميزة العظمى في استقلالية الشخصية، فإذا ما جلست لوحدك مسترخياً في غرفتك فأنت محاط بأصدقاء حميمين مقربين. والمعرفة التي توجد هناك على مرمى بصرك معرفة مثيرة للأفكار ومنشطة لها. لا يتوجب عليك قراءة كل تلك الكتب بالطبع. كل حياتي التي قضيتها داخل غرف منزلي قضيتها في غرفة تحتوي على ستة آلاف كتاب؛ ولي ذخيرة من الإجابات حول الأسئلة المتنوعة التي تأتيني من زواري الغرباء: هل قرأت كل هذه الكتب؟ "بعضها مرتين"، هذه الإجابة حقيقية وغير متوقعة في ذات الوقت. بالطبع ليس هناك أصدقاء أفضل من رجال ونساء حقيقيين لحماً ودماً؛ شغفي بالقراءة لم يجعلني أبداً منطوياً ومنعزلاً عن العالم. كيف يكون ذلك؟ فالكتب من الناس وبالناس وللناس. الأدب هو الجزء الخالد من التاريخ؛ هو الجانب الأفضل والدائم من الشخصية. وللأصدقاء من الكتب ميزة على الأصدقاء من البشر؛ فالأصدقاء الكتب يمكنك التمتع بصحبتهم متى ما شئت. أما الموتى من الأصدقاء البشر فهم خارج نطاق (شبكة) اتصالنا بهم بالطبع، أما الأحياء منهم فهم بالمثل تصعب رؤيتهم، فهم غالباً ما يكونون –ربما بالصدفة- نائمون أو في رحلة ما وغير موجودين. ولكن في مكتبتك الخاصة يمكنك في أي لحظة محادثة أي من العظماء سقراط أو إبن خلدون أو العقاد أو عبد الله الطيب أو المجذوب. وختاماً القول ما قال المتنبئ: وخير مكان في الدنا سرج سابح ... وخير صديق في الزمان كتاب. ونضيف: وخير كتاب هو كتاب الله عز وجل. كانت تلك مشاركة مني في احتفال أسرة مكتبة الهيئة القومية للغابات بيوم الكتاب العالمي الذي يصادف الثالث والعشرين من أبريل من كل عام، والدعوة مفتوحة -باسم أسرة المكتبة- بتقبل المكتبة للإهداءات من الكتب في يوم الكتاب. قراءات د. عبدالعظيم ميرغني