تواترت الأنباء في الأيام الماضية عن رفض وردي لأداء أغنية" اليوم نرفع راية استقلالنا" في حفله الأخير الذي أقامه ليلة رأس السنة بعد أن طلبها منه الجمهور في تلك الليلة ،وبرّر وردي رفضه بعدم وجود مزاج لترديد تلك الأغنية ويبدو أنه كان دبلوماسيا في رده ،خاصة وأن المناسبة كانت "رأس السنة"! وكنت قد سألته عبر الهاتف قبل ذلك بأسبوع بعد أن علمت بخبر حفل رأس السنة وحصلت منه بالفعل على خبر به بعض التفاصيل ،أبرزها أنه سوف يؤدي أغنية جديدة للشاعر الكبير أمل دنقل،وسألته مباشرة :هل ستغني للاستقلال في ذلك الحفل ؟ وكانت إجابته واضحة وصريحة فهو لايشعر حالياً بالاستقلال والسبب واضح، وهو أن الوطن الذي غنوا له في السابق لم يعد موجوداً ،ويقصد الانفصال الذي يبدو أن جرحه في وجدان وردي عميق أكثر مما يتصور البعض . وقال وردي في تلك المكالمة إنه لايوجد احتفال حقيقي بالاستقلال وأن أحداً لم يدعوه لأي نوع من الاحتفالات الرسمية أو الشعبية، وجاء وردي وعبر صحيفة آخر لحظة أمس ليؤكد السبب الحقيقي الذي جعله غير راغب في الغناء للاستقلال بعد أن شن هجوما عنيفا على الفنان سيف الجامعة الذي قال بأنه ظل يقدم أغنية " اليوم نرفع راية استقلالنا" في عدد من الاحتفالات دون وجه حق. ونفى وردي أن يكون رفض المشاركة في احتفالات المجلس الاعلى للثقافة و الاعلام والسياحة بولاية الخرطوم ،مؤكداً عدم دعوته للمشاركة ، لكنه استدرك قائلا"حتى لو وجهت لي الدعوة فلن أغني للاستقلال لأن السودان مازال يعاني من الحروب والانقسامات وغير مستقر بالقدر الكافي ، لذلك لا أستطيع أن أغني كذباً للاستقلال، وأنا عند مواقفي السابقة ولم أتخلَ أو أتنازل عنها مطلقاً"! وفي حوار معه نشر في هذه الصحيفة أمس الأول السبت، طالب الشاعر الصادق إلياس بإيقاف التغني للاستقلال ولكن من وجهة نظر أخرى حيث رفض استمرار الغناء للحظة رفع العلم وطرد المستعمر، وطالب بأن تتخذ الاحتفالات منحى آخر ، مثل شحذ الهمم نحو البناء والتنمية، وتقديم أغنيات تدعو للالتفات للتنمية في كافة محاورها من زراعة وصناعة وتعمير وهذا هو الاستقلال الحقيقي على حد تعبيره . إذن نحن أمام مرحلة جديدة في التعامل مع الاغنية الوطنية ، فوردي محبط من الواقع ويرى أن البلاد لا تتمتع باستقلال حقيقي وليس المسألة مسألة مزاج رائق أو معكر كما ادعى في حفل رأس السنة ، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فقد فاجأ الفنان محمد وردي الجميع في ليلة تأبين العندليب الأسمر زيدان إبراهيم بالعباسية التي أقيمت في "الواحد والعشرين من شهر أكتوبر الماضي" عندما ابتدر وصلته في حفل التأبين بدرة أشعار محمد المكي إبراهيم "أكتوبر الأخضر" ووجد النشيد تفاعلاً كبيراً رغم خصوصية المناسبة. هذان الموقفان يفتحان الباب واسعا للنقاش ويجب طرح العديد من الأسئلة منها :هل نعيش واقعاً محبطاً جعل الكثيرين لايشعرون بالاستقلال الحقيقي؟ وهل نحن في حاجة ماسة للتوقف عن الغناء للحظة رفع العلم والبحث عن صيغة جديدة تشحذ الهمم وتحفز للبناء والتنمية.