:: أحدهم -من ذوي الخيال الواسع جداً- صادف صيوان عزاء، فحدثته نفسه بأداء الواجب.. وبعد الفاتحة، عرًفوه بابن المرحوم، فسأله بحزن: (أها، أبوك مات كيف؟ ما سمعنا بمرضو)، فأجاب الابن دامعاً: (لا ما مرض، بس كان ماشي يجيب العيش و ضربتو عربية في الظلط)، فسأله متأثراً: (لا حول ولا قوة إلا بالله، كان ماشي يجيب عيش بي كم؟).. وهكذا تقريباً حال الناس والبلد مع سلطات مكافحة المخدرات منذ ضبط شحنة مخدرات حجمها حمولة خمس حاويات بميناء بورتسودان قبل أسابيع..!! :: يومياً، تصدر الصحف بأخبار -موصوفة بالجديدة- ذات صلة بالقضية، ولكن حين تقرأ الخبر تجده تصريحاً رسمياً يتحدث عن حجم المخدرات وقيمتها فقط لا غير.. (خمس حاويات، قيمتها 120 مليون دولار)، هكذا الخبر المعاد نشره -يومياً- بصياغة جديدة نقلاً عن الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، وكأن الناس بحاجة إلى معرفة (المخدرات دي قيمتها كم؟).. فالقيمة التي تم ذكرها بالدولار والجنيه - وما فيهما من كسور عشرية - لم تعد تهم الناس والصحف كثيراً، لقد قيلت القيمة والكمية وترسخت في الأذهان، فالمهم حالياً هو (المخدرات دي حقت منو؟)..!! :: نعم، منذ لحظة القبض على الوكيل المكلف بتخليص الحاويات في ميناء بورتسودان -وإلى يومنا هذا- لم تبادر أي سلطة مركزية أو ولائية بذكر اسم الشركة مالكة الحاويات ولا أسماء أصحابها، وهذا أمر مريب للغاية.. نفهم -ونتفهم- أن يتم تغليف أسماء المتهمين في قضية مكتب والي الخرطوم وغيرها من قضايا المال العام بأغلفة الكتمان والسرية بحجة (عدم التشهير)، ولكن كيف نفهم ونتفهم فقه السترة المحيط بأسماء تجار مخدرات بلغ حجم بضاعتهم خمس حاويات؟.. والغريب في الأمر، يومياً تصدر صفحات الحوادث بأسماء وعناوين -وأحيانا صور- من يتم ضبطهم بتهمة التعاطي أو حيازة قطع صغيرة من المخدرات، أى ليست بحجم خمس حاويات، فأين الكيل العادل في نشر أسماء وشركات وعناوين من يتعاملون مع هذه (الآفات والسموم)؟؟.. :: وفي هذه القضية، ما يجعل أمر البحث عن اسم الشركة وملاكها ونشرها ضروريا هو الجرأة -وقوة العين- المستخدمة لحد إحضار الحاويات بالقنوات الرسمية وبأوراق الشحن وبأحد أهم منافذ البلد المحروسة بكل الأجهزة الأمنية والشرطية (جهاراً ونهاراً).. هل يُمكن أن يتجرأ تاجر مخدرات -قادماً إلى بلادنا كان أو عابراً- ويجلب خمس حاويات مخدرات إلى الميناء الرئيسي للبلد ما لم يكن مطمئناً على سلامة العبور؟.. كيف استلهمت هذه الشركة الموردة كل هذه الثقة والطمأنينة؟، بالتجريب أم باكتشاف الثغور؟.. أسئلة مهمة للغاية، ويجب أن تكون مدخلا للسؤال المشروع: (هل دي أول مرة؟).. والإجابة في علم الغيب، ولكن الشرطة دائما ما تؤكد بأن نسبة المخدرات التى تتم مكافحتها ليست هي الصغرى مقارنة مع النسبة التي تسربت إلى المجتمع.. المهم، منعاً للشائعات، وبما أنها مخدرات ومستوردة بواسطة شركة وتم ضبطها في ميناء البلد، فمن حق الرأي العام أن يعرف أسماء هؤلاء الذين يسعون إلى تدمير المجتمع السوداني.. ويجوز التشهير في جريمة كهذه، وما لا يجوز هما (فقه السترة) و (التحلل)!!..