خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    (خطاب العدوان والتكامل الوظيفي للنفي والإثبات)!    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    البرهان يزور جامعة النيلين ويتفقد مركز الامتحانات بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بالجامعة    وزير الصحة المكلف ووالي الخرطوم يدشنان الدفعة الرابعة لعربات الإسعاف لتغطية    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    كمين في جنوب السودان    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    شهادة من أهل الصندوق الأسود عن كيكل    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    بنك أمدرمان الوطني .. استئناف العمل في 80% من الفروع بالخرطوم    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقفات مع آراء الشيخ الياقوتي
نشر في السوداني يوم 04 - 05 - 2014

فقد قرأت الحوار الذي أجرته صحيفة السوداني مع وزير الدولة للإرشاد والأوقاف, محمد مصطفى الياقوتي, بتاريخ 31 مارس 2014م.ويهمني في هذه السانحة ما أثير في الحوار ثلاث قضايا تناولها, وهي ما يختص بالمناهج الدراسية, والثانية قضية الولاء والبراء, والثالثة قضية الجهاد. أقول: ورد في الحوار عن القضية الأولى, وهي المناهج, إجابة الشيخ الياقوتي عن سؤال المحاور: "هل يمكن أن تشير لبعض نقاط التوتر -أي ملاحظاتهم على المناهج- التي لا تقبل التأخير؟ -أي تأخير تعديل المناهج- فقال: مثلاً ما يتعلق بتقسيمات التوحيد, وهذه الجزئية محل اختلاف بين الفقهاء, خاصة عندما نصف الحاكم بالطّاغوت وتُحدد له فكرة (ومن لم يحكم بما أنزل الله ...), وتحصرها في الحاكم فقط, وليس كل شخص مكلف بالأمر الإلهي, كما تتواصل خطورتها حد تقسيم المجتمع لمسلمين وكفار عبر عقيدة الولاء والبراء والممايزة وعدم احترام الرأي والرأي الآخر, والتي قد تكفر حتى من قد يشهد بألا إله إلا الله" أ.ه بنصه.
ولي مع هذه الإجابة وقفات:
الأولى: قضية تقسيم التوحيد, الذي ورد في كتاب التربية الإسلامية بالصف الثالث, وقد كنت كتبت عن ذلك ست حلقات في صحيفة (الحرة) الأعداد (1182/1183/1190/1191/1192/1194), وذلك رداً لما دار في برنامج قيد النظر الذي يقدمه الطاهر حسن التوم في المحاورة بين الدكتور عادل حسن حمزة ممثلاً عن الصوفية, والأستاذ كامل عمر البلال ممثلاً عن السلفيين (أنصار السنة), وبينت صحة ذلك التقسيم, ولكن لا مانع من أن أتناول نقاطاً رئيسية في ذلك, وأحيل القارئ إلى التفصيل في صحيفة (الحرة) الأعداد المذكورة, فأقول إن الذين انتقدوا ذلك التقسيم انتقدوه شكلاً ومضموناً في رأيهم, فمن حيث الشكل جعل بعضهم هذا التقسيم تثليثاً وربطوه بعقيدة النصارى, وألزموا القائلين به باعتقاد تثليث النصارى, كما فعل المدعو حسن السقاف السوري في كتابه (التنديد بمن عدد التوحيد, إبطال محاولة التثليث في التوحيد والعقيدة الإسلامية), هكذا سمى كتابه, حيث يرى معاصرو الأشاعرة أن هذا التقسيم جاء به شيخ الإسلام ابن تيمية وابتدعه, وقد بينت في مقالاتي في صحيفة (الحرة) خطأ ذلك الظن, وأتيت بعلماء سبقوا شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا التقسيم, أمثال الإمام أبي حنيفة (ت150ه) في كتابه الفقه الأبسط (ص51): والذي قال فيه: "والله يدعى من أعلى لا من أسفل؛ لأنَّ الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء", والإمام ابن بطة العكبري, فقد قال رحمه الله في كتابه "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة" ما نصه: "... وذلك أنَّ أصل الإيمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان به ثلاثة أشياء: أحدها: أن يعتقد العبد ربانيته ليكون بذلك مبايناً لمذهب أهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعاً. والثاني: أن يعتقد وحدانيته ليكون مبايناً بذلك مذاهب أهل الشرك الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره. والثالث: أن يعتقده موصوفاً بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفاً بها من العلم والقدرة والحكمة وسائر ما وصف به نفسه في كتابه". الإبانة لابن بطة ، وفي مختصره (ق 150) مأخوذ من المكتبة الشاملة الالكترونية (ج6/172).
بل قد أتيت بعلماء من الأشاعرة والماتريدية المعاصرين ممن أقر بهذا التقسيم منهم مُلّا علي القاري الماتريدي في شرحه لكتاب الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة حيث يقول ص: (9، 10) ما نصه: "أقول: فابتداء كلامه سبحانه وتعالى في الفاتحة بالحمد لله رب العالمين يشير إلى تقرير توحيد الربوبية المترتب عليه توحيد الألوهية المقتضي من الخلق تحقيق العبودية، وهو ما يجب على العبد أولاً من معرفة الله سبحانه وتعالى، والحاصل أنَّه يلزم من توحيد العبودية توحيد الربوبية دون العكس في القضية لقوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ}، وقوله سبحانه وتعالى حكاية عنهم {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}، بل غالب سور القرآن وآياته متضمنة لنوعي التوحيد، بل القرآن من أوله إلى آخره في بيانهما وتحقيق شأنهما، فإن القرآن إمَّا خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله فهو التوحيد العلمي الخبري، وإمَّا دعوته إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي..." ا.ه والشيخ البيجوري في كتابه (جوهرة التوحيد) في قوله: "وهو إفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته والتصديق بها ذاتاً وصفات وأفعالاً". والشيخ محمد متولي الشعراوي في كتابه (عقيدة المسلم), حيث قال تحت عنوان تنزية الربوبية والألوهية ص89: "وحينما يذكر الحق سبحانه المصدر الجامع لكل هذه المشتقات, وهو كلمة (سبحان الله) فيأتي باسم الجلالة مرة, ومرة يقول: (سبحان ربي) ويأتي بوصف الربوبية, ومرة يجيء باسم الموصول (سبحان الذي), ونحن نعلم أن (سبحان الله) عطاء الألوهية, و(سبحان ربي) عطاء الربوبية, (قل سبحان ربي) ... جاء بصفات الربوبية التي متعلقها للمؤمن والكافر.. أما عطاءات الألوهية فهي منهج العبادة وهي للمؤمن فقط... ومرة يأتي بالحديث الذي من أجله تحكم أنت بأنه منزه, وذلك في صلة الموصول بعد التنزيه (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا), (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً)... يأتي بالأشياء التي تشهد بأنه ليس مثلي, أو بالأشياء التي تخرق نواميس الكون." أ.ه." بل جعل الإمام الغزالي التوحيد أربعة أقسام أو مراتب كما في كتابه إحياء علوم الدين.
ولكني أزيد أن الأشاعرة أنفسهم قالوا بتثليث التوحيد إضافة لقول البيجوري وملا علي القاري, فقد ورد في كتاب شرح أم البراهين عند كلامه عن وحدانية الله أنها تشمل ثلاثة أشياء: "أحدها: نفي الكثرة في ذاته, والثاني: نفي النظير في ذاته أو في صفة من صفاته, والثالث: انفراده بالإيجاد والتدبير العام" ص116, كما قال بالتقسيم الثلاثي الإمام الشهرستاني (ت548) في كتابه الملل والنحل أيضاً, حيث يقول: "وأمَّا التوحيد فقد قال أهل السنة وجميع الصفاتية: إن الله تعالى واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته الأزلية لا نظير له، وواحد في أفعاله لا شريك له" الملل والنحل, ص42, دار الفكر. وقال كمال الدين بن أبي شريف في المسامرة شرح المسايرة: التوحيد هو اعتقاد الوحدانية في الذات والصفات والأفعال. أي إنه ثلاثة أقسام: توحيد الذات، وتوحيد الصفات، وتوحيد الأفعال, وقد يختصر الأشاعرة فيقولون: التوحيد اعتقاد عدم الشريك في الإلهية وخواصها..." نقلاً عن موقع (المستنير).
ولكني أقول إن مثل هذه التقسيمات إنما أخذت بالاستقراء والتتبع لا بالاصطلاح, كما يظن بعض السلفيين الذين أرادوا إثبات صحة تقسيم التوحيد, ولكن جعلوا هذا التقسيم اصطلاحياً, وللفرق بين الاصطلاح والاستقراء بون شاسع انظره في كتب الأصول, فنحن نجد في اللغة أن الكلام اسم وفعل وحرف, وفي أصول الفقه أن الحكم يتناول قضايا ثلاثاً كما في التعريف: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع.
ثم إن كان هذا التقسيم ابتدعه ابن تيمية –كما يزعم الأشاعرة- لكان الذين عاصروه وحاكموه أدانوه به ضمن ما أدانوه به من قضايا هي أقل من هذا بكثير كقضية الطلاق بالثلاث والتي كفروه بها, وعدوه مخالفاً لإجماع الأئمة الأربعة! ومن يقرأ موقف خصوم ابن تيمية لا يجد ضمن ما أخذوه عليه قضية تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أنواع, مما يدل على أمرين لا ثالث لهما؛ إما أن هذه القضية مما لا خلاف فيها, أو أنهم كانوا يجهلون رأي ابن تيمية فيها وهم من هم, حيث عدوا عليه حتى أنفاسه, وبحثوا له عن كل عيب, وتكالبوا عليه من كل حدب وصوب!
أما قول الوزير إن تقسيم التوحيد قسم المجتمع إلى مسلمين وكفار, وتكفير من يقول لا إله إلا الله –كما قال الوزير- فقد بينت هذا باستفاضة في مقالاتي بصحيفة الحرة, وبينت اعتقاد أن المجتمع المسلم معصوم من الشرك إلى يوم القيامة, هذا ما لا يقول به أحد من العلماء, وذلك للأحاديث التي تنهى عن الشرك أو التي تبين وقوع بعض مظاهر الشرك في المجتمع المسلم, ولكن يكفي أن أستدل بتفسير الرازي الأشعري في قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَاؤُلا ءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ) فيقول بعد كلام كثير عن عباد الأصنام: "ورابعها أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل, فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله تعالى ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله" ا. ه
أما القضية الثانية التي تناولها الوزير في لقائه, هي قضية الولاء والبراء, وقد جاء عنوان كبير في وسط الصفحة: "نعمل على تعديل مناهج التربية الإسلامية وحذف ما يتعلق بعقيدة الولاء والبراء", فهذا الكلام له من الخطورة ما له, ذلك إما أن عقيدة الولاء والبراء ليست من الإسلام, أو أنها من الإسلام ولكنها غير صحيحة يجب حذفها, ولكن كما أورد سيادته: أن لازم المذهب ليس بمذهب, فكيف يطالب الوزير –وهو سليل البيت السماني الياقوتي الصوفي- بحذف ما يتعلق بقضية الولاء والبراء من المنهج ونحن نجد (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ), وفي المقابل (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ), وقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ), وقوله (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)؟. ولكن -كما قيل- نحمل قول الوزير محمل الظن الحسن, فنقول إنه يريد أن يقول إن ما يعرض في المنهج ليس هو الفهم الصحيح لعقيدة الولاء والبراء, ولهذا نريد أن نحذفه, ولكن في المقابل نفسه عليه أن يطالب بإثبات ما يصح من هذه العقيدة, أما أن يخلو المنهج من عقيدة الولاء والبراء تماماً فهذا ما لا يقبله مسلم؟
وبخصوص ما ورد في الحوار من أن الإسلام يحترم الرأي والرأي الآخر, فماذا يعني الوزير بالرأي الآخر؟ هل الكفر رأي آخر من عقيدتنا احترامه؟ أم الشيوعية كما ورد في الحوار هي الرأي الآخر الذي نحترمه؟, ثم تزداد الدهشة من كلام الوزير عند كلامه عن الشيوعية في إجابة سؤال محاوره: هنالك شيوخ على المنابر كفروا آخرين, مثل الشيخ محمد عبد الكريم الذي كفر الحزب الشيوعي, فقد قال الوزير: "إذا كانت المسألة في إطار الأفكار فالدولة لا تتدخل, أما إذا كفر الناس فتوجد لوائح تنظم عمل المساجد, وتمنع أن يصعد المنبر شخص ويكفر الآخرين", فمن هم الآخرون سيادة الوزير؟ أليس السؤال عن الحزب الشيوعي؟, فما عقيدتكم سيدي الوزير في الشيوعية والانتماء إليها؟ هل هذا من باب حرية الرأي الذي لا تتدخل فيه الدولة؟ فهل الدولة المسلمة لا يجوز لها أن تمنع أي فكر أو عقيدة تخالف الدين الإسلامي, وإن كانت تدعو للإلحاد وتجند الناس إليه, بل وتحارب الإسلام كما فعل ياسر عرمان الذي كان ملكاً أكثر من الملك عندما طالب بحذف البسملة من اتفاقية السلام بين الحكومة وقرنق؟, وأنت سيدي الوزير تعلم أن الإسلام فيه تكفير, إما تكفير أصلي ككفر فرعون وهامان وأبي لهب نص عليه الشرع من كتاب أو سنة, أو تكفير طارئ كالردة والنفاق الاعتقادي, وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة, وهذا النوع قد وضع له العلماء ضوابط وشروط وموانع, ولم يتركوا الأمر سدىً, فسيدي الوزير إن كنت تعني أن هناك من يحمل عصا التكفير دون ضوابط وشروط, فهذا مما لا يختلف فيه اثنان تجب محاربته, يشترك في ذلك الصوفية والسلفية, وإن كان من الطرفين من يحمل عصا التكفير ضد الآخر, فهذا يحتاج فيه للحوار بين الطرفين والدعوة بالحسنى.
أما قول الوزير: " مثلاً ما يتعلق بتقسيمات التوحيد, وهذه الجزئية محل اختلاف بين الفقهاء, خاصة عندما نصف الحاكم بالطّاغوت وتُحدد له فكرة (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ...), وتحصرها في الحاكم فقط, وليس كل شخص مكلف بالأمر الإلهي", أقول لعلّ الوزير لم يطلّع على كتاب التربية الإسلامية الذي ورد فيه ذلك القول, وإنما اعتمد على نقل ناقص ممن له غرض, فقد ورد الكلام عن الحكم بما أنزل الله في كتاب الفقه للصف السابع ص (47) وما بعدها الطبعة 2009م "لا يجوز لمسلم أن يُعرض عن حكم من أحكام هذه الشريعة ويحكم بغيره أبداً, ومن يفعل ذلك كان كافراً أو فاسقاً أو ظالماً, كما يصفه القرآن الكريم, قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ), (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ), (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ), فالحكم بالشريعة ملزم للحاكم والمحكوم, فكلاهما مسؤول أمام الله تعالى, ومحاسب على أعماله وتصرفاته, فكما لا يجوز للحاكم أن يحكم بغير ما أنزل الله تعالى, كذلك لا يجوز للأفراد أن يتحاكموا إلى غير ما أنزل الله وإلا كانوا كالمنافقين..." ا. ه فأين هذا من قول الوزير: " خاصة عندما نصف الحاكم بالطّاغوت وتُحدد له فكرة (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ...), وتحصرها في الحاكم فقط, وليس كل شخص مكلف بالأمر الإلهي"؟
أما ثالثة الأثافي, وهي قول الوزير عندما سئل عن الجهاد, فقال: "نحن نؤمن بأن الجهاد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الراشدين كان من أجل درء الحرابة, ولم يكن لدرء الكفر, ولم يكن لفرض الإيمان قسراً, وهذا أمر تحكمه الكثير من الآيات, وما يحدث هو عبارة عن عيوب دخلت على فهم الناس" ا.ه فأقول هذه كبوة كبيرة من الوزير –وهو من هو من حيث العلم والفهم- فكيف فات عليك أيها الوزير أن هناك فرقاً بين جهاد الحرابة وجهاد الكفار, فالحرابة اعتداء سراق قطاع طرق على آمنين, وجهاد الكفار معلوم ضد قوم كفروا وصدوا عن سبيل الله, فكلا الحرابة والكفر أمر مطلوب درؤه, لا سيما درء الكفر, كما القاعدة الأصولية التي تناولها مؤتمركم المقاصدي أن الشريعة الإسلامية جاءت لجلب المصالح وتكميلها ولدرء المفاسد وتقليلها, فلا مفسدة أكبر من مفسدة الكفر, وما جاء الإسلام إلا ليقر ديناً واحداً لا يقبل غيره, وهو الإسلام, فقد قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ), وقد فسر العلماء الفتنة بالكفر والشرك, راجع التفاسير في ذلك, بل من أسماء النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) الماحي الذي يمحو الله به الكفر، بل من علامات الساعة نزول المسيح عليه السلام الذي سيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقيم الإسلام, فكيف بعد هذا يقول الوزير إن الجهاد ليس لدرء الكفر؟ يكفي أن أذكر الوزير ببعض ما ورد في تفسير الآية (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ), فقد ورد في تفسير الإمام النسفي: "(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ) إلى أن لا يوجد فيهم شرك قط (وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ) ويضمحل –يعني يدرء أخي الوزير- عنهم كل دين باطل ويبقى فيهم دين الإسلام وحده..." ا. ه, فدرء الكفر لا يعني إكراه الناس على اعتناق الإسلام, فالإسلام يدرأ الكفر بكل وسيلة, وجهاد القتال وسيلة من وسائل درء الكفر, وكان من شعار النبي (صلى الله عليه وسلم) عندما فتح مكة قوله تعالى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً), وما نزلت سورة التوبة أو براءة إلا للتبرؤ من الشرك, ودحره, لا احترامه كرأي آخر, كما قال الوزير, فالإسلام لا يحترم الشرك, ولا يقره, وإن الله لا يدعو لإكراه الناس على الدخول في دينه الحق.
ثم سيدي الوزير ما الحكم فيمن يخرج لنصرة إخوانه المستضعفين كما هو الحال في إفريقيا الوسطى أو مالي أو فلسطين, هل هذا جهاد؟ أم الجهاد فقط محصور على أهل تلك البلاد, وهل من ناصرهم ليس بمجاهد إلا أن تأذن له دولته؟ أم هم خوارج كما ورد في قياسك بالخوارج, كان عليك أخي الوزير أن توضح الفرق بين قتال الكفار واستنصار المستضعفين بإخوانهم المسلمين في البلاد الأخرى, وبين تلك الهمجية التي يمارسها من يدعون الجهاد ويقتلون الأبرياء ومن هو على الإسلام؟
عوض إبراهيم بلال
معلم بالمرحلة الثانوية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.