مدينة مليط تعتبر أكبر ميناء بري في السودان تتميز بجمال سهولها وجبالها وطبيعتها الخلابة وهي ملهمة الشاعر الكبير محمد سعيد العباسي في قصيدة تعتبر من عيون الشعر العربي التي نظمت في مدينة كانت تمثل شرياناً يمد شمال دارفور بكثير من احتياجاتها بل كانت تمثل واحة يتفيؤون ظلالها الوارفة عندما تلفحهم الشمس بهجيرها اللافح ويهربون إليها عندما يبحثون عن الراحة والسكينة والهدوء والمدينة كانت مقصداً يجمع كل أهل المنطقة . ولكن المدينة الساحرة أصابها ما أصاب الولاية من تمرد لعين سفك الدماء وروع الأبرياء وأحال فجر المدينة الجميلة إلى ليل دامس طال وتأخر ظلامه وضوؤه . أخذت القوات المسلحة على عاتقها حماية الأبرياء والذود عن أرض الآباء والأجداد مدينة مليط بعدد من الكتائب لتحميها من دنس التمرد وتفلتات الخارجين . الكتيبة 123 التابعة للفرقة الثانية حطت رحالها كغيرها من كتائب القوات المسلحة في 2012م بقيادة قائدها الهمام المقدم عبد الرؤوف آدم محمد . الكتيبة كانت مثالاً للضبط والربط وتميز أفرادها بالحلف القويم والأدب الجم والعمل بكل جد ونكران ذات لحماية المدينة وبذل كل ما في وسعهم ونجح مسعاهم في ذلك لم يكن يعكر صفو المدينة شيء بل ظلت المدينة هادئة لا يقترب منها التمرد ولا يقربها طيلة عقد من الزمان. لم تكن الكتيبة 123 كتيبة عادية تدربت جيداً وظهر ذلك جلياً في روح أفرادها في حلهم وترحالهم وسعيهم الدؤوب لتأمين المنطقة كما تميز أفرادها بالتدين اللافت للنظر وظهر ذلك جلياً في ارتباطهم بدور العبادة وتلاوة القرآن وحلقات الذكر عقب كل صلاة . المقدم عبد الرؤوف آدم محمد شيخ الدفعة 42 الورع وإمامها صاحب الصوت الندي لم يكن المقدم عبد الرؤوف آدم محمد قائداً عادياً فحياته جعلها كلها وقفاً للآية " قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " الأنعام (162)كان بشراً سوياً لا يلحن في كتاب الله عالماً بواطنه لأنه كان دائم السياحة فيه اتخذه خليلاً وصاحباً لذا كان يرتله ترتيلاً بصوته الندي ونبراته الجميلة التي تجعلك تقف مشدوهاً أمام صوته العذب الذي لا تملك إلا أن تستمع إليه بقلب خاشع وطمأنينة ونفس كأنها وجدت ضالتها فيه يبدأ يومه دائماً قبل الفجر وقت السحر يتوضأ ويتوجه إلى المسجد ينقطع فيه للصلاة والذكر والدعاء حتى صلاة الصبح بعد الصلاة ينتظر في مصلاه مؤدياً أذكار الصباح ويجلس حتى تشرق الشمس ليؤدي ركعتين لينال أجر العمرة والحجة. كان دائماً يغتنم النفحات ويتعرض لها يسابق إلى الخيرات وفعل الطاعات يصوم أحياناً ويمتنع عن الطعام والشراب الحلال باحثاً عن الأجر العظيم . لابد من صنع الرجال ومثله صنع السلاح , وصناعة الأبطال علم قد دراه أولي الفلاح , لا يصنع الأبطال إلا في مساجدنا الفلاح , في دوحة القرآن في ضل الأحاديث السحاح , شعب بغير عقيدة وورع تذروه الرياح , من خان على الصلاة يخون حي على الكفاح وحتى مائدته لم تكن تزخر بألوان الطعام والشراب كانت عاديه جداًً لا يتميز عن مائدة أفراده حتى كان زاهداً لدرجة ترفعه إلى مصاف الصالحين والأتقياء . كان متميزاً في كل شيء تواضع في غير ذل وترفع في غير كبر، يسحرك بقيادته الرشيدة وصوته الهادي ونبراته الواثقة لا يبحث عن الدنيا وبريقها الزائف ولاعن زينتها. وإنما كان كل همه حماية دينه وعرضه . عبد الرؤوف آدم محمد الزاهد العابد انبرى للمارقين والخونة عندما جاءوا بقبائلهم بركبهم وركابهم يمنون أنفسهم بنصر زائف وخاطف جاءوا ليروعوا الآمنين ويسلبوا الناس الطمأنينة والأمن انبرى الفتى الأشم عبد الرؤوف آدم محمد إلى هذه الفئة المارقة عليها من الله ما تستحق . انبرى بكل جلد وثبات يوزع أفراده يدير معركته يسد ثغراته نجده مرة في المواجهة الشرقية وعندما يطمئن على الموقف يذهب إلى مواجهة أخرى ليطمئن جنده ويوجههم ويقف عليهم بقلبي سأرمي وجوه العدا **** وقلبي حديد وناري لظى وأحمي بلادي بحد الحسام **** ليعلم قومي بأني الفتى يسد المنافذ ويغلق الثغرات يحمل روحه علي كفه لإيمانه العميق بالمسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقه وحماية الدين والعرض . أثقم الأعداء طعناً *** سيفه يهوي الطعان في سبيل الله يرمي *** رمية ترويه شانا في جنات الخلد يلقى *** ربه فالوقت حانا أمانة حملها بكل تجرد ونكران ذات بكل ثبات ورباطة جأش كيف لا وهو الزاهد العابد التقي الورع ولأن الموت غاية كل حي . أينما كنتم يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ولأن الشهداء في حواصل طير خضر . الآن صلى صاحبي ومضى بعيداً ... صلى ومات لا لم يمت فالموت يشهد أنه مازال حياً في القلوب وفي الشوارع والأزقة والطيور بالقناديل الجميلة وفي ابتسامات الطفولة وفي العبير في جدائل طفلة مرت على حوض الزهور ولأن الله يصطفي إليها الناس اصطفاء تحسب أن عبد الرؤوف آدم محمد الآن من الشهداء سقط البطل مضرجاً بدمائه وروى بها ثرى مليط لم ينحنِ لم ينثني لم يلن . لله دره وتقبله قبولاً حسناً سيرة عطرة وتاريخ تليد يشهد به كل أهل مليط الذين توافدوا زرافات ووحداناً ليدفنوك في أرضها الطاهرة . فأهالي تبرا لم ينسوك مازالوا يذكرونك مازالوا يذكرون حسن صنيعك . عندما أعلن بناء المستشفى الذي دمره التمرد عندما تبرع جنودك بأدويتهم للمستشفى . وعندما أرجعت المواطنين إلى قراهم بل عملت إلى أبعد من ذلك فمن يتحمل عبء سقايتهم من تناكر الكتيبة ولأنه رحيم والراحمون يرحمهم الله فعادت إلى المدينة الحياة وعادت إلى الوجوه البسمة وعلتها البشرى والفرحة . أهالي كرياري كذلك مازالوا يذكرونك بالخير ولأن هذا ديدنك في كل أرض تقيم فيها تترك الذكرى الحسنة. ألم أقل أنك بشيراً سوياً لا نزكيك على الله ولكن نذكر الأجيال بك. ياشهيداً أنت حي *** ما مضى دهراً وكان ذكرك الفواح *** ماحيينا في دمانا أنت بدر ساطع *** خالداً فيها مصان