من أمثال العرب أن المرء مخبوءٌ تحت لسانه.. ومما أُثِر عن أمير المؤمنين أبي حفصٍ عمر بن الخطاب أنه كان يقول للرجل تحدث حتى أراك.. أمس وأمس الأول كانت الخرطوم تتحدث.. وكان الناس يخرجون من المخابئ ويخرجون من تحت ألسنتهم فيخرجون من دين الله مع الخارجين أفواجا.. ومنابع التقوى وينابيع الورع عند هيئة علماء السودان هي ما يعصمهم ويدفعهم إلى إعمال الفقه والورع وضبط الفتوى قبل الإفتاء وإطلاق كلمة الكفر على إطلاقها وإنما قصرها على تكفير الفعل والقول الخارج مع الخوارج من تحت الألسنة وتنأى بنفسها عن الأسماء والشخوص.. هيئة علماء السودان تطلق طاقية الكفر في هواء وسماء فجر كمبالا وفجورها القديم وفوق رؤوس الكفر فيها من الخارجين تحدثاً من تحت الألسنة والمخابئ، فمن وجدها على مقاسه فليلبس.. هيئة العلماء تخرج من تحت لسانها لنراها فتقول إن فصل الدين عن الدولة وعزله عن الحياة كفر.. ومن دعا إلى ذلك فقد دعا ... وتستطرد هيئة العلماء بلسان عربيٍ مبين.. من شاء أن يؤمن فليؤمن ومن شاء فقد شاء... ومن يشاقق... ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى.. وهيئة العلماء تكتفي بهذا الموجز.. لكن من وسائل الإعلام من يوافينا بالأنباء بالتفصيل ويفصّل الفتوى «قميص عامر» على مشايخ الفجر الجديد والرفاق السلفيين من رفقاء الدرب والمصير المشترك الواقعين على أضواء الحدث الموقعين على الوثيقة مع الضاربين بكل أبيض مخزمٍ الطاعنين مجامع التوحيد والعقيدة.. ومن وسائل الإعلام من يستنكف أن تُكفّر «علماء السودان» حتى من يجاهر بكلمة الكفر فيمارس عليها إرهاباً فكرياً ويسعى لتبرئة ساحة الداعية لله عقار ورجل البرّ والتقوى عرمان عن تهمة الكفر داعياً لله في ثياب الواعظين مؤكداً بما لا يدع مجالاً للشك أن الله غفورٌ رحيم..! ولعل هيئة العلماء وأئمة الناس وعامتهم قد سمعوا بالحديث الشريف.. إذا رأيتم الرجل يرتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان.. ولعل هيئة العلماء وأئمة الناس وعامتهم قد رأوا الحاج علي عثمان محمد طه.. والحاج آدم يوسف يرتادون ويترددون على المساجد ما يجيز في حقهم شهادة الإيمان.. ولعل من الفقه الميسر أن في الخروج على ولي الأمر المشهود له بالإيمان وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فيه من الكفر ما في نفوس أهل النحو من حتى.. لكن ليس من علماء الهيئة ولا أئمة الناس ولا عامتهم من يرى في اتّباع أهل الهوى المتّبع للتابعين للداعية لله عقار ولا رجل البرّ عرمان من الإيمان شيئاً من حتى أو شيئاً مذكورا.. والشيخ الرفيق يزعم «زعماً لعمر أبيك ليس بمزعم » أنه فيما كان حاج علي وحاج آدم يرتادون المساجد فإنه كان يرتاد كمبالا ليس للتوقيع وإنما لضبط الصولفيج الإيقاعي والدوزنة بين الحكومة والجبهة الثورية، و«لتوحيد» دندنة السيمفونية الموسيقية بينهما، وكان يرى ما يرى في العزف على أوتار الموسيقا وكيف أنها مزامير الشيطان ويجرّم اللعب على الطقاطيق والزنابير.. ثم الشيخ الرفيق يعود ويؤكد في محادثة تلفونية «من مخبئه» أنه لم يوقع ولن يوقع على علمانية الدولة.. ولا على فصل الدين عن الدولة..! ويؤكدويشدد أنه وقَّع على الوثيقة ساكت..! ما يؤكد أن الشيخ بتكلم ساكت.. والشيخ الرفيق يذكرنا بحكاية رجل يدّعي أنه نباتي لا يأكل اللحم.. كان الرجل يؤكد أنه لا يأكل اللحم.. لكنه ممكن «يغمّس أو «يدغمس» في المرقة ساكت..».. ثم يعلن أنه لا توجد علاقة بين اللحم والمرق..! وأن محاولة الربط بين «اللحم والمرق» ما هي إلا متاجرة رخيصة بالدين مما برع فيه المؤتمر الوطني! وإلا فما هي العلاقة بين الدين والدولة؟ وما دخل اللحم في المرق؟ وإذا كانت الجبهة الثورية قد وقعت على فصل الدين عن الدولة.. و«شربت» المرق وتركت اللحم فهل تكون مرقت عن الدين أم مرقت عن اللحم؟ أم مرقة ماجي؟.. وغايتو جنس دغمسة.. تخريمة: عندما تحلق أهل القرية حول الضيف وضعوا أمامه إناءً به شيء من المرق.. أمسك الضيف بالإناء و«كركع» كل ما فيه من المرق وأنزله فارغاً.. اغتاظ أحد الطامعين في شيء مما في الإناء من «شراب الضيف بي كركعه» فسأله سؤالاً تجريمياً: ماذ تسمّون المرق في بلادكم..؟ فرد الضيف: نسميه السخين.. فسأل الرجل: أعني عندما يبرد: فرد الضيف رداً حاسماً: في بلدنا لا ندعه يبرد.. كنا نتوقع من الشيخ أن يترك التوقيع يبرد قليلاً.. فإذا بالشيخ يكركع..