إن غياب التدريب في أحزابنا السياسية الكبيرة للشباب يحول دون صناعة ساسة متميزين في المستقبل . أحزابنا لا تعرف التدريب ولا التأهيل . إن وجود السياسيين مهم في حياة الشعوب فهم يلعبون أدوار بارزة ، ونقلات وتحولات نوعية في حياة الأمم . عالم السياسة كغيره من المجالات الأخرى يحتاج التدريب . السياسة تحتاج صقل وتجارب وخبرات تراكمية . أحزابنا لا تمتلك رؤية للمستقبل أو برامج طموحة ولابرامج حقيقية . هي أحزاب ذات أفكار قديمة ورؤى متهالكة عفا عليها الزمان .وبعضها بدون قواعد رئيسية في الشارع . يمكن أن تكون واحدة من مشاكلنا الحالية هي غياب السياسيين المحترفين . هذا السبب ربما يكون وراء كل فرقتنا وحروبنا وكثير من مصائبنا التي حلت علينا. فالهجرة إلى عالم السياسة التي تشهدها بلادنا اليوم من أطباء وبيطريين وزراعيين وقانونيين واقتصاديين ومعلمين. حيث أصبحت السياسة مهنة تمتهن فهولاء حتى ولو كانوا مبرزين في مجالاتهم وتخصصاتهم . إلا أنهم يفتقدون التجارب في عالم السياسة . عالم اليوم يشهد للاحترافية في كل شيء. حيث يصبحون كالمهاجم في كرة القدم الذي يفتقد الحساسية للشباك . صناعة السلام ووقف الحروب وفن الحوار والتفاوض والتنمية ورقي الأمم وازدهارها واعتمادها على ذاتها يتوقف على وجود سياسيين يصنعون تلك الأشياء . السياسيون هم ليس دائما المتغولين على الإدارة . وليس هم دائما المعقيين للتنمية بل ربما يكونوا صناعها . هولاء هم السياسيون المحترفين الذين أتوا لدنيا السياسة بعد تدريب وصقل فتكونت لديهم محصلة ثرة من الخبرات التراكمية . لا أثر لساستنا ولا دور في الأحداث ا لإقليمية أو القارية .. وربما لم يسمع بهم أحد. نحتاج سياسيين من أمثال الأزهري الزعيم ومحمد أحمد المحجوب ودوره في المصالحة الشهيرة بين الزعيم جمال عبد الناصر والملك فيصل .ومؤتمر اللاءات الثلاثة . مؤتمر اللاءات الثلاثة الذي يعد من المؤتمرات المميزة في سجل القمم العربية فهذه هي صناعة الأحداث . نحن نفتقد لثقافة الحوار وتقبل الآخر وما تشهده جامعاتنا أكبر دليل على ذلك فكان العنف الطلابي بما شهدته الجامعات من ضرب وقتل راح ضحيته كثير من الطلاب صغار السن وصغار التجربة وحرقت قلوب أمهاتهم وأهلهم عليهم . نحن ننقل تجاربنا بكل أخطائها من جيل لجيل فالعنف الطلابي الذي كان من سنين عدة في جامعاتنا مازال مستمراً . مسئولية من ما يحدث هذا ؟ مسئولية أحزابنا مجتمعة بما فيها الحزب الحاكم .اذ لم تعلم شبابها ومستقبلها فن الحوار وتقبل الآخر بل علمتهم الرأي الواحد وكل من يخالف ذاك الرأي هو خائن . كان الرأي الواحد حتى داخل الحزب الواحد . تتضاعف مسئولية الحزب الحاكم لأنه الممسك بمقاليد الأمر في البلاد كان لأبد أن تكون له مبادرات في هذا الجانب في نشر ثقافة الحوار وروح التسامح . أحزابنا لا تملك خطط للعمل وبالتالي فليس لها سياسات . الذي لا يملك خطط فهو بالتالي لا يملك سياسات لتحقيق هذه الخطط . نحن نحتاج الإجابة على عدة أسئلة منها : ماهو موقع الشباب في برامج الأحزاب السياسية . كيفية حل أزمة العمل السياسي للطلاب بالجامعات . دور الصحف الحزبية في قضايا الإصلاح السياسي . نجد بعض الدول تسنح فرص لتدريب الطلاب والشباب في الأحزاب السياسية الكبيرة . يتعلمون كيفية اتخاذ القرار وفن التفاوض والحوار وتشكيل الرأي العام.والمشاركة في تصميم الحملات الدعائية والانتخابية والتواصل مع الناخبين . تعزيز القدرات من أجل تنمية المشاركة السياسية للمساهمة في العمل الديمقراطي ومهارات الاتصال. فأين أحزابنا نحن ؟. غارقة في الانقسام والانشطار ، والفرقة والاختلاف الذي تتسع دائرته كل صباح جديد وتعددت لكل حزب كما يقولون أجنحته الملونة . لكن رغم ذلك كله تظل الأحزاب السياسية هي الخيار الأنسب للتعددية ، وأفضل من صور قبيحة أخرى للممارسة السياسية كالقبلية . مع التحفظ للعددية الكبيرة لتلك الأحزاب .مع العلم أن هناك بعض هذه الأحزاب الصورية .يمكن أن تتوحد بعض هذه الأحزاب في حزب واحد كما يحدث في كثير من دول العالم . ينبغي على هذه الأحزاب أن تتطور من نفسها ، وتفسح المجال لتدريب الشباب ولها أن تعلم أن التدريب في عالم اليوم أصبح الخيار الأوحد في كل المجالات .ولها أن تدرك أن الثقافة هي الأساس الذي يبنى عليه كل شيء في عالم اليوم . الثقافة والعلم التي تجعل من شاب مثل أليكس دي وال خبير في الشئون السودانية يذهب إلى أشياء لا نستطيع نحن أنفسنا إنكارها من أن ثقافة المقايضة وثقافة إعادة المفاوضة السائدة في الثقافة السياسية السودانية تجعل أي ترتيب سياسي في السودان هو ترتيب وموقف مؤقت. يذهب إلى أن هذا ينسجم مع مبدأ تأجيل أي اتفاق نهائي حول الإجراءات التي قد تقود إلى صراع لايمكن إبطال مفعوله . معرفته بالشأن السوداني جعلت منه مستشاراً للإتحاد الأفريقي يستعين به في المحادثات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية قطاع الشمال بأديس أبابا . قبل انفصال الجنوب كتب أليكس دي وال : يرى كثير من السودانيين وكثيرون من المجتمع الدولي في جعل الوحدة جاذبة ممارسة لتغيير الرأي العام الجنوبي عبر تقديم التنمية الاجتماعية الاقتصادية ، وتقديم الخدمات للجنوب . ليس من المرجح أن يحدث هذا في الأشهر المعدودة المتبقية قبل التاريخ المجدول فالحكومة تشكو من أن المجموعة الدولية لم تفي بوعودها لما بعد اتفاقية السلام الشامل ، لاسيما فشلها في تقديم المساعدات التنموية الموعودة ورفع العقوبات الإقتصادية التي كان يمكن لها أن تسمح بالاستثمار التجاري. إن المشاريع الممؤلة دولياً قد لا تكون هي في حد ذاتها قوة دافعة من أجل الوحدة لأنها جزئيا لا تأتي من الخرطوم، وجزئيا لأن شكل تقديم العون الدولي للجنوب يتعامل سلفاً مع الجنوب باعتباره منفصلاً في الواقع عن الشمال. فهل شجعت أحزابنا شبابها ونمت فيهم روح البحث في مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية والارتقاء بالممارسة السياسية .وبناء السلام الاجتماعي .