محمد سعيد شلي الرميات التي اشتهر بها الفنان الراحل عثمان اليمني تعد واحدة من (المفاتيح) التي لعبت دورا كبيرا في انتقال أغنية الطنبور من المحلية إلى القومية.. جمعت رميات ود اليمني بين الطرافة والحكمة والموعظة ومنها رمية الجواب، أي الخطاب للشاعرة الشعبية بت نعمي التي تقول فيها: أساهر ما بنوم والجمبي نايمين.. وحاسي لا ساعة السحور يا ربي أروح وين؟ قمت لا طلع الوقت لا شافت العين.. مرق على جدودي الجملة راقدين.. الفوقو بنيي والتحت القبب الاتنين.. وسبعة رايات ندر شايلها بالدين.. تجيبو الغايب التمالو حولين.. لا جوابا منو لا رسلي مليم.. شوفو سابت عقلو ولا من المجانين.. .. وتلاحظ عزيزي القارئ أن الشاعرة وصفت جدودها بالراقدين ولم تصفهم بالموتى وهو وصف فيه أكثر من دلالة ومعنى.. ويذكرني هذا الوصف على الصعيد الشخصي بعمتي ليبة بت أحمد التي كنا نرافقها ونحن أطفال لزيارة الأضرحة في البلد وكانت تنبهنا لخلع أحذيتنا تأدبا وأن نلزم الصمت والهدوء ونحني ونحن نقترب من مدخل الضريح وكأننا ندخل على ملك أو صاحب جاه عظيم والويل كل الويل لمن يتجرأ ويمد يده ويلامس خرزة أو راية وغيرها من الأشياء المعلقة على سياج الضريح. وقصيدة الكلبة واحدة من (أعمال) ود اليمني التي وجدت تجاوبا في الشارع السوداني لما فيها من الطرافة والسخرية.. وهذه القصيدة أشبه بقصيدة عن الصبرة والصبار نوع من الثعالب إن لم تكن هي ذاتها والخبر اليقين بطرف صديقنا الدكتور ود الريح.. اطّلعت على قصيدة الصبرة في كتاب عن الشعر الشعبي عند الرباطاب للدكتور الطيب علي أبو سن وهي تحكي عن مزارع خلع عمامته وتركها بجواره في الحقل فأتت صبرة وفي غفلة منه لفحتها وجر إلى الجحر حيث تقيم.. صور الشاعر بخيال خصب وبأسلوب ساخر كيف أن الصبرة وقد استلقت على قفاها أمام الجحر بعد أن لفت العمة بعناية على رأسها وحدرتها -أي أمالتها قليلا إلى الأمام- وخلفت رجلا على رجل علامة الغطرسة والاعتداد المطلق بالنفس. والفنان الراحل عثمان عبد الرحمن من المبدعين الذين ينحدرون من أصول يمنية، وكان لهم الأثر الواضح في دفتر الغناء والشعر في السودان منهم الشاعر المخضرم حسين بازرعة والفنان الطيب عبد الله.. والرميات التي أدخلها ود اليمني في أغنية الطنبور قصد بها ابتكار إضافة جديدة في هذه اللونية تختلف من الطريقة التقليدية التي كان من أساطينها الفنان النعام آدم. وهناك ملاحظة بِشأن أغنية الطنبور والمرتبطة بقبيلة الشايقية، فإن أثنين من أبرز فناني الطنبور لا ينتميان أصلا لهذه القبيلة، فإلى جانب ود اليمني فالفنان النعام آدم من قبيلة الهواوير، وهي قبيلة عربية رعوية حديثة عهد بالاستقرار ويسكنون بجوار البديرية الدهمشية والشايقية وتحديدا في مناطق الكربة وأرتموقة ووادي المقدم، وهذا الوادي تمر من خلاله مياه السيول القادمة من كردفان في طريقها للنيل.. ومشروع وادي المقدم الذي قرأنا عنه, خصصه الإنجليز أصلا للهواوير لسقي حيواناتهم تجنبا لنشوب أي احتكاك مع القبائل الزراعية المستوطنة على شاطئ النيل. غنى عثمان اليمني لمجموعة من الشعراء منهم عبد المنعم أبو نيران, حسن الدابي, إسماعيل حسن, إبراهيم ابنعوف ومحمد جيب الله كدكي. استمعت قبل أيام لقصيدة للشاعر كدكي صور فيها بأسلوبه المعروف حسرته ومغصته على هاتفه الذي سرق.. حشد في القصيدة مفردات وعبارات تمنّى من خلالها أن يصاب السارق بكل صنوف المرض والمصائب.. وتكاد القصيدة أن تكون صورة طبق الأصل في أسلوبها لقصيدة للشاعر خليفة الماحي الذي سرقت عصاه فأقام الدنيا ولم يقعدها.. وقصيدة العصا المسروقة نظمت على نهج قصيدة يا رحمن أرحم بي جودك دلي الغيث ينزل في بلودك – للمادح حاج الماحي والتى ناشد فيها أهل الصلاح والفقراء بالقضاء على التمساح الذي منع الناس من الورود للبحر.. ومن أبيات قصيدة العصا المسروقة: (جيت وقيعك يا ودشمة.. تشوفلي عصاتي الراحت ضمة.. إن شاء الله الشالا تصيدو الحمة تعجل قتلو عديم الذمّة..).. النص الكامل للقصيدة, خفيفة الظل, في كتاب "صور وحكايات من تراث الشايقية" للفنان والباحث عبد الرحمن بلاص.. متع الله الفنان بلاص بالصحة والعافية.. والرحمة والمغفرة للفنان ود اليمني.. وخربانة أم بنايا قش..