تعلمت الغناء على ظهور الإبل..وهذا الموقف (...) هزاني.! حوار: سعيد عباس/ تصوير: الطاهر إبراهيم ولج إلى الأجهزة الإعلامية الداخلية والخارجية منها وهو يحمل (ربابته) فعكس ثقافة أهله البجا بلونية متميزة ومتفردة بشكل مميز وملحوظ، وبرع في عزف آلة العود كأفضل ما يكون ومزج ما بين الغناء الحديث والحقيبة بعد أن برع في تقديم أغاني وتراث البجا وتميز ببداهة أهل الشرق وخفة دم (الادروبات)، وهوكذلك رجل لا تخلو عباراته من (النكتة) التلقائية والتعابير الدرامية بجانب معرفته المتعمقة بثقافة أهل الشرق وتخصصه الجم في قبائل (البجا) في حلّهم وترحالهم ومعرفة تقاليدهم وأحوالهم.. التقته (السوداني) ضيفاً عزيزاً على صفحاتها في الحوار التالي..فكان (يحيى أدروب) وكانت الكثير من المتعة حاضرة معه. *حدثنا عن بداياتك الفنية..؟ بداياتي الفنية كانت من أعلى مكانة وأعظم مقعد لأني بدأت أغني وأدندن من أعلى ظهور الإبل متحسساً طريقي عبر البيد والصحاري يرافقني القمر ويلفني الليل وترشدني النجوم وعندها ابدأ أغني وأدندن على إيقاع مشية (العنافي) ودوزنة (اللجام) عند الشد والارتخاء. *تردد في الآونة الأخيرة أنك أصبت بداء السكري..كيف تنظم طريقة علاجك و طريقة غذائك..؟ ياشيخنا أنا ما بخاف من السكري دا ولا (خاتيهو في حساباتي ذاتو) وبضرب الباسطة والجاتوهات والبسبوسة بدون حسابات.! *لكنك تخالف بذلك نصائح الأطباء وتعرض نفسك للخطر..؟ أنا أحترم الطبيب وأستمع لنصائحه (مجرد استماع) لكن بعد ما أمشي منو بضرب الحلويات عااااادي وبرجع بعتذر ليهو بكل أدب.! *لكنك تعرض نفسك للمتاعب بهذه الطريقة..؟ ضحك وقال: حياة قصيرة وطاعمة وحلوة وممتعة خير من حياة طويلة ومملة.! *حدثنا عن الحالة الاجتماعية..؟ أنا الحمد لله متزوج من ثلاث نساء وأب لعشرة أبناء والآن مشغول بزوجتي الصغيرة التي تكبرها ابنتي الكبرى ببضع سنوات وبالي مع حفيدي ابن ولدي الذي يكبر ولدي الأصغر بعدة سنوات. *إذاً ماهو سر اهتمامك المتأخر بأسرتك والمفأجئ بهذه الطريقة بعد كل هذه السنين الطويلة وأنت في عالم الفن..؟ يمكن أن تسميها يقظة متأخرة وضرس عقل في فك شيخ مُسِن.!! *ماهو السر الذي جعل أبناء البجا نحيفي البنية رشيقي الحركة وخاصةً الهدندوة..؟ السر هوالطبيعة – فطبيعة طقسنا البارد جداً في الشتاء والحار جدًا في الصيف جعل من البجاوي مصارعاً بارعاً للطبيعة اكتسب من خلالها القوة والخفة والرشاقة فضلاً عن تناولنا لأكباد الإبل لعدة أشهر في الصحراء في هجير الصيف وزمهرير الشتاء لذا فقد اكتسبنا صبرنا من جمالنا وثباتنا من جبالنا ومرونتنا الحادة من سيوفنا كل هذه الأشياء جعلت من البجاوي شخصاً قوياً ونحيفاً ورشيقاً بعيدًا عن البدانة. * أنت في الآونة الأخيرة أصحبت قليل الظهور في أجهزة الإعلام..؟ المسألة متعلقة بشخصي فالإعلام لو ما جاني أنا ما بمشي ليهو. *لكن البعض يقول إنك أصبحت من فناني النظام الحاكم..؟ أنا أتعاطف مع أي نظام يقود البلاد إلى بر الأمان ولا أسبح ضد التيار السياسي، وضد تغيير النظام. *طالما أنك لا تحب التغيير فهذا يعني أنك شخص غير مؤمن بالديمقراطية..؟ لا أنا ديمقراطي لأبعد الحدود ولكن كثرة تغيير الأنظمة المتعاقبة غالباً ما يدفع ثمنها المواطن المسكين. *هل تم اقتيادك إلى قسم شرطة قبل هذا..؟ لا ولكن حدث وأن تعرض لنا طوف عسكري ليلي بعد مفاصلة 1999 وانزلوني من السيارة والساعة تشير إلى حوالي الثانية صباحاً بغرض التفتيش ونزلت وأنا أحمل آلة العود، ثم سألني العسكري ماذا تعمل فأبرزت له بطاقة اتحاد الفنانين وقلت له أنا فنان شعبي مؤتمر وطني فضحك وأفسح لنا الطريق. * لديك أي مهنة أو حرفة أخرى بخلاف الفن..؟ نعم أنا الآن أعمل بتجارة السيارات. * هل تعني أنك تركت الفن لتعمل (سمساراً)..؟ لا أنا لست سمساراً لأن السمسار هوالوسيط بين البائع الحقيقي والمشتري فأنا تاجر اشتري وأبيع من حر مالي وقت ما أشاء. *حدثنا عن موقف راسخ بذهنك حتى الآن..؟ أتي اليّ أحد الأشخاص في ديم عرب وطلب مني أن أغني في زواجه، وحلف بالقسم بأنه لا يملك مليماً، فوافقت وبالفعل ذهبت للحفل وقبل أن اصل إلى المسرح أتى إليّ شخص، وقال لي الفاتحة فخفت وافتكرت أن شقيقي (أونور) قد توفي في الزلزال آنذاك الوقت بالقاهرة ولكن علمت أن المتوفي هو والدي فمسحت دموعي وصعدت للمسرح وتماسكت وخشيت أن أعتذر لصاحب الحفل لخوفي أن يعتقد أنني رفضت الغناء لعدم وجود المال فكنت ألعن نفسي واحتقرها عند كل مقطع و(كوبليه) حتى إذا انتهى الحفل قذفت (بالمايكرفون) مما أثار غضب صاحب جهاز الصوت الذي همّ بأن يضربني وبعدها ذهبت لتلقي العزاء ولكن للصدف الغريبة جاء يوم زواجي الذي علمت فيه بوفاة والد ذاك الرجل الذي أقمت له حفل زواجه وبالفعل جاءني الرجل من المقابر مباشرةً دون أن يرجع لمنزل العزاء فقلت له (يازول) أمش حصّل ناس فراشك ديل. فقال لي علي (الطلاق) لوطردتني ماماشي لأنو المات قبل كدا في زواجي برضو كان أبوك فقلت في نفسي (كراع البقر جيّابه) وهذا الرجل الآن من أكبر رجال الأعمال و(المليونيرات) بالعاصمة.!! * إذا طُلب منك الغناء عالمياً ماذا تقدم..؟ علي الطلاق أقدّم غناء شوايقة بس. *لماذا الشوايقة تحديداً..؟ أولاً غناء الشوايقة يتسم بكل ماهو سوداني وماهو محلي فإذا أخذت الإيقاع تجده إيقاع (دليب) فهو إيقاع سوداني صرف وحتى الآلة الإيقاعية المستخدمة هي آله سودانية مية المية وهي (الشّتم) وبعض الآلات الإيقاعية السودانية حتى شكل الكورس بزيه السوداني من جلابية وطاقية ومركوب والنساء بثوبهم السوداني الجميل فضلاً على جزالة الكلمات المحلية بلكنة المنطقة ولسان أهلها. *بماذا توصي الفنانين المغنيين بلهجات "رطانة"..؟ أوصي بجمع الموروث "الراطن" وتنقيحة وتقديمه بصورة منتظمة حتى لا يندثر ذلك ويضيع. *ماذا تقول لفناني البجا تحديداً..؟ أولاً أنا لست بأفضلهم ولكني تميزت منهم بأن وجدت فرصتي وحظيت من الإعلام بالقليل من الاهتمام نسبةً لوصولي الخرطوم في زمن مبكر مع بعض الاجتهادات الخاصة لذلك أوصيهم بالاطلاع علي تاريخ التراث والقراءة. *كلمة أخيرة..؟ أولاً عذراً للقارئ الكريم على الإطالة وشكري الخاص لصحيفة (السوداني) ولمندوب الصحيفة على هذا الحوار.