د. محمد محمود إنكار النبوة وحرية نقد الأديان خالد موسى دفع الله ونهج الكتاب وميسمه الفكري تتردد فيه أصداء من الماركسية التي ترى الدين ما هو إلا اختراع بشري انتجته طبقة الملاك والبرجوازيين لقهر العمال وطبقة البوليتاريا، وعليه فهي جزء من تفسير إيدلوجية الصراع الطبقي ولعل عبارة ماركس المشهورة تدلل على ذلك وفق هذا الإقتباس: "Religious suffering is, at one and the same time, the expression of real suffering and a protest against real suffering. Religion is the sigh of the oppressed creature, the heart of a heartless world, and the soul of soulless conditions. It is the opium of the people. The abolition of religion as the illusory happiness of the people is the demand for their real happiness اضافة إلى الغلالة الماركسية، يكتسي الكتاب بتأثر فكري واضح لمنهج محمود محمد طه حيث يرد الكاتب أن سبب نجاح صناعة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم هو الانتقال من آيات الإسماح في مكة إلى آيات السيف بعد الهجرة إلى يثرب. مما أدى إلى استخدام العنف وإراقة الدماء لقهر المخالفين وفرض الإسلام بالقوة. وهو لا يتبني دعوة محمود محمد طه بتثبيت آيات الأصول ونسخ آيات الفروع حتى يعود الإسلام متسامحا ومتسقا مع دعوة الإنسانية وحقوقها وذلك لأن د. محمد محمود لا يؤمن في نظرته الكونية بالدين والنبوة والخالق. ينطلق الكتاب من فكرة مركزية مؤداها أن النبوة هي اختراع بشري وظاهرة إنسانية، وأن الله أو الإله لا يوجد البتة- تعالى الله عما يصفون- إلا في خيال النبي الذي صنعه. ولكن الكتاب يقرر أن النبوة بوحي من خيالها المطلق وتفاعلها مع المجتمع هي التي تصنع الإله، ووفق هذا الافتراض فإن النبي "صلى الله عليه وسلم" ليس نبيا أو مرسلا من قبل الله، بل قام عليه السلام باخترع هذه الظاهرة وإدعاء النبوة، وتقوم النبوة تلقائيا بصنع إلهها واختراع فكرة الله – تعالى الله عما يصفون- وبالتالي تنعدم عقيدة الإصطفاء السائدة في كل الأديان بما فيها الدين الإسلامي، إذ أن الله لا يصطفي الرسل من بين البشر. وكل ذلك وفق ما أسماه خيال النبوة. وحسب هذا الزعم الفاسد فإن النبوة ليست محض نشاط فردي فحسب بل تتضمن نشاطا اجتماعيا من قبل المؤمنين بالنبوة وبالتالي يتداخل نشاط الفرد الذي يدعي النبوة مع نشاط المجتمع الذي يحيط به. ويمتد خيال النبي فيصنع مجتمع المؤمنين، ويترتب على ذلك في أن يقوم خيال هذا المجتمع في علاقة تبادلية في تعزيز وتثبيت ونشر النبوة. ويزعم الكاتب أن نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن مجرد خيال خلاق بل صنعت لنفسها مؤسسة ذات دور سياسي واقتصادي وتشريعي. ويتوسل الكاتب لتبرير هذا الزعم الذي يجافي المنطق والعقل والحس السليم لتقسيم الكتاب إلى خمسة أبواب دراسية هي: البيئة والصعود، والمعارضة والرسالة والصناعة، وذلك عبر ثلاثة عشر فصلا. أعتمد الكاتب في مجال السيرة على ابن هشام، والواقدي وطبقات بن سعد. وفي التفسير اعتمد على الطبري والزمخشري والرازي، ولكن سرعان ما يكتشف القارئ المتفحص أن الكاتب ينتقي النصوص والاقتباسات من هذه المصادر ويعتمد كثيرا على روايات الإخباريين ويميل إلى مناطحة النصوص ببعضها البعض، وتوليد الجدل، مركزا على المطاعن الواردة في هذه الروايات. إن الكتب التي اعتمد عليها الكاتب كما ذكر كثيرون كتب أقدمها بعد 150 عاما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. وبالتالي فقد وقع الكاتب في خلط منهجي واضح لأنه يقيم وزنا نوعيا لروايات الإخباريين أكثر من آيات القرآن الكريم لأنها تخدم أغراض بحثه للتشكيك في مشروعية النبوة وتأكيد صناعتها البشرية. ولعل أول ما يبدأ به الكاتب لتأكيد فرضيته الخاطئة وهو يتناول بالتحليل بيئة النبوة هي أن الرسول صلى الله عليه وسلم صنع نبوءته متأثرا بالتراث الوثني في جزيرة العرب، وكذلك بالتراث اليهودي المسيحي وكذلك على الحنيفية التي كانت فاشية شيئا ما هناك. وهو يقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم نتاج شخصيتين وهي محمد صلى الله عليه وسلم التاريخي والآخر الذي أنتجته نظرية النبوة، ووفقا لذلك يعتبر أن ما عزز من ذلك هو ما أسماه الخيال القرآني. وهو بالتالي يرى أن القرآن محض خيال تم استخدامه لصناعة النبوة وهو يعمل بالتكامل مع خيال النبوة. ولعل أفضل رد نقتبسه من ذات مدرسته التي تعلي من شأن النظر العقلي أكثر من النص المقدس يقول حامد نصر أبوزيد بتعدد الثقافات العربية في جزيرة العرب قبل الإسلام، أي أنه لا توجد ثقافة عربية أو وثنية واحدة يمكن أن تؤثر على رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "ثقافة ما قبل الإسلام لم تكن ثقافة واحدة، ولم تكن حياة العرب قبل الإسلام حياة واحدة. كانت هناك حياة مستقرة في المدن، كما كانت الزراعة في اليمن. أي كانت الحضارة موجودة في الجنوب، وفي مكة كان هناك مجتمع مستقر ومحمي لأنه كان يقع على طريق التجارة حيث ازدهرت رحلات الصيف والشتاء. باختصار كانوا مجتمع تجّار، وليس مجتمع بدو فقط. إذن، كانت هناك ثقافة البادية، وثقافة المجتمعات الزراعية والتجارية، وهذه الثقافات هي أعلى من الثقافة البدوية التي تعتبر ثقافة بدائية إلى حد ما. والقرآن ينتمي بطبيعة الحال إلى ثقافة المجتمع المدني". وكثيرا ما يسعى الكاتب إلى استغلال اختلاف الروايات والتي تعكس ثراء في المادة التاريخية واختلاف المدارس الإسلامية في التفسير والتأويل إلى نسف مشروعيتها التاريخية، فمثلا يزعم بأن إختلاف الروايات الخاصة بالإسراء والمعراج تعزى إلى أن الخيال الإسلامي اختلق الإسراء كحدث منفصل عن المعراج. والمعراج حدث بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن المسلمين أحسوا بضرورة رفد مادة اللحظة التأسيسية بلقاء يتجاوز الأفق الجبريلي. ويقول إن اللحظة التأسيسية للنبوة المحمدية هي لحظة ميلاد الإله الذي ينسجم مع نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويصبح صوتها وصداها. في تناوله لرسالة الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (مثلت القصة والإسطورة عنصرا أساسيا من رسالة الرسول "ص").وهو يردها إلى عوالم الخيال المحض، ويمتد زعمه الفاسد ليقول إن القصص القرآنية مصدرها الأساسي هو التوراة من سفري التكوين والخروج، بالإضافة إلى التراث اليهودي وتراث الشرق الأدنى. وبذات القدر أثبتت الدراسات الدينية المقارنة الحديثة عن اختلافات كبيرة بين الأسفار الخمسة وبين القرآن في نظام التشريع والعقوبات، وذلك مما يدحض نظرية الكاتب في أن الرسول صلى الله عليه وسلم صنع نبوءته من التراث الديني اليهودي دون تحوير يذكر. الدكتور إبراهيم محمد زين في كتابه "فلسفة العقاب في القرآن" يشير إلى أنه رغم الارتباط الوثيق بين القرآن والأسفار الخمسة في موضوع التشريعات وفلسفة العقاب إلا أن القرآن يشير إلى ثلاثة أنواع من العقاب وهي: التشريعي، والعقاب الإلهي الشامل وحالة عقابية مؤقتة مثل التيه. أما في الأسفار الخمسة فلا يوجد عقاب أخروي البتة وهذا ينسف نظرية أن اليهودية تدعي أن دار المعاد هي دار جزاء وثواب. وحتى يطعن في شرعية الرسالة المحمدية فإنه يرد كل الأحكام والتشريعات والقصص في القرآن إلى التراث اليهودي المسيحي، بيد أنه يزعم أن القرآن استخدم المادة التوراتية بما يحقق أغراضه ما عدا قصة سيدنا يوسف. وحول العالم غير المنظور أو عالم الغيب يدعي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ورث المعتقدات الوثنية التي تؤمن بوجود عالم غير مرئي يضم الملائكة والشياطين وجعله جزءا من البنية الإعتقادية للإسلام. ويتهم الكاتب الإسلام بأنه دين عنف وأن مفهوم الإله في القرآن قائم على صفة الانتقام - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا-، ورغم تقريظ الكاتب للأستاذ الراحل محمود محمد طه إلا أنه يخالفه في أن عقاب النار سرمدي أبدي وليس لازمة مرحلية تصاحب النشأة القاصرة كما قال محمود في رسالته الثانية. وأشار إلى أن محمود ألبس القرآن ما ليس فيه وهو رفض مبدأ الخلود في النار. وفي تناوله للنعيم والجنة يقول إن صور النعيم الحسية جاءت في القرآن لتناسب ثقافة الرسول صلى الله عليه وسلم السائدة، مشيرا إلى أن وصف الحور العين في القرآن "فجعلناهن أبكارا"، جاء أيضا لأن الثقافة العربية تعلي من شأن البكارة والعذرية. وهو يميل في هذه التفسيرات إلى النزعة المادية الحسية. ويصل الكاتب إلى ذروة إدعاءته عندما يقول إن الإسلام بشكله الراهن هو في واقع الأمر جسم لم يحقق تماسكه إلا في سياق عملية تدريجية استندت على إختيارات العلماء واتفاق أمزجتهم ومصالحهم. وهو في هذا الزعم ينكر منطوق القرآن الكريم الذي يؤكد للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين أن الإسلام قد اكتمل نزوله ورضيه الله دينا للبشرية. يقول الله تعالى:" أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)".سورة المائدة. وتطور أشكال التدين وكسب المسلمين من الدين اختلف باختلاف هذه الكسوب ودورات التاريخ المختلفة واقضيته المتباينة.. لذا لا يفرق الكاتب في هذا الصدد بين الإسلام كدين أو كسب التدين أو سلوك المسلمين ويجعل اللاحق حجة على السابق.