الحريات الصحفية.. مواجهة في الهواء الطلق تقرير : محمد البشاري كان ثمة قلق تلحظه وأنت داخل المركز العام للمؤتمر الوطني قبيل انطلاق ندوة تتحدث عن الوضع الصحفي. القلق قد يكون آتيا من توقع الهجوم على السياسات الحكومية على العملية الصحفية هذه الأيام إذ انكمشت المساحة التي تتحرك فيها الصحف وصدورت بعض الصحف وتم إيقاف صحيفة الصيحة. وسط هذا المشهد عقدت أمانة الإعلام بالمؤتمر الوطني ندوة بعنوان "الحريات الصحفية وحدود المسؤولية" والتي لامست عبر مختصين موضع الجراح ووضع وصفة الحلول. حالة تخوف الطقس كان معتدلا نوعا ما، غير أن النقاش في باحة المركز العام للمؤتمر الوطني حول الحريات الصحفية والذي استعانت فيه بقانونيين وصحفيين للحديث بشأن الحريات الصحفية وتكييفها تكييفا قانونيا فضلا عن سماع آراء المختصين من الصحفيين أضفي على الأجواء سخونة زائدة. نقطة انطلاقة الحديث في المنتدى كانت عبر حديث الخبير القانوني معاوية أبو قرون الذي قال إن المخرج من المعضلات التي تواجهها الصحافة يتمثل في ضرورة الاحتكام لسيادة حكم القانون. الرجل أطلق دعوة لإعداد مشروع قانون لتنظيم مهنة الصحافة يشكل مخرجا من حالة الشد والجذب وحالة التخوف بين الحكومة والصحافة، ومضى أبو قرون للدعوة لممارسة الصحافة بمسؤولية، مشيرا إلى أن ممارسة الحرية الصحفية لها مقومات أبرزها وجود بيئة قانونية والتي قال إنها موجودة بنص الدستور ووجود قانون للصحافة غير أنه أقر بوجود بعض الملاحظات عليه بعد تطبيقه، مؤكدا أن بعض المواد في عدد من القوانين تتقاطع مع حرية الصحافة كالقانون الجنائي وقانون الأمن الوطني وعدد آخر من القوانين، وأضاف قائلا إن المقوم الآخر لممارسة الحرية الصحافية يتمثل في المهنية الصحفية، وأوضح أبو قرون أن النيابة لها ما يبررها في مسألة حظر النشر، مبينا أن أحد الإشكالات التي تواجه الصحافة مسألة حظر النشر والتي قال إنه يجوز استئنافها لدى وكيل النيابة الأعلى أو المدعي العام. واتجه أبو قرون ليصف أداء النيابة بالطيب لكنه استدرك ليقول إن بعض المستشارين يحتاجون لتدريب لأن نيابة الصحافة متخصصة وقضايا النشر نوعية. اختراقات الحرية بالمقابل جاء حديث الكاتب الصحفي فيصل محمد صالح ملامسا لمعضلة الحريات الصحفية بقوله إنه لا بد من توفر معايير للاحتكام عليها في مسألة الحريات، ومضى صالح ليؤكد أن حرية الصحافة لا تنفصل عن البيئة السياسية، وأضاف قائلا: "إذا ما كان هناك نظام ديمقراطي أو نظام نيابي وإذا ما كان هناك فصل للسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وقضاء مستقل من الصعب جدا أن تكون هنالك حريات صحفية وأنا أزعم إنو عندنا مشكلات في الحاجات دي كلها". وأشار صالح إلى أن الدستور ألقى واجبات على الدولة في حماية الحريات وعدم انتقاصها أو مصادرتها لكنه عاد ليشدد على أن الإشكالية تمثلت في التشريعات والقوانين، مشيرا إلى أن مسؤولية الصحافة تنطلق من أن حرية الصحافة تنتهي عندما تبتدئ حرية الآخرين، وتابع قائلاً إن الصحافة محكومة بهذا القيد وفي حال انتهكت حقوق الآخرين يجب أن تحاسب. وأوضح صالح أن هنالك قيوداً قانونية على الصحافة وأنه لا وجود لحرية مطلقة لكنه عاد ليقول إن ذلك لا يمثل مبررا لفرض الرقابة والتقييد على الصحافة، مشددا على أن مسؤولية الصحافة محكومة بتشريعات وقوانين وليست متروكة للجهاز التنفيذي، وتابع صالح قائلاً: "إن إغلاق الصحف يتم بقرارات إدارية". وكشف صالح عن وجود اختراقات كثيرة لحرية الصحافة بالبلاد وفيها خروج على كافة المبادئ التي نص عليها الدستور. جينات الشمولية رئيس تحرير صحيفة (السوداني) ضياء بلال اتجه للقول بأن المسؤولية الصحفية يدخل في إطارها الجوانب المهنية والأخلاقية والقانونية. وأطلق بلال دعوة لإقامة شراكة ذكية بين الحكومة والصحافة لا تقوم على السيطرة أو التمرد، ومضى ليوكد أن الرهان على القوانين فقط رهان خاسر، وقال إن ما يحدث الآن بشأن الحريات الصحفية هو تعبير عن حالة الانتقال أو الحالة الهجينية بين النظام الشمولي والنظام الديمقراطي فلا يمكن تصنيف النظام بأنه شمولي أو ديمقراطي. بلال قال إنه في ظل الظروف الحالية للبلاد من حروب وغيرها فإن كل ذلك يجعل من هامش الحرية هامشا مطاطيا، مشيرا إلى أن الحالة القائمة تعبر عن حالة القلق والتردد بين النظام الشمولي والديمقراطي. وشدد بلال على أن ما يتاح الآن من حريات عبارة عن منح وليست حقوقا، واتجه ليقول إنهم لا يتحدثون عن صحافة حرة إلا إذا حدث تغيير سياسي كبير وهو مطروح عبر الحوار، وتابع قائلا: "إذا لم يحدث التغيير ستظل حرية الصحافة في حالة التماهي السياسي بين الشمولية والديمقراطية". بلال أوضح أن التجربة الأخيرة للحريات الصحفية حدثت فيها انتكاسات بسبب أن بعض المجموعات التي (لم يسمها) سوقت للحكومة أن الذي يجري في الصحافة هو استهداف لها واشترت الحكومة تلك المخاوف، مبينا أن الفترة الأخيرة تعتبر من أكثر الفترات التي حدثت فيها انتكاسة في الحريات الصحفية، وأبان أن الإجراءات الاستثنائية التي تفرض على الصحافة تضعف من مصداقيتها وتمنح مساحة للمواقع والوسائط الإلكترونية. وأقر بلال بوجود ضعف في المؤسسات الصحفية وغياب للمهنية وعدم الالتزام بها في بعض الصحف، مؤكدا أنهم لا يحلمون بحريات صحفية في واقع ما زال يحمل جينات الشمولية. إيقاف بقوانين أمين أمانة الإعلام بالمؤتمر الوطني ياسر يوسف ربما أراد إرسال رسائل خلال حديثه في المنتدى. الرجل قال إن إيقاف الصحف يتم بناءً على قوانين. يوسف رفض تسمية ما تشهده الحريات من تراجع بالانتكاسة، وتساءل بالقول: هل يمثل إيقاف صحيفة انتكاسة عن الحريات، مشدداً على أن إيقاف صحيفة أو صحيفتين هو استثناء ولا يمثل موقف الحكومة. وشدد يوسف على أن حزبه لا يريد أن يرى أي صحيفة موقوفة، ومضى للتأكيد على أن الحرية عند حزبه حق وليست منحة، مؤكدا أن القوانين لم تعلق بسبب الحوار وأن القوانين سارية حتى يتم تعديلها، مشيراً إلى أن أي شيء يقومون به يتم وفقاً للقانون.