من رحم الفشل يولد النجاح، ولكن بين إدارات الخطوط البحرية السودانية التي تعاقبت خلال السنوات الأخيرة فإن الفشل يولد الفشل كما قال أحدهم.. من المحزن أن ينعي مدير عام شركة الخطوط البحرية السودانية، الكابتن مصطفى محمد مختار مصطفى أسطولنا البحري الذي كان يمخر العباب ويعلن عن انتهاء مراحل بيع (آخر باخرتين) من الأسطول البحري السوداني قائلاً إن شركته أكملت بيع آخر باخرتين تبقتا من الأسطول البحري السوداني، تم بيعهما لشركة هندية كبضائع إسكراب (خردة)، ويضيف: كابتن مختار كما جاء بهذه (الصحيفة) الغراء أن بيع الباخرتين ضرورة قصوى، اقتضتها ظروف الشركة وحالة الباخرتين مشيراً إلى أن الشركة عازمة على استعادة بريقها وبناء أسطول حديث من مختلف البواخر مجدداً. فإن سلمنا جدلاً بحالة الباخرتين فما هي الظروف القصوى التي اقتضتها ظروف الشركة لتبيع نفسها، فواضح من تصريح المدير العام أن الظروف القصوى هي التي اقتضت بيع الباخرتين كحديد اسكراب وليست حالة الباخرتين الفنيّة فالمرء مخبوء تحت لسانه فأي ظروف قصوى تلك التي اقتضت أن تلحق بآخر باخرتين بأمات طه! أمر يثير العجب ويضع عدة علامات استفهام، إدارة تعجز أن تسدد كامل مرتبات عامليّها، ماذا يرجى منها غير الحلول السهلة ببيع أصولها وبعدها إعلان الإفلاس! أين ما يسمى بالشراكة الذكية والعقد الذي تم مع شركة مسك الماليزية الذي وقعه المدير السابق للشركة النوراني دفع الله في عهد الوزير د. لام أكول 2005 لتستفيد منه الخطوط البحرية في توسيع نشاطها وجني عائدات بنقل الحاويات الجافة والمبردة وذات المواصفات الخاصة. سؤال محيّر يفرض نفسه إلى أين يتجه السودان وهو يفرط في بنيته التحتيّة التي من أساسيات الاقتصاد فبالأمس السكة الحديد والبارحة الخطوط الجوية واليوم البحرية والبقية تأتي تباعاً، ما هي المافيا التي تخرب اقتصاد البلاد وتنخر في عظمه من الداخل وتحارب كل تقدم إلى الإمام.. ابحثوا عن حوش اسحق الذي يقول إن كل تدهور يذهب بنا إلى نفس الحوش وما دمنا رايحين فسيد الرايحة يبحث عن حاجته في خشم البقرة! أين مايسمى بالتخطيط الاستراتيجي والخطط العشرية والخمسية والخمسين، هل هي تدعو إلى التدمير أم تطوير ماهو موجود وتنميته. إن منظومة النقل العام المتكاملة في أي بلد، هي الأساس لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والعصب الرئيسي للتطور والعمود الفقري الذي يرتكز عليه الاقتصاد، فعلى أي ظهر يرتكز اقتصادنا بعد التفريط في أعمدته! من المفارقات أن تُدَلَل شركات حكومية وتمنح استثناءات من أجل الانطلاقة وكأن قانون المراجع العام وقوانين الخدمة المدنية معوقة للتقدم والوثوب للأمام، فإذا كانت كذلك فالتلغى فوراً وإلا لماذا استثنيت الخطوط البحرية من المراجعة العامة بقانون 1996 م، وبماذا أفاد هذا الاستثناء و الدلال الشركة إذا كانت باعت كل أسطولها وجلست تحكي لنا عن أوهام (أن الشركة عازمة على استعادة بريقها وبناء أسطول حديث من مختلف البواخر مجدداً) على حد قول مديرها العام، إذا كانت لم تحافظ على ما ورثته بالباردة كيف لها أن تأتي بالجديد وتعيد بريقها وهي تأكل من لحمها الحي بل كل لحمها، وتقول إن مادفعها لذلك ظروف قصوى! من العجيب أن نرى دولة كأثيوبيا بها أسطول بحري مكون من (15) باخرة في ملكها وليست بالبيع الإيجاري كما تم في الباخرة المصرية دهب التي يتباهى بها مديرنا العام، دولة كأثيوبيا بلا ساحل تستأجر مرافيء من جيبوتي وجاء أسطولها بعدنا بسنوات، وتغذي الاقتصاد من دخله بنصف مليار دولار سنوياً ونحن لا نستطع حتى سداد المديونيات، مؤسف جداً أن نمتلك ساحلاً طويلاً لنربط عليه قوارب صيد الأسماك، فلانحافظ على القديم ولا نأتي بالجديد، لا أعلم مبرراً واحداً لإدارة تبقى على رأس عمل وهي لاتستطيع التطوير ولا تذليل المصاعب وإيجاد الحلول، كيف ترضى ذلك لنفسها إن كانت قد جاءت بعد شهر أو عام، من المؤسف أن يسجل تاريخ السودان أن في عهد مصطفى مختار أصبح السودان بحر بلا بواخر وتتحمل ذلك أيضاً حكومة السودان في هذا الزمان. إلى لقاء.. بقلم : محمدالطاهر العيسابي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته