" وصليت الصبح حاضراً ". ونحن نستوي ونستقيم أو نستقيم ونستوي همس الواقف عن يميني في أذني بدعوات طيبات صادقات لي بالبركة ما دمت محافظاً على أداء الفجر صلاة في جماعة دعوة منه وهي في أصلها بشرى تعود الى أصل الوجود وسيد الوجود صلوات الله وسلامه عليه الذي وصف من صلى الفجر في جماعة بأنه كمن قام الليل كله. لابد أن جاري هذا لا يعرف انني لست من اهل هذا البلد، هكذا قلت في نفسي، ولابد انه قد ظن أنني من أهلها وأن مجيئي في ذلك الفجر، القارس برده، هو جيئتي الأولى وأراد أن يحفزني على المواصلة. خرجت سريعاً، وعادتي أن أؤدي أورادي في المسجد ولكن ذلك الصباح قد كان مختلفاً إذ أنه قد كان على أن أستقل القطار المغادر في السابعة صباحاً وقد انقضت الصلاة، وتنقضي هذه الأيام ومثيلاتها من كل عام، قبيل السادسة بقليل وعلي أن أعود إلى مقر إقامتي لأخرج سريعاً لألحق بالقطار. القطارات السعودية غاية في الروعة، نظافة وانضباطاً وخدمات مثالية لولا أن الصحراء كثيفة الحضور والخضرة كاملة الغياب كما السحائب والغمام لظننت نفسك في أرقى القطارات الأوربية. السابعة تماماً من ذلك الصباح الوسيم كانت الانطلاقة وقد كان السحاب والغمام حضوراً كان مقعدي يعطي ظهره لمقدمة القطار وهذا أمر لا أحبه فسألت أحد أفراد الطاقم في عربة القطار إن كان بإمكاني أن أختار مقعداً آخر فلم يمانع ولكنه ذكر لي بأنه يخشى أن يكون ما اختاره من مقعد محجوز لراكب آخر ينضم إلى الرحلة في الهفوف أو أبقيق فأخذت بحديثه في اعتباري وأخذت ذات المقعد الذي اخترته لنفسي منتبذاً مكاناً قصياً في آخر تلك العربة الفخيمة. لم تكن نعيمة روبرت هذه المرة معي فقد خفت عليها من زحام من كانوا معي ... وعلى ذكر نعيمة فقد كانت إرادتي أن تكون معي في الأسبوع الماضي وأنا وأسرتي نحتفل برأس السنة الميلادية...كنت حريصاً على أن تكون معنا ولكن إرادة الله قد قضت بغير ذلك وما كان لنعيمة أن تكون في ذلك المكان العظيم بغير محرم شرعي لها إذ كان في استقبالنا للعام الميلادي الجديد عند خير خلق الله كلهم صلى الله وسلم عليه الفاتح الخاتم. في سفري، ولو كان قصيراً مثل هذه الرحلة التي كنت فيها من الرياض إلى الدمام وعوداً بالطائرة عصراً، فإنني أتزود ..أعلم أن خير الزاد التقوى والتي أسأل الله العلي القدير الكريم الرحيم أن يجعلنا من أهلها، ولكن في السنة النبوية المطهرة ما يحفز على الترويح عن القلوب ساعة بعد ساعة يا انسان حانان وحبيِّب يا المافيك غير كل الطيِّب بيعافيك الشدو الطيِّب سنَّة قلمك ورنة نغمك بلسمك ألمك.......يا إنسان قصيدة أرسلها اليَّ أخي وصديقي السر عثمان الطيب أيام كنت مصاباً بتلك الملاريا الأفريقية التي عدت بها من ساحل العاج وقصيدة أخرى منه سأعود اليها. وهذه أخرى :- كان في النية نتلاقى إلا طريقنا ما لاقى حنعمل ايه دي قسمتنا وأصلو الدنيا فراقة وثانية شقيقة لها من الشقيق الشفيف الحلنقي سأعود اليهما متحدثاً عن أشياء بينى وبين ذلك الهرم العظيم. وهاك جزء مختار من أخرى لآخر :- يا قلبي يا عامر حنان يا من على الأهوال صبر لو دمعتك روت البحار وصبّت على العالم مطر ما اظنو برجع ليك حبيب بدّل عناوينك هجر صور الحياة المحفوظة ليك بروازا خاطري الانكسر لله درك يا أبا الميمين يا أخي وصديقي مكاشفي وعتاب رقيق يا اخانا سيف الدين محمد الحاج على حبسك لمثل هذه الكلمات . ثم واحدة لشاعر مجيد رغم أنه مغمور :- سماحتك غنوة يا فاطنة نحجي بيها للأطفال وبي ود النمير شاهد ينوِّر سوطو برقاً شال معاك السبعة من جيلك كواكب عن يمين وشمال زينة الغابة والبندر حلاوة حفلة بي شبال رعاك الله يا بنيَّ المعز محمد الطيب ولم أنس أبداً قصيدة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:- النفس تبكي على الدنيا وقد علمت* أن السعادة ترك للذي فيها لا دار للمرء بعد الموت يسكنه * إلا التي كان قبل الموت بانيها فإن بناها بخير طاب مسكنه * وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها * ودورنا لخراب الدهر نبنيها أين الملوك التي كانت مسلطنة * حتى سقاها بكأس الموت ساقيها فكم مدائن في الآفاق قد بنيت * أمست خراباً وأفنى الموت أهليها لا تركنن إلى الدنيا وما فيها * فالموت لا شك يفنينا ويفنيها لكل نفس وإن كانت على وجل * من المنية آمال تقويها المرء يبسطها والدهر يقبضها * والنفس تنشرها والموت يطويها