دخلت وزارة المعادن في عهدها الثالث منذ انشائها بعد انفصال الاقليم الجنوبى وذلك بتولي الدكتور محمد أحمد الصادق الكارورى وزارة المعادن. تم تكوين وزارة المعادن لكى تلعب دورا اساسيا في استغلال الثروات المعدنية وفى تنمية الاقتصاد القومى بعد أن فقدت البلاد اكثر من 90% من بترولها الذى كان قد انعش الاقتصاد القومى .كانت كل الظروف متاحة لاول وزارة معادن لكى تلعب دورا اساسيا في الاقتصاد القومى وذلك لارتفاع اسعار المعادن وخاصة الذهب إلى ارقام فلكية حيث ارتفع سعر الوقية من مائتين دولار إلى الف وخمسمائة دولار وذلك لطلبات النمور الآسيوية العالية لكل انواع لمعادن حتى صارت جبال الجرانيت اهدافا اقتصاديا للمهتمين في تنمية الثروات المعدنية. في عدد الانتباهة بتاريخ السادس عشر من يونيو 2014 كتبت الصحفية هدية علي في عمودها "كلام عقل" عن التعدين والشركات الاهلية وقارنت بين عهد كمال عبد اللطيف " البلدوزر" ولا اعرف ماذا تعنى بهذه التسمية – الاشادة ام الذم لان هذه الكلمة تعنى الاندفاع بتهور وجرف كل شيء في الطريق وعهد الدكتور محمد أحمد الصادق الكارورى. ايضا لا اعرف لماذا لم تقارنه بالدكتور عبد الباقى الجيلانى – اول وزير للمعادن. في مرحلة المتوسطة بمدرسة دلقو الوسطى في منطقة المحس قبل اكثر من خمسين عاما تتلمذنا على يد استاذ من خيرة المعلمين في ذلك الزمن الزاهر وهو الاستاذ سيد أحمد محمد عبده (رحمه الله رحمة واسعة" وكان متعدد المواهب ومع أن تخصصه كان في الرياضيات والجغرافيا ولكنه كان يشرف على الجمباز الصباحى وعلى الرياضة والجمعية الادبية. سأل احد التلاميذ في الجمعية الادبية عن عاصمة نيجيريا فأجابه "نيو دلهى" فدخل الجميع في الضحك ما عدا الاستاذ حيث كان مؤدبا جدا وقال للتلميذ " يا ابنى اذا كنت لا تعرف الاجابة فقل لا اعرف بدل أن تعطى اجابة تفضح جهلك.هذا الموقف لم انسه. عندما قرأت مقالة الصحفية هدية على تذكرت هذه الواقعة لان الكاتبة لا تعرف شيئا عن التعدين ولا تريد أن تكلف نفسها عناء الاطلاع على التعدين وان تعرف اذا كان هنالك ما يسمى التعدين الاهلى ام لا . مقالها تفوح منها رائحة تشكك في مقصدها حيث انها تمجد كمال عبد اللطيف الذى قضى اكثر من عامين وتنتقد الوزير الجديد الذى تسلم الوزارة قبل شهور. مثل كل الانشطة الانسانية التى يمارسها الانسان منذ القدم ظهر التعدين البدائى لاستغلال المعادن مثل الذهب والحديد والنحاس وهنالك في كل انحاء العالم بقايا هذا النوع من التعدين في شكل حفريات ورحى ومنازل من الحجر. هذا النشاط انتشر في شمال السودان في العصور الفرعونية بصورة كبيرة حتى سميت المنطقة "منطقة النوبة" اى منطقة الذهب.بعد الثورة الصناعية في اوربا والتى قامت على المعادن مثل الحديد والنحاس والذهب والصفيح والزنك وغيرها من المعادن ظهرت شركات التعدين التى غزت افريقيا وامريكا وآسيا بحثا عن المعادن وظهرت علوم الارض والنظريات المتعلقة بتكوين المعادن وطرق تعدين. تطورت علوم الجيلوجيا والتعدين وتكنولوجيا استغلال المعادن حتى وصلت دول مثل السويد إلى استعمال المعدات الثقيلة بالرموت كنترول ودولة مثل جنوب افريقيا وصلت إلى عمق ثلاثة كيلومترات تحت الارض لاستغلال الذهب. في السودان تم انشاء المساحة الجيلوجية عام 1917 لتشرف على المعادن وترسم الخرائط الجيلوجية وتقييم المعادن وتعد التقارير العلمية وتنشرها في شكل ملفات مفتوحة لكى تساعد الشركات والمستثمرين لمعرفة اماكن تواجد المعادن واحتياطيها ومن اشهر الجيلوجيين في المساحة الجيلوجية البريطانية دلينى التى اعدت خرطة جيلوجية عن منطقة البلوكة وهى على ظهر حصان وما زال تقريرها في مكتبة المساحة الجيلوجية. تم فتح المناجم وخاصة مناجم الذهب في منطقة البحر الاحمر والولاية الشمالية حيث كانت تعمل اكثر من عشرة مناجم حتى عام 1954. كانت هيئة المساحة الجيلوجية ترسل البعثات الجيلوجية لاعداد الخرائط في كل انحاء السودان وتطلب من المنظمات والدول المساعدة في اعداد الخرائط وتقييم الخامات. ومن اشهر هذه المشاريع المشروع الروسى (1970 -1974) في البحر الاحمر والمشروع الصينى للكروم (1973 – 1976) في جبال الانقسنا والمشروع الفرنسى لاستغلال ثروات البحر الاحمر (1980 -1983) والمشروع الالمانى في صحراء بيوضة ومشروع التكامل في الولاية الشمالية. مع مجيء الانقاذ تم التركيز على البترول وتم اهمال هيئة الابحاث الجيلوجية حتى هجرها الجيلوجيون إلى مؤسسات البترول والى خارج السودان. ولكن فجأة ظهر التعدين العشوائى للذهب في ولاية نهر النيل والذى كان محصورا في ولايتى النيل الازرق والبحر الأحمر و يمارسه الاهالى الذين توارثوه عن اجدادهم. ولكن مع استمرار ارتفاع اسعار الذهب انطلقت الاشاعات عن وجود الذهب بكميات كبيرة في العبيدية. ظهرت معسكرات التعدين العشوائى والتى تفقد ادنى المقومات التى تليق بالانسان وصحته على ضفاف نهر النيل وانتقلت إلى وسط جبال الاحمر بعد أن تم طردهم لانتشار الخمور والدعارة وسطهم. ظهرت الكسارات والبكاسى والتناكر التى يملكها اعيان المدينة والمسؤولون المحليون فأصدر والي ولاية نهر النيل البروفيسور المجذوب منشورا وبه ثمانية وعشرون بندا للرسوم وهو ما سماه رئيس تحرير (آخر لحظة) الاستاذ مصطفى ابو العزائم " المنشور الذهبى" ورددت عليه بمقال "المنشور الذهبي والاوهام" وقام مشكورا بنشره.ارسلت رسالة إلى وزير الطاقة والتعدين الاستاذ الزبير محمد الحسن آخر وزير للطاقة والتعدين والذى ايضا اتصل بى مشكورا واستمع إلى واصدر قرارا بمنع التعدين العشوائى وتم استدعاء الوالى إلى الخرطوم وطلب منه سحب المنشور. عندما صدر قرار منع التعدين العشوائى اصدر والى ولاية البحر الاحمر الدكتور محمد طاهر ايلا قرارا بقفل جميع المعسكرات في المنطقة على أن يغادر المعدنون خلال اربع وعشرين ساعة فوصلوا إلى العبيدية للمغادرة إلى قراهم ولكن المسؤولين المحليين اعدوا لهم معسكرا شرق الطريق ولما احتجت وزارة الطاقة والتعدين والامن الاقتصادى طلبوا مهلة شهر لانهم تحصلوا على الرسوم من المعدنيين. كان هذا هو وضع التعدين العشوائى قبل تكوين اول وزارة للمعادن وتعيين الدكتور عبد الباقى الجيلانى كأول وزير للمعادن وكان يمكن أن تكون هذه نهاية هذا التعدين العشوائى المشين وتتجنب البلاد الكوارث البيئية والبشرية التى تعم جميع اركان البلاد اليوم . مات العديد من بسطاء هذا الشعب تحت انقاض انهيارات الآبار واصيب آخرون بشتى انواع السرطانات كما نقلته البعثة الطبية لوزارة الصحة لاستعمال الزئبق السام الممنوع عالميا تداوله وتحطمت البيئة في المناطق الغنية بالثروات الزراعية والحيوانية في كردفان ودارفور. مع كل هذه الكوارث التى حصرتها اجهزة وزارة المعادن وتحدث عنها المهتمون بالبيئة والتعدين يقوم لوبى التعدين العشوائى بإعداد المؤتمرات عن التعدين العشوائى تحت مسمى التعدين الاهلى او المستودع الاهلى كما اسماه اول وزير للمعادن ليكون غطاء لتقنين هذا النشاط البدائى المشين تحت دعاوى بأن له محاسن ودور كبير في الاقتصاد القومى وتوفير الوظائف للملايين. لضيق الوقت سأختصر الحديث عن العهود الثلاثة لوزارة المعادن وخاصة عهدى الدكتور عبد الباقى الجيلانى وكمال عبد اللطيف فالوزيران اتيحت لهما فرصة كبيرة لاقامة صناعة تعدينية تساعد الدولة في الخروج من الازمة الاقتصادية شديدة الخطورة بعد خروج البترول من الميزانية ولكنهما ادخلا البلاد في كوارث بيئية وصحية واجتماعية. لقد قسمت الوزارة في عهد عبد الباقي الولايات إلى مربعات كأنها خطط اسكانية ليتم توزيعها بعد ذلك إلى اشخاص وشركات . اما كمال عبد اللطيف فقد جعل وزارة المعادن كأنها مملكة خاصة به لا علاقة لها بالدولة فأتى بأكثر من اربعين موظفا من خارج الوزارة ومنحهم طابقا كاملا في الوزارة ليشرفوا على التعدين الاهلى وتعدين النفايات السامة ( الكرتة) لتقوم هذه الشركات بالعبث بالبيئة واستعمال الساينايد ولا يعرف احد كيف تتحصل هذه الشركات على هذه المادة بالغة الخطورة والتى تتحكم فيها منظمة عالمية تصدر اللوائح والقوانين التى تتحكم في نقلها واستعمالها والتخلص منها وتضع العقوبات على الدول التى لا تلتزم بهذه الوائح .اما في السودان فلا احد من المسؤولين قد سمع عن هذه المنظمة واجراءاتها . لا استطيع أن احكم على عهد الدكتور محمد أحمد الصادق الكاروى لانه في بداية عهده والذى اظهر فيه استعداده لقبول الرأى الآخر والنقاش مع من يخالفه في الرأى وهذه محمدة كبيرة افتقدتها وزارة المعادن في العهدين السابقين ولكن اود أن اضع امامه حقائق علمية لتساعده في اتخاذ القرارات التى تصب في المصلحة العامة وتساعد الدولة في استغلال هذه الثروات المتنوعة بالطرق العلمية المعروفة عالميا وتجنب البلاد الكوارث البيئية والانسانية. هذه الحقائق العلمية والمطبقة عالميا هى:- - في جميع دول العالم الثروات المعدنية ملك للدولة المركزية وذلك لضمان وحدة الدولة وللتكلفة العالية التى تحتاج اليها تنمية الثروات المعدنية. - فى جميع دول العالم تسمى الهيئة المشرفة على الثروات المعدنية المساحة الجيلوجية ( ابتداء من المساحة الجيلوجية الامريكية إلى المساحة الجيلوجية السعودية وتتطابق جميع القوانين واللوائح التى تتحكم في الاستكشاف والتعدين وهى الذراع الحكومى التى تشرف على الثروات المعدنية ورسم الخرائط الجيلوجية واجراء البحوث لتقييم الخامات واصدار الملفات المفتوحة لتساعد المستثمرين وشركات التعدين المحلية والعالمية. - لان الثروات المعدنية ناضبة واستغلالها يحتاج إلى امكانيات هائلة ظهرت في جميع دول العالم المتقدمة لوائح وقوانين صارمة تمنع التلاعب في الثروات المعدنية وتحافظ على استثمارات الشركات. - رخص التعدين وشروطها ومدتها تتطابق في جميع دول العالم كبيرها وصغيرها وفى مقدمتها المقدرة الفنية والمقدرة المالية والمقدرة على الحفاظ على البيئة وسلامة الانسان خلال وبعد انتهاء عمليات التعدين. - ما يجرى في السودان الآن يسمى في التاريخ الانسانى بحمى الذهب او الاندفاع الذهبى وهو معروف في التاريخ الانسانى في كل دول العالم والسودان عانى منه الكثير وما حملة محمد على باشا الا مثال واحد. - ما يجرى في السودان اليوم وفى كل ولايات السودان لعار علينا جميعا وخيانة للامانة التى وضعها الله رب العالمين على الانسان. - آلاف البسطاء ماتوا تحت الانقاض ولدغات الثعابين والعقارب والآلاف اصيبوا بشتى انواع الامراض ومنها السرطان وهؤلاء البسطاء لم يجدوا من ينصحهم او يمنعهم بل وجدوا التشجيع من الذين نالوا ارقى تعليم في العالم على حسابهم من اجل أن يتملكوا الفلل الفارهة ويمتطوا السيارات الفارهة ولا يعنيهم ما تعانيه اسر هؤلاء البسطاء من عذابات بفقدهم او موتهم. - . الأخ الوزير.. اضع هذه الحقائق امامك لكى تساعدك في اتخاذ القرارات المناسبة قبل أن تحل كارثة قومية بالبلاد تأكل الاخضر واليابس. تحتاج إلى قوة وشجاعة كبيرة وتأييد من رئاسة الجمهورية والمجلس الوطنى . لتحقيق هذه الغاية تحتاج إلى اقامة جهاز فنى يملك المعرفة والحس الوطنى يدير امر الوزارة بمسؤولية وشفافية ويشرف على استغلال الثروات المعدنية بالطرق العلمية وباستعمال التكنولوجيا الحديثة فالسودان جزء من عالم اليوم المتحضر الذى يحكمه العلم والتكنولوجيا الحديثة. السودان يشارك مصر والمملكة العربية السعودية واريتريا واثيوبيا الدرع العربى النوبى والمشهور بوجود الثروات المعدنية المتنوعة بكثرة. في هذه البلاد لا يسمح لأى شخص كائن من كان التعدين بالطرق العشوائية وتكوين الشركات الوهمية والتلاعب بالثروات المعدنية والبيئة وصحة الانسان . هذه الدول تشجع الاستثمار للشركات الوطنية والعالمية التى لديها امكانيات فنية عالية ومقدرة مالية مع الحفاظ على البيئة وصحة الانسان حتى وصل التعدين الحديث في المملكة العربية السعودية واريتريا إلى مستويات عالمية ويديره الشباب الوطنى في اللحظة التى تفاخر فيها وزير المعادن البلدوزر كما يسميه جمهوره جهارا نهارا بأن "العنقالة يستخرجون الذهب " وان الآلاف من خريجى الجامعات انضموا إلى العشوائيين" اعانك الله فالموقف صعب ولوبى التعدين العشوائى لن يستسلم بسهولة وسوف يرددون بأن هؤلاء البسطاء ينتجون خمسة وسبعين طنا في الوقت الذى لا يتعدى انتاج شركة ارياب طنا ونصف . وعند نهاية العام سوف يدعون بأن الذهب قد هرب إلى دبى مصدر معلوماتهم وعلى مجلس الوزراء تكوين لجنة تحقيق كما فعل الدكتور عبد الباقى الجيلانى بعد أن ملأ الاعلام بأن انتاج السودان سيصل إلى خمسة وسبعين طنا. كنت وما زلت اتمنى أن تكون لجنة تحقيق محايد تحقق في كل ما جرى منذ تكوين وزارة المعادن لانه بدون مثل هذا التحقيق لن نستطيع تحقيق أى شيء في هذه الوزارة. يشهد الله اننى لا انطلق من اي اجندة سياسية او تصفية حسابات مع احد في وزارة المعادن او خارجها وانما هو واجب وطنى نحو وطن قدم لى الكثير والكثير لن اتمكن من رد جميله. لك خالص التحايا والامنيات في تحقيق ما نصبو اليه وفى وقف هذا النشاط المشين الذى سبب وسوف يسبب كوارث بيئية وانسانية لا يعلمها الا الله. اللهم اني بلغت فاشهد، اللهم ابعد عن بلادنا الكوارث واحفظها من شرور ابنائها تاج الدين سيد أحمد طه مدير الجيولوجيا بشركة الذهب والمعادن النفيسة – جدة