سعيد عباس حميدة ابو عشر..الاحترام والحسن لك.! مابين نيران هجر الحبيب ومناهضة المستعمر البغيض ثارت قريحته الشعرية فقرض اروع الكلمات وأعذبها فاندلقت آماله وآلامه في براحات الوجد والشجون واقفاص المستعمر والسجون فتلاقحت المفردات والنبرات بداخله مابين مطرقة الشوق والحنين وسندان الاعتقال الاليم كيف لا وهو القائل: (الاشتياق والاحتراق والوجد لي والابتسام والانسجام والحسن لك)، فصار مَعْلَماً ورقماً لايمكن تجاوزه في تاريخ الاغنية السودانية، إنه اول شعراء المدرسة اللحنية الوترية الحديثة في بداية اربعينيات القرن الماضي الشاعر الكبير حميدة ابو عشر. (1) ولد شاعرنا محمد احمد عثمان الشهير (بحميدة ابوعشر) في بداية عشرينيات القرن الماضي بالخرطوم فقرأ الخلوة فيها ثم دخل المدرسة الانجيلية بالخرطوم ولكنه لم يستمر فيها طويلاً بعد ان اختلف فيها مع المعلمين بسبب نشاطاته السياسية المناهضة للإستعمار الانجليزي في ذلك الوقت فواصل بقية تعليمه بمعهد امدرمان العلمي ، ثم سافر الى مدينة ود مدني ليتم تعيينه بوزارة الاشغال حيث كان نجاراً ماهراً في تصميم معدات إجلاس الطلاب والمكاتب فتمّ تحويله الى مدرسة حنتوب الثانوية عام 1943م ليتم نقله منها في العام 1947م الى الحصاحيصا، وذلك لإنشاء مدارس جديدة هناك ولكن تمّ نقله الى الخرطوم مباشرة من الحصاحيصا لوشاية من احد المواطنين في اشتباهه في عمل سري مناهض للحكم الانجليزي فغضب غضباً شديدا لذلك وبدأ يناهض ويعارض الاستعمار جهرةً من خلال المظاهرات التي كان يظهر فيها كثيرا واحيانا يقودها كما ساهم ايضا بعدد من القصائد الثورية التي تشجب وتدين وتستنكر وجود الاستعمار الانجليزي على البلاد ، فضاق الانجليز به ذرعاً وفكّروا ان يقلوا به في سجن بعيدا عن العاصمة القومية فأوصدوه بالاغلال وبعثوا به الى سجن الابيض ، وكان يقبع في زنزانة معينة داخل ذلك القطار المتجه الى الابيض فسأله السجّان الملازم له قائلاً: ماذا تريد..؟ فقال ابوعشر ورقة وقلم فأتى اليه بهما فكتب اروع قصائده اثناء سير ذلك القطار وهو يخاطب ذلك السجان قائلا (الحجل بالرجل ياحبيبى سوقني معاك). (2) وتعتبر (الحجل بالرجل) التي غنّاها مؤخرا الفنان حسن عطية اغنية تجمع بين رقة المفردة وسلاستها ونظم القافية وصعوبتها فما اصعب ابيات القصيده حين تكون نهاية قافيتها الواو الساكنة كقوله: (الليلة العزول جاب لي خبر بالسو- نسام البحر قلب الخبر باللو- قال لي دام هواك يا حبيبي مهما تسو-) كأنما اراد ابوعشر ان يتجاوز شكل كل المنظوم الشعري الموجود في تلك المرحلة وبعد خروجه من السجن عمل بالابيض الذي مكث فيه ثلاث سنوات و خرج ثم عمل ترزيا في سوق الابيض وكان دكانه جوار دكان محمد علي الامي وسيّد عبدالعزيز فتعرف عليهم هناك وعاد الى الخرطوم وكتب لحسن سليمان الهاوي (محبوبي لاقاني وبي بسمه حياني - جذب الفكر حسنو - جهر العيون نورو) كما اهدى الفنان عثمان حسين اروع كلماته وهي (ظلموني الاحبة) وعندما نُقل ابوعشر من حنتوب الثانوية حنّ إليها وكتب فيها بالفصحى كما لم يكتب شاعراً من قبل (وداعاً روضتي الغناء وداعاً معبدي القدسي). (3) لم يتوقف إبداع ابوعشرعند هذا الحد فقد اصبحت نصوصه تنافس بعضها البعض فكتب الاغنية التي احدثت إنقلابا في الموسيقى السودانية وهي (غضبك جميل زى بسمتك) التي ادّاها ولحّنها المبدع عبد الحميد يوسف وعندما سُجّلت هذه الاغنية وتمّ بثها بالاذاعة السودانية كتب الموسيقار محمد عبدالوهاب فى الصحافة المصرية قائلاً: (وهانحن الآن نشهد طفرة وإنقلاباً موسيقياً بالسودان).