د. عبدالعظيم ميرغني القيامة من وجهة نظر علمية تخيل نفسك وأنت في آخر أيام حياتك، ها قد جاء دورك أخيراً، كما هو مصير كل كائن حي على هذه الفانية. ربما كانت حياتك سعيدة، عامرة بالصداقات والحب والإنجازات. أو كانت قاسية، ملأى بالمعاناة والشقاء، طابعها الوحدة والألم. أو ربما كانت من نوع يصعب وصفه أو تمييزه من حيوات ملايين البشر الذين تعج بهم البسيطة من حولك. مهما كانت حياتك هذه سعيدة أم تعيسة أو لا يمكن وصفها، فهي في كل الأحوال أشبه بخفقة جناحي ذبابة في محيط كوني هائل، واسع شاسع، لا نهائي ومذهل. تخيل نفسك أنك كنت من المحظوظين، الذين جاءت نهايتهم وهم وسط عشيرتهم وبين أفراد أسرتهم وأصدقائهم الذين يحبونهم، والذين تعلم مسبقاً بأنهم سوف يفتقدونك بعد مماتك ويألمون لفراقك. في تلك اللحظات الأخيرة في حياتك، قد تأخذ في التأمل في الأشياء التي لم يقدر لك فعلها، وقد تتفكر في الأماكن التي كان بمقدورك زيارتها، وفي المناظر الرائعة الخلابة التي كان بإمكانك رؤيتها، ولم يسعفك الوقت لذلك. الآن بدأت تشعر بدنو الأجل أكثر فأكثر، وبالمصير المحتوم الذي هو في انتظارك، وأخذت تشعر بالخوف يحل محل الهدوء والسكينة التي ظللت تنعم بها حتى تلك اللحظة الأخيرة من لحظات حيات. ما الذي سيجلبه الموت؟ هل هو انطفاء جذوة وعيك إلى الأبد وبلا رجعة؟ أم هو شيء آخر، شيء أكثر، أكثر بكثير؟ ها قد أغمضت عينيك، وزفرت زفرتك الأخيرة. واستيقظت لتجد نفسك في غرفة مريحة، ربما غرفة تذكرها منذ الطفولة، يغمرها ضوء خافت لا ترى له مصدراً. أنت وحدك تماماً في تلك الغرفة، ورغماً عن ذلك فإنك، بطريقة ما، تعرف بالضبط أين أنت، من غير أن يخبرك أحد. الأمر يبدو وكأن المعرفة تغمر عقلك من مصادر غير معلومة. ها قد تحققت الآن بأن الموت لم يفنِ وعيك. وأن وعيك لم يضع أو يتلاشى في فراغ العدم وبحر الصمت الأبدي، فها هو يتواصل في حياة ما بعد الممات. فأخذت تتجول ببصرك في أنحاء الغرفة التي عرفت أن اختيارها لك تم بواسطة كائن عاقل مسيطر على المكان، فجعله أقل وحشة حين استيقاظك. ولما كنت في حياتك قبل الممات محباً للاستطلاع فقد أتاح لك هذا الكائن العاقل المسيطر على المكان معرفة ما يدور خارج غرفتك التي استيقظت فيها. فعرفت أنه في خارج غرفتك فإن جهنم تشتعل في الخارج حيث تبلغ درجة الحرارة ترليونات مئوية، والضغط هائل لدرجة سحق كل الكواكب وكافة النجوم وجميع المجرات وإزالتها عن الوجود. فقد كان استيقاظك في آخر لحظات المكان والزمان، آخر نبضة للكون قبل أن يأخذ في التداعى والانهيار على نفسه ليصير "نقطة مفردة" هي الحالة التي كان عليها قبل مولده في انفجار أعظم تولد عنه الزمان والمكان قبل دهور سحيقة. فأنت قد استيقظت أو بعثك من مماتك داخل "نقطة أوميغا". كانت تلك رؤية للفيزيائي الأمريكي فرانك تيبلر التي ضمنها كتابه "فيزياء الخلود" الذي تناول فيه فكرة "بعث الموتى". وأميغا هي أحد حروف الأبجدية الإغريقية، ومصطلح نقطة أوميغا مصطلح ابتدعه الأب المسيحي (اليسوعي) بيير تيلار دي شاردان (1881-1955 ) للدلالة على حالة تطور الكون، الذي قال بأنه ذو طبيعتين: "مادة" و"محبة"، وأن الكون في تطوره سيتحول من حالة كونه "جسيمات من المادة" إلى حالة "حب وطاقة" من دون وجود للمادة. وبحسب فكرة الأب تيلار، فإن جميع ذرات المادة المتناثرة في الكون بما فيها المكونة للأشخاص (من البشر والحيوانات) ستتجمع كلها وتتجسد في شخص واحد هو المسيح وذلك عند بلوغها الحد الأقصى من التطور أي عند بلوغ "نقطة أوميغا" أو "نهاية العالم". أما الفيزيائي الأمريكي فرانك تيبلر الذي اقتبس مصطلح "نقطة أوميغا" من الأب تيلار فقد صاغ نظريته "نظرية نقطة أوميغا" التي تقول أنه في المستقبل البعيد ستنتشر الحياة في جميع أرجاء الكون وأنها ستتمكن من السيطرة عليه، وأن الكون في تطوره سيكون أكثر تنظيماً وتعقيداً وذكاء، وأنه بتواصل عملية تطور الكون فإن كمية المعلومات التي ستتراكم فيه ستكون لا نهائية، ولتقريب الفكرة ضرب مثل فحواه أنه في العام 2005 تضاعفت المعلومات بمعدل كل 36 شهرا، وفي العام 2008 كل 11 شهرا، وفي العام 2010 تضاعفت خلال يومين فقط بمقدار ما تم جمعه منذ فجر الحضارة. عليه، بهذا المنوال، فإنه عند بلوغ الكون حالة "نقطة أوميغا" فإن الكون بكامله سيتحول إلى جهاز حاسوب عملاق لا نهائي. وأن هذا الجهاز سوف يعمل على بعث كل كائن سبق له العيش في الحياة الدنيا، ثم يقوم بوضعه في بيئة حقيقية وفعلية كتلك البيئة التي وجد فيها الشخص الذي بدأنا به هذا المقال. ويوضح فرانك تيبلر - بالإستعانة بعلوم الفيزياء الحديثة- كيفية بعث أو إعادة خلق هذا الحاسوب للناس بعد الممات عند بلوغ الكون "نقطة أوميغا". ويلاحظ على نظرية فرانك تيبلر الملحدة هذه أن فكرة جهاز الحاسوب الكوني هذا الذي يمكنه إعادة خلق الناس أو بعثهم من مماتهم، لا يمكن تمييزه عن مفهومنا نحن لذات الله (سبحانه وتعالى) ويلاحظ أيضاً أن البيئة التي سيوفرها هذا الحاسوب للمخلوقات التي بعثها من مماتها –كما في حالة الشخص الذي بدأن به هذا المقال- لا يمكن تمييزها عن تصورنا للجنة. والذي نخلص منه في هذا المقال -الذي هو قراءة في كتاب "حافة العلم: أسرار العقل والمكان والزمان" لمؤلفه ألان بيكر - إلى أنه حتى الملحدين يؤمنون بالقيامة والبعث، وإن كان إيمانهم وقيامتهم وبعثهم على طريقتهم الخاصة.