(1) ما زلنا مع الغواصات السابحة في بحار المعارضة. والذي يطالع الأخبار والمقالات التي يعلقها الناشطون كل يوم على أستار الشبكة العنكبوتية، لا بد أن يلاحظ ظاهرة استسهال توزيع اتهامات الغوصنة. كثير من (المناضلين) لا يطرف لهم جفن وهم يوزعون شارات (الغوّاصة)، ويعلقونها على صدور رصفائهم، لكأنهم يوزعون الكعك والغريبة و(البيتي فور) صباح يوم العيد. حتى خيّل لي من كثرة ما رأيت من مظاهر الكيد للخصوم بوسيلة هذا الصنف من الاتهام أن نصف المعارضين غواصات، والنصف الآخر متفرغ لكشف الغواصات! قبل أسابيع قليلة غضب أحد المعارضين اليساريين في لندن على حبيبنا الدكتور صدقي كبلو، لسبب (اجتماعي) كما وردني. فلم يدخر وقتاً إلا ريثما أوقد نار حاسوبه ونفخ أسنان كيبورده. ثم فتح ملفاً في منبر إلكتروني ذائع أعلن فيه أن الدكتور صدقي كبلو - الخبير الاقتصادي، والقيادي الماركسي، الذي يرقد من ورائه تاريخ طويل من الكفاح تحت رايات بني شوعان، والذي سلخ أنضر سني عمره في زنازين الشموليات - إنما هو في واقع الأمر غواصة، يغوص لنظام الإنقاذ. وحث مناضلي لندن ونصحهم بالحذر منه! (2) وقرأت مقالاً إسفيرياً للأستاذ عادل عبد العاطي، مؤسس الحزب الليبرالي السوداني، وهو من الأحزاب التي وقعت مؤخراً على (ميثاق طيبة)، الذي جمع قوى المعارضة وحشدها تحت قبة العارف بالله أزرق طيبة. جاء المقال تحت عنوان (من هو الشيوعي هشام عثمان؟ وهل يعمل لصالح جهاز الأمن)؟ وقد افترع هذا الحبيب الليبرالي مقاله بالفقرة التالية: (تؤكد مختلف الإشارات أن هشام عثمان عضوٌ فعال في الحزب الشيوعي السوداني. وهناك شهادات أنه عضو في واجهة الحزب الشيوعي بالولاياتالمتحدة المسماة بالتحالف الديمقراطي؛ بينما قالت الناشطة تراجي مصطفى إنه على علاقة مع حركة العدل والمساواة. هذا الانتماء المزدوج هو أول ما يثير الاتهام؛ فهل هشام عثمان غواصة للحزب الشيوعي داخل حركة العدل والمساواة؛ أم هو غواصة لحركة العدل والمساواة داخل الحزب الشيوعي؟ أم أنه عميل لجهاز الأمن داخل التنظيمين في ساحة خطيرة كساحة الولاياتالمتحدة الأمريكية؟). وقد ارتج عليّ أمر هذا الغواصة، وضربت أخماساً في أسداس، فما فهمت كوع هذا من بوع ذاك. وراودتني خاطرة أن اقترح على المناضلين الأحباب بالولاياتالمتحدة عقد مؤتمر عام للغواصات، يتم من خلاله فرز وتفنيط وتصنيف مثل هذه الحالات التي (تمخول) الرأس وترهقه! (3) ثم وقفت في الزاوية الراتبة لحبيبنا الأستاذ حسن إسماعيل، بصحيفة (الخرطوم)، على حوار دار بينه وبين الأستاذ إبراهيم الشيخ، رئيس حزب المؤتمر السوداني، عقب إطلاقه من المعتقل مؤخراً. سأل حسن القيادي المعارض عن ذائعة سرت بين أهل الخرطوم، مؤداها أن إبراهيم الشيخ في حقيقة أمره غواصة للنظام. وأن عملية اعتقاله وإطلاقه إنما هي مسرحية دبرها البصاصون والجلاوزة لتلميعه وتحسين صورته، وتقديمه لدوائر المعارضة كمناضل شرس. فماذا كان رد الأستاذ إبراهيم الشيخ؟ نفى الرجل أنه غواصة. وفي مورد التدليل والإثبات صرح بأنه لو كان كذلك، لسلم نفسه على الفور، ولما حاول الفرار عند حضور الجلاوزة لمنزله بالنهود بغرض اقتياده إلى الحبس. أما كيفية محاولته الفرار فقد كانت – وفق روايته – عن طريق القفز من منزله عبر الحائط إلى منزل الجيران، ثم من منزل الجيران إلى حيث الأمان! وكنت في الأصل قد قرأت هذه الرواية في منبر إلكتروني، وقد كتبها أحد مناصري العصبة المنقذة فلم آبه له، ولم أُقم لحديثه وزناً. وقد رأيت المناضلين وقد قاموا إليه فقرعوه، وسخروا من مسعاه للحط من قدر المعارض الكبير! (4) وقد استغربت كثيراً لهذا التبرير المُربك، والمثير للحيرة، الذي قدمه رئيس حزب المؤتمر السوداني في محاولته التنصل من تهمة الغوصنة، حتى استبدّ بي الاعتقاد أن هذه التهمة ربما كانت أخف وطأة وأقل ضرراً من التبرير المبذول في دفعها. بدت لي فكرة الهروب من الجلاوزة، عن طريق القفز فوق منزل الجيران، فكرةً هوجاء، ناقصة عقل ودين. إذ ماذا كان بوسع هذا المناضل أن يفعل إن نجح يومها بالفعل في الإفلات من قبضة هؤلاء؟ هل كان سيقضي بقية عمره مختبئاً في (جخانين) النهود؟ أم كان سيتسلل عبر الحدود لينخرط في سلك المعارضة الخارجية؟ تصدق وتؤمن بالله يا أخ إبراهيم، لو أنك كنت قد وفقت في الهرب، ثم التحقت بصفوفنا، نحن معارضي الشتات، لما أغناك ذلك من الله شيئاً. ولما عدمت من يكسب فيك الأجر، فيعبئ سماوات الأسافير بمقالات من شاكلة: (هل إبراهيم الشيخ غواصة للإنقاذ داخل المعارضة، أم غواصة للمعارضة داخل الإنقاذ)؟! مصطفى عبد العزيز البطل هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته