في أحيان كثيرة، يحتاج المرء بأن يختلي بنفسه لأيام، يبتعد عن الروتين اليومي وتكرار الأشياء، يراجع نفسه ويشحن روحه بطاقة جديدة تساعده على قضاء عمره المكتوب.. لهذا يسافر العديد من الناس في إجازاتهم، إما بالعودة إلى بلادهم أو الخروج منها، للتمكن من استئناف ذلك الروتين الحياتي وممارسته بشكل طبيعي.. راودتني الفكرة وأحسست بالحاجة للابتعاد قليلا، بعد أن شغلنا العمل والحياة من أشياء عديدة.. رغبت في أداء العمرة، ورتبت نفسي ماديا واستعددت معنويا للقيام بها، لكن "المحرم" ما زال عقبة في الطريق.! أو بعد كل هذه السنوات ما زال المحرم شرطا لأداء العمرة؟ تساؤل مشروع، فالدين وشرعه منذ فجر التاريخ حتى اليوم في تطور مستمر في جميع أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يواكب باستمرار تقدم الإنسانية ويلبي حاجات البشر، التي تختلف من عصر إلى عصر، ومن مكان إلى آخر.! سافرت لوحدي إلى أمريكا وأوروبا دون رفقة، بغرض العمل أو التدريب وعدت سالمة بفضل الله، ولم أسمع فتوى شرعية تضع هذا السفر في طائلة الحرمة، فهل إن أراد الإنسان الذهاب إلى بيت الله الحرام، يحرم عليه ذلك لعدم وجود محرم؟! في قديم الزمان، كان الناس يسافرون إلى الحج مشيا على الأقدام أو على ظهر الدواب، يستغرق السفر في أحيان شهرا كاملا، يتعرضون لمخاطر تتمثل في قطاع الطرق واللصوص، يبيتون في ليل دامس ويشعلون النار أو يحملون الفوانيس لتضيء لهم الطريق، يبيتون في العراء أو الخيام، فكان شرطا أن يكون مع المرأة محرم، يحميها من مخاطر الطريق وعبث العاصين والمفسدين.! لكن ما بال السفر وقد أصبح الآن آمنا إلى بيت الله الحرام عبر الطائرة، فرجال الأمن من المطار وحتى مكان الإقامة ينتشرون في أي مكان، الشرطة في أتم استعدادها لتلقي أي شكوى في ثوانٍ قليلة عبر مكالمة هاتفية لا أكثر.. لا يبعد بيت الله الحرام من مساكن أو فنادق أنشأتها المملكة العربية السعودية للزائرين سوى كيلومترات معدودة، فأراحت الناس ووفرت الأمن والطمأنينة لهم بمقومات أخرى.. فلم المحرم ما زال شرطا؟! إمكانياتي المادية تسمح لي بأن أؤدي العمرة لوحدي، لا أن أقوم بدعوة محرم والتكفل بسفره – هذا إن وجد – وما هو المغزى بأن أسافر إلى دول العالم وحيدة وأن يُحرم علي أو على أي فتاة الذهاب إلى بيت الله الحرام دون وجود محرم.! ذلك المكان الذي يبتعد فيه معظم المعتمرين لأيام معدودات عن عالمهم الروتيني المعتاد.. عن الأهل والأصدقاء، عن الانترنت والهاتف و(الواتساب)، يختلون بمفردهم ويروحون عن أنفسهم في أكثر الأماكن قدسية وجمالا.. قد يقول قائل، إن المملكة العربية السعودية متشددة في هذا الجانب، فهي حتى الآن، تمنع المرأة من قيادة السيارة وتقلد عدد من المناصب، لكن طالما أن الأمر داخلي، وجب على الجميع احترامه، فهي خصوصية دولة، لا حق لأحد بالتدخل فيها، غير أن الأمر يختلف قليلا، حينما ينعكس التشدد على من هم خارج المملكة. إن الدين الإسلامي، دين تجديد، فلا شيء يمنع من التساؤل بصوت عال والتفكير حول شرط توفر المحرم بالنسبة للمرأة لتمكينها من تأدية العمرة.. فقد اختلف الحال، والظرف والزمان، فهل من مجيب؟!